تواجه امتحانات البكالوريا في مصر حالة من الارتباك الحكومي جراء عدم الاستقرار على طريقة أداء الامتحان وطبيعة الأسئلة قبل شهرين من عقد اختبارات نهاية العام في يونيو المقبل، ما يثير حالة من سخط الطلبة وأسرهم تجاه وزارة التربية والتعليم التي نالها قدر كبير من الانتقادات. ولم تحسم الوزارة التعليم بمصر، والمسؤولة عن مستقبل 25 مليون طالب في مراحل التعليم المختلفة، موقفها من أداء الامتحان إلكترونيا بشكل كامل عن طريق أجهزة “التابلت” على أن تكون عملية التصحيح دون تدخل بشري، وبين الركون لتجربة العام الماضي التي أجرتها عبر ورقة امتحان تعتمد على أسئلة الاختيار من متعدد تعرف باسم “بابل شيت” جرى تصحيحها إلكترونيا بواسطة ماسحات ضوئية. وتواجه الحكومة أزمة تتعلق بشكل الامتحان بعد أن تلقت تقارير أكاديمية عديدة أكدت ضعف مستوى الطلاب الذين خاضوا اختبارات العام الماضي دون أسئلة مقالية، وتسعى إلى إدخال تعديل على شكل الامتحان للتعامل مع الانتقادات، في حين أن ذلك يقودها إلى منظومة التصحيح الورقية وتواجه منظومتها الإلكترونية فشلا جديدا. وقررت وزارة التعليم عقد اختبارات تجريبية تبدأ الأسبوع المقبل لطلاب المرحلة الثانوية للتعرف على مدى قدرتها عقد امتحانات إلكترونية لطلاب البكالوريا، وتعول على نجاح التجربة لاتخاذ قرار يأتي دائما من رئيس الدولة لتحديد طريقة الامتحان التي تحظى باهتمام واسع لدى قطاعات عديدة في المجتمع ويتفاعل معها الملايين من المواطنين الذين لهم أبناء في مرحلة الثانوية العامة. وتدخل الرئيس عبدالفتاح السيسي العام الماضي لتحديد شكل امتحانات نهاية العام قبل أيام من انطلاق اختبارات البكالوريا ووجه بإتاحة النظام الورقي بجانب الإلكتروني (التابلت) كبديلين متاحين معا لأداء الامتحانات، وتراجعت الوزارة عن مخططها بعقد امتحانات إلكترونية وغاب التابلت بشكل كامل عن منظومة الامتحانات. كمال مغيث: الحكومة تواجه صعوبات على مستوى تحديد أوجه القصور كمال مغيث: الحكومة تواجه صعوبات على مستوى تحديد أوجه القصور وتصر الحكومة على إنجاح تجربة التابلت هذا العام بعد أربع سنوات من الفشل في تطبيق المنظومة بشكل كامل دراسيا وعلى مستوى إجراء الامتحانات، وتدرك بأنها ستواجه اتهامات بإهدار قرابة المليار دولار في تجهيزات البنية التحتية وشراء الأجهزة دون استفادة حقيقية من التجربة التي تعرضت لمشكلات ضعف شبكات الإنترنت وتعرض الأنظمة الإلكترونية التي تعاقدت عليها لأعطال مزمنة في أثناء تأدية الاختبارات التجريبية. وأكد وزير التربية والتعليم طارق شوقي أن تكلفة بناء المحتوى الرقمي تبلغ مليار جنيه سنويا (55 مليون دولار)، قائلا “إن الأرقام ليست بالقليلة وتعد جيدة ومعقولة اقتصاديا، حال حساب التكلفة لكل طالب مصري”. وتخشى جهات أمنية تكرار الأزمات التي نتجت عن امتحانات العام الماضي وترتب عليها اندلاع مظاهرات أمام وزارة التعليم رفضا لنتائج الامتحانات التي جاءت مخيبة لآمال الطلاب وأولياء الأمور وشكلت خرقا لحالة هدوء الشارع التي استمرت سنوات دون فعاليات احتجاجية، وسيكون موقفها من الامتحانات المقبلة حاسما في ظل تململ أصاب قطاعات واسعة جراء زيادات أسعار غالبية السلع والخدمات. وقال الخبير في المركز القومي للبحوث التربوية (حكومي) كمال مغيث إن الأزمة التي تواجه امتحانات البكالوريا لا تنفصل عن أزمات أخرى في طريقة أداء الحكومة التي تأتي بعض قراراتها بصورة أحادية من دون الاستعانة بالمجالس الاستشارية بعد تراجع دور بعض الهيئات الرقابية التي يجب أن تفعل إجراءات المساءلة بما لا يؤدي إلى الإصرار على إعادة تنفيذ إجراءات فشلت من قبل. وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة تواجه صعوبات على مستوى تحديد أوجه القصور التي أصابت منظومات الامتحانات خلال السنوات الماضية ولم تعلن للرأي العام الأسباب الحقيقية التي قادت إلى عرقلة تجربة “التابلت”، وكان من المفترض أن تضع ضمن أولوياتها تحسين منظومة شبكات الإنترنت بدلا من الاستمرار في إجراء تجارب لن تحقق نتائج إيجابية بمعدلات مرتفعة. وأشار إلى أن المجتمع المصري يواجه انفصاما في العلاقة بين الطلبة وأسرهم والمنظومة التعليمية، فقد اعتادت الأخيرة إدخال تعديلات وتبديلات على طرق وأساليب ومواعيد الامتحانات بشكل مفاجئ، وأضحت هناك حالة من عدم الثقة في إجراءات الحكومة، وستكون لذلك نتائج كارثية على مستوى تماسك العملية التعليمية. ولدى قطاعات شعبية عدة قناعة بأن تعليم الأبناء السبيل الأوحد لنقلها من طبقات دنيا إلى متوسطة أو غنية، وأن مرحلة البكالورويا حاسمة لتحقيق هذا الهدف، بينما الارتباك وعدم الاستقرار على أسلوب وطريقة واضحة للامتحانات يجعل هناك رفضا شعبيا لأي خطوات تطوير لاعتقادهم بأنها لن تخدم هدفهم الرئيسي. الحكومة مصرة على إنجاح تجربة التابلت هذا العام بعد أربع سنوات من الفشل في تطبيق المنظومة بشكل كامل وتتبنى الحكومة رؤى مقابلة تؤمن فيها بأن تحسين جودة التعليم يتطلب عقد شراكات مع جهات دولية والتوجه نحو المزيد من استخدام التكنولوجيا وتدرك بأن التطبيق سيكون بحاجة للمزيد من الوقت للوصول إلى الرضاء العام، وإجراءاتها في كل الحالات سوف تواجه انتقادات من جانب الطلبة وأولياء الأمور. ويقول متابعون إن التمسك بتجربة التابلت لا يخلو من أبعاد سياسية، فالحكومة عقدت شراكات مع البنك الدولي لتطوير التعليم وبناء التعليم الجديد وتغيير المرحلة الثانوية في مشروع بدأ منذ عام 2019 لمدة خمسة أعوام، وحصلت على قرض بقيمة 500 مليون دولار مع بدء التطوير قبل أن تحصل العام الماضي على قرض آخر بقيمة 350 مليون دولار للتنمية القدرات المحلية وبينها التعليم. وأوضح خبير علم الاجتماع السياسي عبدالحميد زيد أن ارتباك وزارة التعليم سوف تكون له انعكاسات سلبية متباينة، لأن أولياء الأمور الذين يتحملون فاتورة تعليم أبنائهم بشكل كامل مع تراجع المدارس الحكومية لا يعرفون المعايير الأساسية لأداء الامتحانات الجديدة، من ثم فالضغوط التي يتعرضون لها مع أبنائهم يمكن أن تتحول إلى سلوكيات غضب كامنة الآن، لكنها قابلة للانفجار، كما حدث العام الماضي. وذكر في تصريح لـ”العرب” أن تهدئة الرأي العام تتطلب الإسراع في حسم الموقف وعدم الانتظار فترات طويلة، مع ضرورة فتح حوارات موسعة مع منظمات المجتمع المدني والقائمين على العملية التعليمية والأكاديميين والتربويين لإقناع المواطنين المعنيين بصحة موقف الحكومة، سواء قررت إجراء الامتحانات إلكترونيا أو ورقيا.
مشاركة :