أثار بثّ المسلسل التلفزيوني “براءة” على قناة الحوار التونسي (غير حكومية) منذ مطلع شهر رمضان الجاري جدلا واسعا في صفوف التونسيين، حول قضية الزواج العرفي الذي يمنعه القانون، ما جعل وزارة المرأة والأسرة تصدر بيانا تؤكد فيه أن هذا الزواج فيه انتهاك لمكاسب المرأة ومسّ من كرامتها. ويجرّم القانون التونسي المقرّ عام 1957 هذا النوع من الزواج. كما يمنع تعدد الزوجات ويعاقب المخالفين بالسجن لمدة خمس سنوات. وقالت وزارة المرأة والأسرة والطفولة والمسنين في بيانها “إنّ الزواج على خلاف الصيغ القانونية أو ما يعرف بالزواج العرفي يمثّل جريمة يدينها القانون، وأحد أوجه الإساءة لمكاسب المرأة التونسيّة وشكلا من أشكال الانتهاك الصارخ لمدنيّة الدولة ووجها من وجوه الاتّجار بالبشر والتهديد لحقوق النساء”. وأضافت أن من دور الدراما والفنّ عموما المساهمة في التعريف بأركان هذه الجريمة وفضح ما يرافقها من تمثّلات خاطئة، وذلك في كنف الاحترام التام لآليّات التعديل والتعديل الذاتي وللقواعد والضوابط التي تنظّم الفضاء السمعي والبصري، وفي مقدّمتها نبذ العنف والغلوّ والتطرّف وحماية المصلحة الفضلى للطفولة. وأشارت الوزارة إلى أنّ البعد الوظيفي للفنّ يقتضي الانخراط في مسار المساواة بين الجنسين، مع ما يستدعيه ذلك من تنشئة على قيم عدم التمايز على أساس الجنس، باعتبار أنّ الفنّ مؤسسة من مؤسسات التنشئة الاجتماعيّة. وأكدت وزيرة المرأة التزام الدولة التونسيّة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة والعمل على دعمها وتطويرها، واتّخاذ كافة التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضدّ المرأة، مجددة التأكيد أن الزواج العرفي هو زواج على خلاف الصيغ القانونيّة وجريمة يعاقب عليها القانون بعقوبة سالبة للحريّة طبقا للفصل 18 من مجلة الأحوال الشخصيّة وللقانون عدد 3 لسنة 1957 المتعلّق بتنظيم الحالة المدنيّة. وتجدر الإشارة إلى أنّ الجريمة المذكورة لا ينطبق عليها الفصل 53 من القانون الجزائي والمتعلّق بظروف التخفيف. الزواج العرفي هو زواج على خلاف الصيغ القانونيّة وجريمة يعاقب عليها القانون بعقوبة سالبة للحريّة طبقا لمجلة الأحوال الشخصيّة كما أعرب بيان الوزارة عن ارتياحها لما عبّرت عنه شرائح واسعة من الشعب التونسي من رفض قاطع لجريمة الزواج على غير الصيغ القانونيّة، تأكيدا لتمسك التونسيين بنموذجهم المجتمعي والحقوق المكتسبة للمرأة التونسيّة وقيم الجمهورية ومدنية الدولة. وأشارت الوزارة في بيانها إلى رفضها لكافة أوجه التطبيع مع جميع أشكال العنف الممارس ضد المرأة، داعية كلّ الفاعلين، وفي مقدّمتهم مؤسسات الإعلام وأهل الفنّ والثقافة، إلى المساعدة على تكريس الالتزام المجتمعي الشامل بتطبيق مقتضيات القانون 58 المتعلق بمناهضة العنف ضد المرأة. كما أعلنت اعتزامها تنظيم ندوة وطنيّة جامعة، في إطار مقاربتها التشاركيّة قبل موفى السنة الجارية، لتعميق النقاش بين كلّ الهياكل والجهات المعنيّة حول القضايا المتّصلة بالتعاطي الإعلامي مع قضايا المرأة والطفل واقتراح الحلول لأبرز التحدّيات القائمة، إيمانا بالدور التاريخي للنخب الفكرية والفنية والعلمية التونسية التي لطالما تبنّت النموذج المجتمعي المستنير، الذي انطلق مساره بتونس منذ القرن التاسع عشر. وخلال السنوات الأخيرة انتشرت ظاهرة الزواج العرفي خاصة في صفوف الطلبة السلفيين والمتعاطفين معهم، وذلك رغم صرامة القانون التونسي ومنعه لتعدد الزوجات وكل صيغ الزواج التي لا تستجيب للشروط القانونية والمدنية. ويرجع خبراء علم الاجتماع ذلك إلى التقاء الأفكار الدينية السلفية مع الجذور الاجتماعية الفقيرة للطلبة. وسجلت خلال السنوات الخمس الأخيرة 1718 قضية زواج عرفي في تونس، وقد بتّ القضاء التونسي في 287 ملف زواج عرفي خلال السنة القضائية الفارطة، و369 ملفا في السنة التي سبقتها. كما تم تسجيل 386 قضية خلال السنة القضائية 2017 - 2018، و351 ملفا في 2016 - 2017، و325 خلال 2015 - 2016. فكرة الاستقرار الأسري يرفضها الكثير من الشباب فكرة الاستقرار الأسري يرفضها الكثير من الشباب ويعد الزواج العرفي آلية لشرعنة العلاقات الجنسية المنتشرة في المجتمع التونسي، وفق عدد من خبراء علم الاجتماع، كما هو غطاء للجنس الحلال وتقنين للشهوات المكبوتة. وقد بات هذا النوع من الزواج واقعا ملموسا، على الرغم مما يسبّبه من مشكلات اجتماعية ونفسية وصحيّة. ويعرّف خبراء علم الاجتماع الزواج العرفي بأنّه زواج غير موثق رسميا، فهو يتمثل في كتابة عقد غير قانوني بين طرفين بحضور شهود، ودون أن تترتّب على هذا النوع من العقد نفقة شرعية للزوجة أو أي حقوق قانونية لدى الزوج أثناء الزواج وبعد الطلاق. وبينت دراسة ميدانية أعدها عدد من الطلبة من خمس جامعات تونسية سنة 2015 أن ظاهرة الزواج العرفي انتشرت بنسبة 37 في المئة في صفوف السلفيين بصفة عامة، وبنسبة 83 في المئة في صفوف الطلبة منهم، وبنسبة 23 في المئة في صفوف الطلبة المتعاطفين معهم. وأشارت ذات الدراسة إلى أن 90 في المئة من المتزوجين عرفيا ينحدرون من أوساط اجتماعية فقيرة ومن أحياء شعبية أو جهات داخلية محرومة، في حين ينتمي 10 في المئة منهم إلى عائلات من الطبقة الوسطى التي تعرّضت خلال الفترة الأخيرة إلى التهميش الاجتماعي والتفقير. ظاهرة الزواج العرفي انتشرت خاصة في صفوف الطلبة السلفيين والمتعاطفين معهم رغم صرامة القانون التونسي ومنعه لتعدد الزوجات وتعود ظاهرة الزواج العرفي في تونس إلى ما قبل ثورة يناير 2011، إلا أنها كانت حكرا على الطبقة الوسطى والعليا من المجتمع التونسي، وقد تداولتها عدة وسائل إعلام رغم إنكار السلطات الرسمية لها، حسب ما صرّح به المختص في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد. ويرى بالحاج محمد أن صيغة الزواج هذه تنتشر في كل الشرائح الاجتماعية، وليست حكرا على العازبين دون سواهم. واعتبر أن الزواج العرفي آلية لشرعنة العلاقات الجنسية المنتشرة بكثرة في المجتمع التونسي، ذلك أن 80 في المئة من الشباب و67 في المئة من الشابات يمارسون الجنس خارج إطار الزواج، رغم أن التونسيين في قرارة أنفسهم غير متصالحين مع فكرة العلاقات المحرمة، بحكم الوازع الديني وتربية الحلال والحرام وثقل الموروث الثقافي والاجتماعي الذي يتعارض أحيانا مع الصورة المتحررة التي تظهر بها بعض الطبقات الاجتماعية. وأشار بالحاج محمد إلى أن الزواج العرفي “يشكّل ملاذا لتلبية حاجات جنسية وتجنّب عقدة الإحساس بالذنب وتأنيب الضمير إزاء الوازع الديني الذي يكبح جماح تلك الرغبات”. وتعد تونس منارة من منارات الحريّة والانتصار لحقوق المرأة وقيم المساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين، وقد منعت مجلة الأحوال الشخصية الصادرة سنة 1956 تعدّد الزوجات ونصّت على معاقبة كل من يخترق هذا المنع بعقوبة جزائيّة، وجعلت الطلاق بيد المحكمة، وأقرت المساواة الكاملة بين الزوجين في كل ما يتعلق بأسباب الطلاق وإجراءاته وآثاره، كما أقرّت الزواج عبر اشتراط رضاء الزوجين، ومنعت إكراه الفتاة من الوليّ وتصدّت للزواج المبكّر عبر تحديد السنّ الدنيا للزواج، وجرّمت الزواج خارج إطار القانون (العرفي) وفرضته في صيغة مدنيّة رسميّة، وألغت واجب الطاعة الزوجيّة. وهي من المكاسب الرائدة التي يضمنها القانون وتحرص الدولة التونسيّة على المزيد من تأصيلها ودعمها وإثرائها.
مشاركة :