«لوموند»: الرقابة الثقافية في الكويت تعود إلى الواجهة

  • 4/13/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أثار إلغاء عروض مسرحية «آي ميديا» التي كان مقرراً تقديمها في مركز جابر الأحمد الثقافي ردود فعل كبيرة في الكويت وخارجها، إذ سلطت صحيفة «Le Monde» الفرنسية الضوء على الموضوع، وكتبت المحررة لور ستيفان تقريراً موسعاً بشأنه. تناولت صحيفة لوموند الفرنسية، أخيراً، موضوع إلغاء عروض مسرحية "آي ميديا" للمخرج سليمان البسام التي كان مقرراً تقديمها في مركز جابر الأحمد الثقافي بمناسبة يوم المسرح العالمي. وقالت الصحيفة، في تقرير لها بهذا الصدد: كانت الأجواء إيجابية في فصل الشتاء بالنسبة إلى "آي ميديا"، أحدث مسرحية لسليمان البسام، حيث يعيد الكاتب الكويتي تفسير أسطورة "ميديا" الإغريقية، وقد فازت مسرحيته بجوائز في قرطاج والقاهرة وحصدت إشادة واسعة في بيروت، مستدركة "لكن هذا العرض المسرحي تعثر في الكويت، فقد أُلغِي في ربيع عام 2020 تزامناً مع تفشي جائحة كورونا، ولم تسنح الفرصة لعرض المسرحية في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي الضخم الذي تم افتتاحه عام 2016 (يشمل قاعة للمسرح والأوبرا تَسَع ألفَي مقعد) خلال الأمسيات الثلاث التي تم التخطيط لها في نهاية مارس الماضي". استحالة العرض وأبرزت الصحيفة التناقض في عمل إدارة المركز، بقولها "مع ذلك، يشيد المركز على موقعه الإلكتروني بابن البلد، فيصفه بـالكاتب المسرحي والمخرج المشهور عالمياً، غير أن الأخير يستنكر عبر اتصال هاتفي منع عرض المسرحية ضمناً، بقوله: لقد تراكمت التعقيدات مع مرور الوقت. حين يصبح العرض مستحيلاً، يعني ذلك أننا نخضع للرقابة ضمناً. ما نفع هذا المركز الذي كلّف مبالغ هائلة إذا كان يمتنع عن عرض أعمال الفنانين المحليين؟". وأضافت: "في هذه الدولة الصغيرة حيث تبقى حرية التعبير أفضل من دول الخليج المجاورة، أطلقت الصحافة نقاشاً حول حرية الإبداع ودور المنصات الثقافية الحكومية". الانصياع والاستبداد ورأت "لوموند" أن مسرحية "آي ميديا" تعج بمواضيع متنوعة، منها أفكار خاصة وجماعية مثل الطلاق، والعنصرية، والطموحات المدمّرة، والتمرد، لافتة إلى أنها "عمل قوي ضد الانصياع والاستبداد، الذي يتخذ شكل قوة منحرفة حيث يجمع الانحراف اللامحدود بين الفساد واستغلال الأديان لتحقيق غايات اجتماعية وسياسية". وأضافت أن الممثلة السورية الفرنسية حلا عمران تمثل، خلال العمل، دور "ميديا" المتمردة، ويؤدي البسام على التوالي أدوار "جاسون" و"كريون" ودوره الحقيقي ككاتب المسرحية. الثقافة في تراجع أكدت الصحيفة أن إدارة المركز أرادت تجنب المشاكل عبر إلغاء عروض البسام، الذي عرض إحدى مسرحيات الكاتب المسرحي السوري الكبير سعدالله ونوس في المسرح الوطني الفرنسي، عام 2013، "لكنه تعثر محلياً لأن الدولة تفتقر إلى الرؤية المناسبة، إنها مسألة مهمة في بلدٍ يَحِنّ إلى عصره الذهبي خلال السبعينيات والثمانينيات، حين نظّم أول معرض للكتاب الخليجي واستضاف عدداً من الفنانين العرب المنفيين". وأكدت أن الابتكار لم يتوقف يوماً، لكن توسّعت القيود المفروضة على هذه الأعمال، مبرزة في هذا الصدد قول العالِم السياسي، غانم النجار: "في الماضي، كانت الثقافة تتطور بفضل مبادرات مشتركة بين الحكومة والمجتمع المدني. أما اليوم، فتحاول السلطات السيطرة على كل شيء. هذا الوضع لا يمنع الكويتيين من التعبير عن أنفسهم: تخضع جميع القرارات لنقاشات مكثفة وتُنظَّم مؤتمرات في الأماكن العامة. يحظى فنانونا بإشادة واسعة في الخليج لأنهم أكثر حرية. لكنّ الثقافة بدأت تتراجع بسبب السيطرة التي تفرضها الحكومة. لا يمكن فصل هذا الوضع عن سوء أداء النخبة السياسية في البرلمان حيث يستفحل الفساد وتتوسّع النزعة المحافِظة". وتوقعت الصحيفة في نهاية تقريرها، استناداً إلى غياب أي منصات رسمية لعرض المسرحية في الكويت، أن تُعرَض "آي ميديا" في الخليج، أو نابولي (إيطاليا)، أو اسطنبول (تركيا) خلال الأشهر المقبلة، مؤكدة أن البسام لديه شك في أن يفتح له مركز الشيخ جابر أبوابه مجدداً في أي وقت قريب: "لا يزال التعطش إلى الثقافة راسخاً في البلد، لكننا نعيش حتى الآن في دوامة من العذاب والمخاطر. وما زلنا نعيش لعنة الذهب الأسود التي تؤخّر الإصلاحات الضرورية". أعمال حساسة وأكدت أن "رجل المسرح يقتبس عدداً من الأعمال الكلاسيكية، مثلما استوحى أفكاره من أعمال شكسبير في مرحلة سابقة من مسيرته، فيُعدّلها كي تتماشى مع الظروف المعاصرة"، لافتة إلى أن "الأكاديمية والناشطة الليبرالية الكويتية ابتهال الخطيب ذكرت أن سليمان يطرح أعمالاً حساسة جداً من الناحية السياسية، فهو يقدّم شخصية ميديا، المرأة التي اعتُبِرت مجرمة منذ عصر اليونان القديمة، إذ تهرب من بلدها وتخسر هويتها وأنوثتها بسبب السياسة. إنها قصة قوية ولا مفر من أن تُحدِث ضجة كبرى". سخرية من حُكم قضائي وعن العرض في دار الآثار، قالت الصحيفة: لم يستسلم البسام بكل بساطة، فقد عرضت دار الآثار الإسلامية مسرحيته في 27 مارس الماضي، وهي منظمة ثقافية خاصة تديرها الشيخة حصة الصباح، راعية الفنون وواحدة من أفراد الأسرة الحاكمة. وأضافت: لكن قبل عرض المسرحية تحت حمايتها، كان يُفترض أن تبطل مفعول زيارة لجنة الرقابة التي أرسلتها جهة رسمية قبل يوم العرض، إذ تَعرّض الكاتب المسرحي للضغوط كي لا يثير استياء الجهات التي تجاهر بالمعايير الأخلاقية، لكنه قرر رفع مستوى جرأته خلال تلك الأمسية، فسخر من حُكم قضائي جديد برأ المتّهمين في قضية مدوّية تتعلق باختلاس الأموال العامة، وصفّق الحاضرون لهذا العرض الارتجالي بحرارة. تدهور الشأن الثقافي وأشارت إلى تدهور الوضع الثقافي في الكويت، موضحة أن "افتتاح المركز الثقافي كان قد ضاعف الآمال بتوسيع انفتاح البلد، فقد بدا على الورق منصة أكثر حرية من المراكز الرسمية الأخرى"، مضيفة: "على عكس تلك الأماكن، يخضع هذا المركز لأوامر الديوان الأميري مباشرةً ولا يخضع للجنة الرقابة المرتبطة بوزارة الإعلام التي أصبحت معروفة بإصدار قرارات مبكرة لمنع الأعمال الأدبية حتى عام 2020". وتابعت: اضطرب الوضع في بداية شهر مارس، وأعادت لجنة من مركز الشيخ جابر السيناريو إلى البسام بعد الإشارة إلى المقاطع التي اعتبرتها محرجة، وحاولت الإدارة التفاوض معه لتخفيف حدّة بعض العبارات، فقد صدمتها عبارة ساخرة في المسرحية استُعِملت للسخرية من مظاهر العنصرية الشائعة، إذ يقول البسام على المسرح متقمصاً دور الكاتب: حين تعيش في فرنسا باعتبارك عربياً، حتى في حالتي أنا العربي الخليجي غير المطّلع على تجارب الاستعمار الفرنسي الغابرة، يصبح التعاطف مع ميديا طبيعياً. ويضيف: قال لي الأشخاص الذين تكلّمتُ معهم في دار الأوبرا: ستُسبب لنا المشاكل مع دولة صديقة! لكن تكمن المفارقة الحقيقية في إقدام سفيرة فرنسا في الكويت، كلير لو فليشر، على كتابة تغريدة تُعبّر فيها عن سرورها الكبير بمشاهدة العرض المسرحي الخاص. استبداد متزايد وقالت "لوموند" إن إلغاء العرض في مركز الشيخ جابر يتزامن مع أجواء مضطربة لا تكفّ عن التفاقم نتيجة نظام شائب واستبداد متزايد، فقد بدأت الرقابة تتوسّع منذ عقد من الزمن، لافتة إلى أن البسام ينتقد الفساد و"برنامج الأسلمة الذي تطلقه السلطة الإدارية لأسباب سياسية داخلية"، وكانت هذه العوامل كفيلة بتقليص نطاق الفرص المحتملة: "يمرّ البلد بحالة من الهستيريا. بدأت عواقب الخيارات السيئة تتّضح مع مرور الأيام على مستوى التعليم والصحة ومجالات أخرى. تستفحل الصراعات أيضاً وتصل إلى عمق الأسرة الحاكمة".

مشاركة :