روائية بحرينية: الرجل لابد أن يملك بعض الصفات الأنثوية ليكون روائيا !

  • 12/5/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

صحيفة المرصد :حينما تجوس خلال العالم الروائي للروائية البحرينية فتحية ناصر تجد تجسيداً لمدينة الأنثى من خلال ما تضمه من علاقة داخلية مع ذاتها، ومن خلال كتابة سيرة المرأة فهي تجسد سيرة مدينة في أحلامها المتعددة، وتحمل سلاح السؤال لتواجه به الرجل في خضم روايتها (الرجل السؤال). وبحسب صحيفة اليوم التي اجرت حوار مع الكاتبة البحرينية فتحية ناصر جاء فيه : دخول عالم الكتابة الروائية غالبا يكون من بوابة المرأة، لماذا برأيك ؟ الرواية تشبه المرأة، فالمرأة تعنى بالتفاصيل ، والرواية كذلك . والمرأة لا تنظر للحدث فقط، بل تبحث في الداخل عما وراءه، عن الدوافع لحدوثه ، والرواية ينبغي أن تكون كذلك . والمرأة تستطيع القيام بأكثر من مهمة وتجمع في كيانها الواحد عدة أدوار مثلما ينبغي للرواية أن تجمع كل خيوطها في نسيج واحد . كما أنها تدرك بتلقائية الرابط بين النتائج والأسباب وهذه أمور يعتبرها الرجل عادة غير مهمة أو ينظر لها كمبالغة مرهقة في التحليل والتدقيق ، لكنها ضرورية بالفعل في عالم الرواية. أعتقد أن الرجل أيضا لابد أن يملك بعضا من هذه الصفات الأنثوية ليستطيع أن يكون روائيا. في ثلاثية (أبحث عن نفسي ) هل كانت فتحية تكتب سيرة مدينة من خلال المرأة ؟ هي سيرة المكان وكيف يمكن له أن يمارس تأثيراته علينا ويغيرنا، فالشخصية الأساسية في هذه الرواية عاشت - منذ الطفولة - صراعاً بين المكانين : القرية والمدينة. ورغم أننا قد نظن أن تأثيرات المكان علينا من الصغر بحيث لا تذكر - خصوصا ومدن اليوم لا تختلف كثيرا ، في الظاهر ، عن القرى - إلا أن الحقيقة هي أن المكان يترك علينا تأثيرات هائلة، وإن كان ذلك بشكل تدريجي وغير ملحوظ . فما كنا نمارسه من قناعات في المدينة قد نخجل من ممارسته في القرية، وما كنا نؤمن به هناك قد يتزعزع هنا حتى ما كنا نلبسه ! وما كنا لنعلنه بكل ارتياح أمام الناس المتمدنين قد لا نجرؤ حتى على التلميح إليه بين أبناء قرية !. بعض النقاد قال عن ثلاثيتك إنك كتبتها بهاجس ايديولوجي أو كباحثة في الاثنوغرافيا .. ما رأيك؟ كان هاجسي الحقيقي والأول هو أن أكتب عن بلدي كما هو في الداخل : عن تركيبته الديموغرافية ونسيجه العرقي ، وعن تفاصيل الحياة اليومية لشعبه ، أفكارهم وعقائدهم وطبيعة حياتهم وحقيقتها. كنت أحاول أن تكون الرواية صورة واقعية ودقيقة جدا عن كل ما هي البحرين عليه ، فقد شعرت بأن خصوصيتها بدأت تضيع الاعلام والأعمال الدرامية لا يعطياننا صورة حقيقية لها. فطبيعة الحياة الفارهة مثلا، التي تصورها لنا الدراما ، لا تعكس حقيقة حياة الناس، لذلك هي لا تلامس وجدانهم في شيء. أما أن تكون الرواية محملة بهاجس أيديولوجي، فأنا أتفهم هذا الرأي النقدي - الذي بات النقاد اليوم يعبرون عنه كسمةٍ سلبية في الكتابة - لكنني لا أوافق على اعتباره كذلك. على العكس، أرى أن الكتابة المحايدة ضعف وعجز عن المواجهة، وأؤمن بأنه لابد أن يكون لدى الكاتب ما يقوله وإلا أصبح نتاجه مجرد محاولات لتسلية الآخرين ! رواية ( الرجل السؤال ) كما وصفها بعض النقاد وضعت الرجولة في شرك الأسئلة الأنثوية الشائكة؟ هل تتفقين مع وجهة النظر؟ ولماذا استخدمت السؤال كسلاح ضد الرجل ؟ السؤال ، في مجتمعات كمجتمعاتنا العربية، هو أضعف الإيمان، ومع ذلك فهو يمكن أن يكون جريمة تستحق العقاب إن تطرق للمسلمات أو لبعض المواضيع الشائكة والمحرم الخوض فيها، رغم أنه الخطوة الأولى نحو أي تغيير وتجديد وارتقاء فكري، إلا أننا كثيرا ما لا نشاطر أحدا تلك الأسئلة، ومنا من لا يبوح بها حتى لنفسه. الأسئلة التي تضمنتها هذه الرواية كانت سلاحا مشهرا في وجه المجتمع أكثر مما هو موجه للرجل، وإن كان الرجل في الأغلب هو من يسن قوانين المجتمع ويسيرها لمصلحته، إلا أن المرأة تأتي لاحقا - للأسف - لتؤكد على ذلك وتربي الأجيال عليه !. في روايتك ( المرأة التي أحب ) كانت الكاتبة تسجل نبضا شعريا وتحليلا نفسيا أكثر من اعتمادها على استخدام نموذج روائي يشتمل على قيم وعناصر فنية روائية .. هل هذا صحيح؟ أعتبر دائما أن اللغة الحساسة والمرهفة هي المادة الخام للأدب ، وهي أهم أدوات الأديب، صحيح أن الأحداث مهمة ، وأن الرواية الحديثة باتت تتجه للاعتماد أكثر فأكثر على أسلوب الدراما من تواتر الأحداث واستمرار التصادمات بلا توقف ، إلا أنني أعتقد أن الأدب مختلف عن ذلك. فالأدب يجب أن يكون وقفة تعيننا على فهم أنفسنا، لا مزيدا من الركض وراء ما يحدث في الخارج، فنحن نفعل ذلك كل يوم، بل في عصر ادمان وسائل التواصل الاجتماعي هذا، نفعله كل لحظة ! لكن يبقى الأدب وحده، هو ما يمكنه قول تلك الأشياء التي لا يمكن للكاميرات أن تقولها، ووصف تلك الأحاسيس التي تعجز أعظم تكنولوجيا عن التعبير عنها. لا يفوتني - رغم ذلك - أن أذكر هنا أن بعض الروايات قد تمكنت بنجاح من الجمع بين الاثنين فتجاوزت ما سقطت فيه تجارب سابقة من سطحية الطرح، إلا أن ذلك - في كل الأحوال - قليلا ما تحقق دون أن يكون على حساب اللغة. كتابك "سيرة عاطفية" هل جاء استكمالا لسيرتك الروائية ؟ ليس تماما، وبالأحرى، هو محطة لجرد الحساب، بل قد يكون حتى خطوة خارج سياق خطي الروائي، لكنني آثرت القيام بهذه الخطوة في هذا التوقيت من حياتي لأسباب كثيرة لا يتسع المجال لذكرها هنا، لكن يمكنني أن أقول باختصار : إنني كنت والحياة في مكاشفة، أو مرافعة، وضعت أمامها كل معطياتٍ ، وكل حرمان، ومازلت أنتظر منها أن تحقق المطلوب، وتوجد حل المعادلة الذي يساوي حاصل جمع كل تلك الخسارات، دون أن يختل ميزان العدل. قارئ السيرة قلت في "سيرة عاطفية" الكذب أحلى من الصمت لأنه يحير، وأنا كاذبة وغامضة ومجهولة، هل نعتبرها لعبة مع القارىء لإشغاله عن السيرة الذاتية الحقيقية للكاتبة؟ -ربما، لكنها أيضا خطوة احترازية، إذ إن قارئ السيرة يحمل دائما هاجس الشك في صدقها، فأنا بهذا أقول للقارئ المشكك : إنني "أعلم أنك قد لا تصدق ، ولا أمانع ذلك" وفي نفس الوقت أزين لأصحاب النوايا الطيبة فضيلة الشك !. أوثق نفسي هل كانت فتحية من خلال السيرة العاطفية تريد أن تكتشف نفسها أكثر مما ستكشفه للقارىء من سيرتها ؟ كنت أريد أن أوثق نفسي ووجودي، وتلك المشاعر التي مرت وتركت أثرها الكبير في ذاكرتي وحياتي، فهي إذا وثيقة، وكما تعرف فإن المشاعر - للأسف - لا تملك لوجودها أي اثبات . الغضب ، الحزن ، الفرح ، المحبة ، البغض ، الشعور بالقهر. كل تلك الانفعالات، لم يخترع بعد مؤشر يمكن أن يقيسها ويحدد درجتها، لا يمكنك - للتعريف بها - إلا أن تعبر عنها، لأنها لا تملك أوراقا ثبوتية تؤكد وجودها أمام الآخرين، ارتأيت أن أجعل الأدب يقوم بهذه المهمة. لو حاولنا تلخيص رواياتك بالقول : "إن الكتابة لدى فتحية هي غوص في أعماق الرجل لفهمه" فإلى أي مدى تقبلينه؟ -أفضل القول : إنها غوص في أعماق الحياة وتأملات حول فلسفتها، لكن رؤية بهذه الشمولية من الصعب طرحها في عمل واحد ، أو في كل عمل !! لذلك أنا أطرح في كل رواية جانبا مختلفا، وهكذا أيضا تأخذ كل فكرة حقها. في ( المرأة التي أحب ) مثلا، كانت الكتابة غوصا في وجدان الرجل، ومحاولة لإدراك عاطفته واستيعاب أفكاره. أما في ( الرجل السؤال ) فكانت بحثا في سؤال العلاقة بين الرجل والمرأة، ثلاثية ( أبحث عن نفسي ) كانت تأملا في واقع الحياة البحرينية، و( سيرة عاطفية ) جاءت رؤية في أعماق الذات والذاكرة. كتبت ( أبحث عن نفسي ) بقالب كلاسيكي ورواية (الرجل السؤال ) بطريقة الفلاش باك، هل الفكرة هي التي تفرض عليك القالب الروائي ؟ كل فكرة يمكنها أن تطرح بأكثر من شكل كما أظن. ويبقى على المؤلف اختيار القالب الذي يريد أن يقدمها للقارئ من خلاله. في الثلاثية، ارتأيت أنه من الأفضل أن يعيش القارئ مع الشخصية الرئيسة طفولتها ويكبر معها، فيعرف بالضبط متى آمنت ببعض العقائد ومنذ متى بدأت تساورها الشكوك، جزء من الفكرة كان محاولة تقصي واقتفاء أثر كل المؤثرات التي تطالنا في الحياة منذ نبدأ. أما في الرجل السؤال فكان ( الفلاش باك ) ثوبا مناسبا لحالة شخص يعيش في الماضي مثلما كانت الشخصية الرئيسة، فهي لا تتقدم، بل تدور حول نفسها فقط في فلك الأسئلة وفراغ دائرة الذكريات. أين تقع الرواية البحرينية في خارطة الرواية العربية ؟ الرواية البحرينية ، للأسف ، مهمشة، وأغلب القراء في العالم العربي لا يعرفون من الأسماء البحرينية سوى الأقلام المخضرمة. الجيل الشاب لا يسلط عليه الضوء بالشكل الكافي وذلك لأسباب كثيرة منها ما يتعلق بدور النشر ومنها ما يتعلق بالمكتبات والصحافة، وحتى القائمين على الثقافة. لو حدثتينا عن تجربتك في الطباعة وتعاملك مع دور النشر؟ وكيف تلقى النقاد أعمالك ؟ بات معروفا لجميع المشتغلين بالثقافة اليوم أن دور النشر في أغلبها أصبحت مشاريع تجارية، وهذه المشاريع تستقي أرباحها من القارئ ومن الكاتب أيضا !. وبما أن الكاتب سيدفع مقابل طباعة كتابه فإن دور النشر لا تكلف نفسها دائما عناء الترويج لأي كتاب بالشكل الكافي، حتى وإن كانت مقتنعة بموهبة مؤلفه !. حين كنت أسعى لنشر كتابي الأول (الحجابان) ادعت المطبعة أنها أيضا دار نشر وتوزيع، فدفعت لها مقابل ذلك، لكني فوجئت بعد الطبع بتسليمهم إياي ألف نسخة ( وهي الطبعة كاملة) لأعمل على توزيعها بنفسي ! . أما حين أنهيت ثلاثيتي فقد اخترت التعامل مع دار نشر أخرى عريقة، ومقرها في بيروت، لكن كانت ملاحظات اللجنة التي شكلوها لقراءة عملي مخيبة للظن. فقد أكدت لي أن اعتراضاتهم على الرواية مرتبطة بجهلهم الواقع البحريني، وظنهم - على ما يبدو - أن كل الخليجيين أثرياء ، مثلما تصور المسلسلات الخليجية. وكنت حين توجهت لهم آملة - نوعا ما - أن يكونوا، كمشتغلين في الثقافة، أكثر وعيا، وأصعب قابلية لامتصاص خداع الاعلام مما هم الناس العاديون !. أما بالنسبة للنقاد فأنا أجد ملاحظاتهم مشجعة حتى وإن كانت تحمل رأيا مخالفا لأطروحاتي، إذ كثيرا ما أكتفي بالفرح أني قرئت، لكن فكرتي في النقد هي أنه ينبغي أن لا يصدر أحد حكما على كاتب من كتاب واحد ، سواء أكان الحكم سالبا أم موجبا، وألا يُنظَر أيضا لكل عمل على حدة. فالكتابة مشروع متصل ومتنامٍ، وينبغي الأخذ بتراتبية الأعمال ، أو على الأقل بعدد متنوع منها، قبل الاقرار بأهمية كاتب ما أو بإخفاقه.

مشاركة :