في نهاية عام 2021 قامت هيئة البحرين للسياحة والمعارض بإعداد الاستراتيجية الوطنية للسياحة لمملكة البحرين للأعوام 2022-2026، ووافق عليها مجلس الوزراء الموقر برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله بتاريخ 24/10/2021. وجاءت هذه الاستراتيجية كجهد حقيقي لهيئة البحرين للسياحة والمعارض في إبراز القطاع السياحي من ضمن القطاعات الواعدة للمساهمة في وضع البحرين على خارطة السياحة الدولية، ورفد الاقتصاد الوطني بالعملات الصعبة، وتنويع مصادر الدخل للدولة والمواطنين، وذلك انسجاماً مع رؤية البحرين 2030. تأتي هذه الاستراتيجية امتداداً للاستراتيجية الوطنية للسياحة الأولى لمملكة البحرين للأعوام 2016-2019، وارتكزت وقتها على أربعة مرتكزات رئيسية وهي تسهيل الدخول، والجذب السياحي، والتسويق والترويج، والإقامة. وتأتي هذه الاستراتيجية كخطة عامة للتعافي الاقتصادي من الآثار المدمرة لوباء كوفيد-19 والتي تجلت آثارها للعامين 2020-2021، مع الأمل في أن يتعافى الاقتصاد بشكل عام والسياحة بشكل خاص. وبناءً على إحصائيات هيئة البحرين للسياحة والمعارض، فقد ارتفعت نسبة مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي من 4.6% عام 2015 إلى 6.8% عام 2019، وارتفع إجمالي إنفاق السياحة الوافدة من 1.1 مليار دينار إلى 1.5 مليار دينار لنفس الفترة، وارتفعت أعداد الزوار القادمين إلى مملكة البحرين بغرض السياحة من 9.7 ملايين سائح إلى 11.1 مليون سائح للفترة ذاتها، وزاد متوسط الليالي السياحية من 2.3 ليلة في عام 2015 إلى 3.4 ليال سياحية للعام 2019. تتربع مملكة البحرين كجزيرة هادئة في وسط مياه الخليج العربي، متميزة بموقع ومناخ معتدل خريفا وشتاء يؤهلها لان تكون مقصدا سياحيا جاذبا للسياح على مدار فصلين كاملين. فعندما يكون شمال أوروبا وأمريكا وكندا تحت وطأة الشتاء القارس، تكون البحرين مستعدة لاستقطاب السياح الإقليميين والدوليين. شهدت المملكة في السنوات الماضية تطورا ملحوظا من حيث البنية التحتية من الطرق والمطارات والمنافذ البحرية والبرية، والبنية الفوقية من الفنادق والمطاعم ومراكز التسوق والترفيه وقصور المؤتمرات والمتاحف، وغيرها، والتي تعتبر من اساسيات تطوير المنتج السياحي. تجلت هذه الجهود في الإعلان الاستراتيجية الوطنية للسياحة 2022-2026 والتي جاءت كخارطة طريق لجعل المملكة مقصداً سياحياً متميزاً جاذباً للسياح على مدار العام. وتأتي تلك خاصة مع تصاعد أهمية السياحة إقليميا في منطقة الخليج العربي والتي ستكون ركيزة داعمة لجعل السياحة أحد أعمدة الاقتصاد في المملكة. تسعى الاستراتيجية لتحقيق (4) أهداف رئيسية وهي إبراز البحرين كمركز سياحي عالمي، وزيادة مساهمة السياحة في الناتج القومي، وزيادة عدد الدول المستهدفة، وتنويع المنتج السياحي. ترتبط هذه الأهداف الأربعة ببعضها البعض، ومن أجل تحقيقها لا بد من البدء بالتركيز على تنوع المنتج السياحي والذي يعرف في علم السياحة بالعرض السياحي، وهو ما يقدمه المقصد السياحي من خدمات ومنتجات للسياح. فكلما زاد العرض السياحي وتنوع، أصبح جاذباً ويزاد الطلب عليه. وتسعى الاستراتيجية إلى تقديم منتج سياحي منافس ومتنوع يجذب السياح على مدار العام. أولا تتميز البحرين بكونها جزيرة في منطقة دافئة خريفاً، وشتاءً وربيعاً، مما يجعلها مقصداً جاذباً للسياح من الدول المجاورة في الإقليم والسياح الدوليين. إن تنوع الأنشطة ذات العالقة بالسياحة بدا واضحا من خلال التمعن في ركائز الاستراتيجية والذي سيكون له أثر إيجابي، وخاصة ان هناك أنواعا معينة سيتم العمل عليها وخصوصاً الأنماط السياحية التي تجذب السياح ذوي الدخل المرتفع ومنها سياحة الأعمال، السياحة العلاجية وسياحة الإعلام والأفلام السينمائية. النوع الأول من أنماط السياحة الواعدة هو سياحة الأعمال وهي سياحة الاجتماعات والحوافز والمؤتمرات والمناسبات والتي تستقطب عادة رجال الأعمال والمستثمرين والمؤتمرات الدولية. تتمتع مملكة البحرين ببنية تحتية وفوقية مميزة تجعلها قادرة على استقطاب هؤلاء السياح من خلال بناء وتحديث المطار ووجود قصر مؤتمرات بمواصفات عالمية ومساحة البحرين التي تجعل من إمكانية الوصول والتنقل سهلة وميسرة. والنوع الثاني وهو السياحة العلاجية والطبية التي تعتبر مصدراً من مصادر رفد اقتصادات العديد من الدول المجاورة ومنها الأردن ولبنان. اذ ان السفر بغرض العلاج يتميز عن غيره، لأن السائح يمكث فترة زمنية طويلة في المقصد السياحي ويسافر بغرض العلاج والاستجمام والترفيه بنفس الوقت، فتكون استفادة المقصد السياحي أكبر وتتوزع المنافع الاقتصادية بطريقة عادلة بين مختلف المناطق والقطاعات. النوع الثالث من السياحة والذي ركزت عليه الاستراتيجية وهو الذي يعتبر أداة تسويقية مميزة قبل ان يكون رافدا اقتصاديا مهما هو الإعلام والأفلام السينمائية، والذي اعتمدت عليه تركيا من خلال تصوير المسلسلات والأفلام والاعتماد على الطبيعة الخلابة التي جذبت ملايين السياح. تحتوي البحرين على طبيعة خلابة وبحر هادئ ولؤلؤ مميز وصحراء جميلة تجعلها مقصدا مهما لتصوير مختلف الأنواع من الأفلام سواءً كانت وثائقية، أو بدوية، أو دينية، أو غيرها. وخير مثال على ذلك في المنطقة العربية المجاورة أن الأردن أصبح منذ ستينيات القرن الماضي مقصداً لتصوير الأفلام العالمية (27 فيلما لغاية الآن) مثل لورنس العرب 1962، إنديانا جونز 1989، ذيب 2014، ملكة الصحراء 2015، المريخي 2015، علاء الدين 2019. وهذه الأفلام اسهمت بدرجة كبيرة في ترويج الأردن كمقصد سياحي عالمي. ولذلك يمكن للبحرين أن تستفيد من هذه التجارب بهدف الترويج الفعال للملكة كمقصد سياحي جاذب. النوع الرابع من السياحة الذي يجب التركيز عليه وهو سياحة الشواطئ، حيث إن البحرين جزيرة محاطة بالماء من جميع الجهات. الاستراتيجية ركزت على هذا النوع من السياحة (الواجهات والأنشطة البحرية). يوجد العديد من الشواطئ الواجب تطويرها لتصبح مقصداً ينافس دول الجوار مثل دبي وأبو ظبي وجدة من خلال الاستثمار في الفنادق والمنتجعات الفخمة وتوفير البنية التحتية والخدمات السياحية الضرورية للسياح. وللتقليل من الازدحام المروري يكون من المفيد إنشاء سكة حديد (قطار كهربائي) داخل المملكة تربط المطار بالعديد من المدن والقرى والمواقع السياحية والأثرية، مما يقلل من حوادث المرور، ويوفر في موضوع الطاقة، ويقلل من التلوث المتسبب من وسائل المواصلات المستخدمة حالياً. هذا التنوع في المنتج السياحي والذي ركزت عليه الاستراتيجية هو الذي سيضع مملكة البحرين على خارطة العالم السياحية أسوة بدول الجوار مثل دولة الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية. وفي حال تم النجاح ووضعت مملكة البحرين على هذه الخارطة، سيزيد إقبال السياح وستتحقق العديد من الأهداف الاستراتيجية التالية: زيادة أعداد السياح إلى 14.1 مليون سائح، وزيادة إجمالي الإنفاق السياحي للسياحة الوافدة للبحرين إلى 2 مليار دينار، وزيادة متوسط إنفاق السائح اليومي إلى 74.8 دينارا، ورفع متوسط مدة إقامة السائح إلى 3.5 ليال، وزيادة مساهمة قطاع السياحة في الدخل القومي البحريني الى 12.2% وكل ذلك بحلول عام 2026. الوصول إلى 14.1 مليون سائح ليس مستحيلا ولا بالصعب جداً إذا تم تطوير المنتج السياحي البحريني وتم استهداف أسواق سياحية جديدة. التركيز على السياحة الإقليمية جيد جداً وخاصة لقرب المملكة من معظم دول الشرق الأوسط، إضافة إلى ان الناقل الجوي الوطني طيران الخليج يطير إلى أكثر من 25 دولة طيراناً مباشراً وذلك يسهل وصول السائح إلى المملكة، بالإضافة إلى خطوط الطيران الأخرى. السعي إلى استقطاب سياح دوليين سيكون له أثر إيجابي مضاعف، إذ ان السائح الدولي ستكون فترة إقامته أطول بحكم المسافة التي قطعها جواً للوصول إلى البحرين. التنظيم ما بين منظمي الرحلات ووكلاء السياحة والسفر لوضع برامج سياحية متميزة وطويلة تمتد إلى أسبوع كامل وست ليال سياحية، يعد من أساسيات نجاح استقطاب السياح. التنوع في البرامج السياحية وتجزئتها إلى أنواع مختلفة ومنها، برامج سياحية ثقافية تختص بكل ما هو متعلق بالثقافة والآثار والتاريخ والتراث والفنون، برامج سياحية للمغامرة ترتبط بالغوص والبحث عن اللؤلؤ والرياضات المائية والتخييم وسباقات الفورمولا. تنوع المنتج السياحي أيضا مرتبط بفترة إقامة السائح. السائح عند اختياره مقصد سياحي بحد ذاته فهو يبحث عن شيء لا يوجد في بلده يجعله مستمتعا برحلته. ذلك الاستمتاع مرتبط بالمنتج المتوافر الذي يؤثر بدوره على مدة إقامة السائح، فكلما تنوع المنتج ما بين ثقافي، وترفيهي وعلاجي وفني أقبل السائح على شراء البرنامج الأطول إقامة للاستمتاع بكل ما هو موجود، وفترة إقامة أطول بكل بساطة تعني مردودا ماديا أكبر ودخلا قوميا أعلى. تجدر الإشارة إلى أن هناك أيضا منتجا سياحيا لم تتطرق اليه الاستراتيجية الوطنية للسياحة ويعتبر من روافد الاقتصاد في كثير من دول العالم ومنها السياحة والضيافة الحلال، وسياحة مشاهدة النجوم. السياحة الحلال التي تسعى إلى تنظيم جولات سياحية والإقامة في فنادق تقدم خدمات تتوافق ومعايير الشريعة الإسلامية. والبحرين كدولة مسلمة لديها إمكانيات عالية لاستقطاب السياح الحلال، وخاصة من دول جنوب شرق آسيا مثل ماليزيا وإندونيسيا، ودول الخليج، والأردن، وغيرها. وسياحة مشاهدة النجوم ترتبط بالصحراء وإمكانية تجهيز مخيمات خاصة وتلسكوبات وأماكن لرصد الكواكب والنجوم تجعل من تجربة السائح تجربة فريدة لا تنسى. أستاذ مساعد في إدارة السياحة والضيافة، قسم الإعلام والسياحة والفنون/ جامعة البحرين
مشاركة :