مدن تعيش تحت الماء

  • 12/5/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

في كل عام ونحن بموعد مع مآسي ارتبطت بهطول الامطار والسيول يذهب ضحيتها عدد من المواطنين والمقيمين وتلحق اضرار جسيمة وبالغة في الممتلكات والمصالح العامة والخاصة حيث تنكشف أمام هطول تلك الأمطار عورات بعض الجهات الخدمية وتتبدد أحلام التطور من جديد في سلسلة لا تنتهي تتصدع بها الشوارع وتنهار من خلالها المباني وهذا القصور أمر ليس بالجديد ومتلاحق ومستمر منذ سنوات فقد تسبب في سوء تدني الخدمات وسوء التخطيط وضمور في البنية التحتية للأحياء وتزايدت بها العشوائيات فبات الأمر شائك ومعقد أمام الجهات المعنية في إعادة التخطيط العمراني الصحيح ومن هنا يتعين لنا بأن لابد من تفعيل القرارات بأوجه مختلفة عما كانت عليه سابقاً من حيث استراتيجيات التخطيط العمراني وايجاد الحلول المناسبة في فشل التمدد العمراني وتراكم زيادة عدد السكان بالتكدس في موقع الخدمات مما نتج عنه عوامل عديدة كالتعديات على ممتلكات الدولة من أجل البناء والسكن او سواء الخدمات مثل انتشار النفايات في الطرقات وامام أبواب المنازل او زحام المركبات الذي يؤدي إلى الاختقات المرورية ويسبب الضجيج وتلوث الاجواء بالعوادم المنبعثة من المركبات فقد سببت هذه المشكلات المتزايدة والمتراكمة بشكل ملحوظ في عدم التوافق بأولويات التخطيط مع حجم التطلعات والاحتياجات في مدن تشهد زيادة هائلة في اعداد السكان واتساع رقعتها الجغرافية بما ينعكس على ذلك ادارياً واقتصادياً وهو ما أوردته دراسات سابقة صدر بعدها نظام المناطق عام 1412هـ ومما زاد الأمر سوء و تعقيداً فشل سوء التخطيط في إنشاء بنية تحتية لشبكات تصريف مياه الأمطار بسبب الاعتماد على نظريات قاصرة من بعض المهندسين و الخبراء في هذا المجال التي استند من خلالها بأن كميات الامطار في الغالب لا تزيد عن (100 ملم ) وصور الحال بأن هذه المياه لا تشكل أي خطورة على المدن في العقود الثلاث الماضية و بقي الأمر في ذاكرة النسيان وأهملت الدراسات الجادة والفاعلة والتنسيق مع الجهات المعنية كالرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة وهيئة المساحة الجيولوجية وذلك للتنبؤات القادمة وما تكون عليه أوضاع المدن في ارتفاع منسوب المياه ما ادى الى قيام مشاريع الشبكات المتواضعة لتصريف المياه لمواجهة هطول الامطار والسيول التي تنهمر بغزارة شديدة وبمكيات أكبر عن السابق فكان من الأولى من الجهات المعنية ذات العلاقة أن يبنى تخطيط المدن والاحياء على استراتيجيات واضحة المعالم تتصف بالتكاملية وتصور الواقع نموذجا للأحياء الراقية مكتملة الخدمات تبدأ من البنية التحتية حتى تصعد إلى موقع البناء ويراعى في مراحل التخطيط الأولية مرحلة التحليل للمشروع قبل عمل الافكار التخطيطية و الحصول أولاً على مخططات للموقع المعني بدراسة المخططات الطبغرافية (الكنتور) وهي بكل بساطة مخطط يبين ارتفاعات الارض والجبال والاودية فيتم تحديد مسارات الاودية ومصباتها ويتم رصدها ومنع البناء أو التعديات عليها وإيضاحها للمجتمع والجهات المعنية إلا أنه للأسف أصبح المطور العقاري أو المستثمر يبحث عن هذه المواقع فيزيل الجبال ويطمر الاودية ويضع قطعاً سكنية وتجارية في مسارات الأودية ومصبات المياه ويغير من ملامح الطبيعة والمكان من أجل التكسب المادي دون النظر إلى خطورة قيام المباني على تلك الاراضي الواقعة في بطون الاودية فيتم استغلال هذه المواقع و يتم تخطيطها والبناء عليها ، السؤال الذي يحتاج إجابة لماذا تجاهلت الجهات المعنية والرقابية بعدم رصد هؤلاء المسوقون والمستثمرون وايقاف التعديات والبناء في المناطق المحظورة ؟ والاجابة في اعتقادي بأن الأمر بات واضحاً فهناك مشاركات من بعض الجهات في غض الطرف عن هؤلاء المستثمرون والمسوقون لتحويل تلك المناطق المحظورة إلى مخططات واستغلت حاجة الموطن في البحث عن السكن بعرضها وبيعها وأدى ذلك التعدي على تلك المناطق عن قيام بعض المشاريع المتواضعة لتصريف مياه السيول والامطار بطرق مخجلة وضخمت في الاعلام بأنها مشاريع عملاقة تستطيع أن تواجه التحديات وارتفاع منسوب المياه وكم سمعنا وقرئنا في وسائل الاعلام المقروئة والمسموعة التصريحات من كبار المسئولين في أمانات المناطق بان مشاريع تصريف مياه السيول والامطار قد اكتملت وباتوا يطمئنون المواطنين بأن الأمر أصبح تحت السيطرة و أنهم مستعدون لمواجهة ارتفاع منسوب المياه ولكن في حقيقة الأمر بأن تلك التصريحات اصبحت حبر على ورق والمؤلم بأن الجهات الاعلامية اعطت مساحات واسعة لتصريحات المسئولين في الامانة غير الواقعية ولم نشاهد أي أثار لتلك المشاريع العملاقة ولم تلبي مستوى الطموحات التنموية فما حصل خلال العقود الثلاثة المنصرمة من فشل الجهات المعنية في اقامة مشاريع التصريف بسبب إسناد إعمال التنفيذ لشركات وهمية والبعض غير مؤهلة والاعتماد على مهندسين لا يملكون من الخبرات ما يكفي لإقامة تلك المشاريع بالشكل الصحيح فكان من المفترض تضافر الجهود بين الجهات المنفذة والجهات الرقابية كلاً فيما يخصه بدراسة المواقع المخصصة لإقامة المشاريع دراسة متأنية تقوم على أسس علمية من حيث طبيعة المكان وتطبيق الجودة في المشاريع التنموية للبنية التحتية والتخطيط السليم للتمدد العمراني وتخصيص المواقع الحيوية والخدمية بشكل هندسي مدروس يخدم الاحياء السكنية ويكون لديه القدرة على تحمل الاعداد المتزايدة من عدد السكان ويكون التمدد العمراني قابل للتطوير من خلال الاعتماد على بينة تحتية متماسكة وقوية ولكن للأسف ما زال امر التطوير للبنية التحتية حبيس الادراج ومشاريع تصريف مياه السيول والامطار لا تلبي الاحتياجات ولا تستطيع أن تواجه التحديات في ارتفاع منسوب المياه واصبحت تلك الاحياء تعيش تحت الماء. • الباحث في القضايا و الدراسات الامنية و الاجتماعية

مشاركة :