الحرب في أوكرانيا هجوم صامت على العالم النامي

  • 4/14/2022
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

إذا‭ ‬كان‭ ‬الغزو‭ ‬الروسي‭ ‬كابوسا‭ ‬حقيقيا‭ ‬يعيشه‭ ‬الشعب‭ ‬الأوكراني‭ ‬بسبب‭ ‬الكارثة‭ ‬الإنسانية‭ ‬المهولة‭ ‬التي‭ ‬تسبب‭ ‬فيها،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬تتحول‭ ‬بسرعة‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬مسألة‭ ‬حياة‭ ‬أو‭ ‬موت‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬مَن‭ ‬لا‭ ‬حيلة‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭.‬ لقد‭ ‬شهدنا‭ ‬جميعا‭ ‬مظاهر‭ ‬المأساة‭ ‬الحاصلة‭ ‬داخل‭ ‬أوكرانيا‭: ‬مدن‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬أنقاض؛‭ ‬وأشخاص‭ ‬يعانون‭ ‬ويموتون‭ ‬داخل‭ ‬منازلهم‭ ‬وفي‭ ‬الشوارع؛‭ ‬ووقوع‭ ‬أسرع‭ ‬أزمة‭ ‬نزوح‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭.‬ ولكن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬قد‭ ‬شنّت‭ ‬خارج‭ ‬حدود‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬أضواء‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬هجوما‭ ‬صامتا‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬النامي‭. ‬فهذه‭ ‬الأزمة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬توقع‭ ‬ما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬1‭,‬7‭ ‬بليون‭ ‬شخص‭ - ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمس‭ ‬البشرية‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬براثن‭ ‬الفقر‭ ‬والعوز‭ ‬والجوع‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬له‭ ‬مثيل‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭.‬ ذلك‭ ‬أن‭ ‬أوكرانيا‭ ‬والاتحاد‭ ‬الروسي‭ ‬يوفران‭ ‬30‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬القمح‭ ‬والشعير‭ ‬وخُمس‭ ‬الذرة‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬ما‭ ‬يُنتج‭ ‬من‭ ‬زيت‭ ‬عباد‭ ‬الشمس‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬فالحبوب‭ ‬التي‭ ‬ينتجها‭ ‬البلدان‭ ‬تغذي‭ ‬أشد‭ ‬الناس‭ ‬فقرا‭ ‬وضعفا،‭ ‬وتوفر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلث‭ ‬القمح‭ ‬الذي‭ ‬يستورده‭ ‬45‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬الأفريقية‭ ‬وأقل‭ ‬البلدان‭ ‬نموا‭.‬ وروسيا‭ ‬هي،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬أكبر‭ ‬مصدر‭ ‬للغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬وثاني‭ ‬أكبر‭ ‬مصدر‭ ‬للنفط‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬ غير‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬تحول‭ ‬بين‭ ‬المزارعين‭ ‬وبين‭ ‬العناية‭ ‬بمحاصيلهم‭ ‬وتتسبب‭ ‬في‭ ‬إغلاق‭ ‬الموانئ‭ ‬ووقف‭ ‬صادرات‭ ‬الحبوب‭ ‬وتعطيل‭ ‬سلاسل‭ ‬الإمداد‭ ‬وتؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭. ‬ ولا‭ ‬يزال‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬النامية‭ ‬يكافح‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التعافي‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬جائحة‭ ‬كوفيد‭-‬19‭ ‬وذلك‭ ‬باقتران‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬ينوء‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أعباء‭ ‬الديون‭ ‬التي‭ ‬بلغت‭ ‬أحجاما‭ ‬قياسية‭ ‬ومع‭ ‬استفحال‭ ‬نسب‭ ‬التضخم‭. ‬ ومنذ‭ ‬بداية‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬ارتفعت‭ ‬أسعار‭ ‬القمح‭ ‬والذرة‭ ‬بنسبة‭ ‬30‭ ‬في‭ ‬المائة‭.‬ وارتفعت‭ ‬أسعار‭ ‬نفط‭ ‬برنت‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬في‭ ‬خلال‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬وارتفعت‭ ‬أسعار‭ ‬الغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬والأسمدة‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬الضعف‭. ‬ على‭ ‬أن‭ ‬عمليات‭ ‬الإغاثة‭ ‬التي‭ ‬تضطلع‭ ‬بها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬هي‭ ‬بنفسها‭ ‬تتعرض‭ ‬لضغوط‭ ‬شديدة‭. ‬وقد حذر‭ ‬برنامج‭ ‬الأغذية‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬يواجه‭ ‬خيارا‭ ‬عسيرا‭ ‬يضطره‭ ‬إلى‭ ‬أخذ‭ ‬الطعام‭ ‬من‭ ‬الجوعى‭ ‬لإنقاذ‭ ‬حياة‭ ‬من‭ ‬يموتون‭ ‬جوعا‭. ‬وهو‭ ‬بحاجة‭ ‬ماسة‭ ‬إلى‭ ‬8‭ ‬بلايين‭ ‬دولار‭ ‬لدعم‭ ‬عملياته‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬وتشاد‭ ‬والنيجر‭.‬ ولقد‭ ‬بدأ‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬فعلا‭ ‬الانزلاق‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الهشاشة‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬الأزمة‭ ‬وأصبح‭ ‬يواجه‭ ‬اضطرابات‭ ‬اجتماعية‭ ‬خطيرة‭. ‬ونحن‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬الفقر‭ ‬وعدم‭ ‬المساواة‭ ‬والتخلف‭ ‬واليأس‭ ‬هي‭ ‬الأسباب‭ ‬الجذرية‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬النزاعات‭. ‬ ولكن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬عزز‭ ‬فيه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬تضامنه‭ ‬مع‭ ‬شعب‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬ليس‭ ‬ثمة‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬إسداء‭ ‬نفس‭ ‬الدعم‭ ‬لضحايا‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬المحتملين‭ ‬الآخرين‭ ‬البالغ‭ ‬عددهم‭ ‬1‭,‬7‭ ‬بليون‭ ‬شخص‭. ‬ ويقع‭ ‬على‭ ‬كاهلنا‭ ‬واجب‭ ‬أخلاقي‭ ‬واضح‭ ‬لمؤازرتهم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭. ‬ ويهدف‭ ‬فريق‭ ‬الاستجابة‭ ‬للأزمات‭ ‬العالمية‭ ‬المعني‭ ‬بالغذاء‭ ‬والطاقة‭ ‬والتمويل‭ ‬الذي‭ ‬أعلنت‭ ‬إنشاءه‭ ‬الشهر‭ ‬الماضي‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬حلول‭ ‬منسقة‭ ‬لهذه‭ ‬الأزمات‭ ‬المترابطة،‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬الحكومات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية‭ ‬والجهات‭ ‬الشريكة‭ ‬الرئيسية‭ ‬الأخرى‭. ‬وأشكر‭ ‬القادة‭ ‬العالميين‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬القطاعات‭ ‬الذين‭ ‬يدعمون‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭. ‬ ففيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالغذاء،‭ ‬نحث‭ ‬جميع‭ ‬البلدان‭ ‬على‭ ‬إبقاء‭ ‬الأسواق‭ ‬مفتوحة،‭ ‬والامتناع‭ ‬عن‭ ‬التكديس‭ ‬وعن‭ ‬فرض‭ ‬قيود‭ ‬غير‭ ‬مبررة‭ ‬وغير‭ ‬ضرورية‭ ‬على‭ ‬التصدير،‭ ‬وإتاحة‭ ‬الاحتياطيات‭ ‬للبلدان‭ ‬الأكثر‭ ‬عرضة‭ ‬لخطر‭ ‬الجوع‭ ‬والمجاعة‭. ‬ فهذا‭ ‬ليس‭ ‬وقت‭ ‬تطبيق‭ ‬السياسات‭ ‬الحمائية‭. ‬إذ‭ ‬هنالك‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬الغذاء‭ ‬لكل‭ ‬بلد‭ ‬للتغلب‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬إذا‭ ‬عملنا‭ ‬يدا‭ ‬في‭ ‬يد‭. ‬ ويجب‭ ‬توفير‭ ‬التمويل‭ ‬الكامل‭ ‬للنداءات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬موجَّه‭ ‬منها‭ ‬لفائدة‭ ‬برنامج‭ ‬الأغذية‭ ‬العالمي‭. ‬وبكل‭ ‬بساطة،‭ ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نسمح‭ ‬بأن‭ ‬يموت‭ ‬الناس‭ ‬جوعا‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭. ‬ أما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالطاقة،‭ ‬فيمكن‭ ‬أن‭ ‬يساعد‭ ‬استخدام‭ ‬المخزونات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والاحتياطيات‭ ‬الإضافية‭ ‬على‭ ‬تخفيف‭ ‬أزمة‭ ‬الطاقة‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬القصير‭.‬ ولكن‭ ‬الحل‭ ‬الوحيد‭ ‬في‭ ‬الأجلين‭ ‬المتوسط‭ ‬والطويل‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬التعجيل‭ ‬باستعمال‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬لأنها‭ ‬لا‭ ‬تتأثر‭ ‬بتقلبات‭ ‬السوق‭. ‬وسيمكن‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬التخلص‭ ‬تدريجيا‭ ‬من‭ ‬الفحم‭ ‬ومن‭ ‬سائر‭ ‬أنواع‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭. ‬ وأما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتمويل،‭ ‬فيجب‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬العشرين‭ ‬وعلى‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية‭ ‬أن‭ ‬تسير‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬منهاج‭ ‬حالة‭ ‬الطوارئ‭. ‬فيتعين‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تعثر‭ ‬على‭ ‬سبل‭ ‬لزيادة‭ ‬السيولة‭ ‬والحيز‭ ‬المالي‭ ‬لكي‭ ‬تتمكن‭ ‬حكومات‭ ‬البلدان‭ ‬النامية‭ ‬من‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬أشد‭ ‬الفئات‭ ‬فقرا‭ ‬وضعفا‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭.‬ وينبغي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬خطوة‭ ‬أولى‭ ‬صوب‭ ‬إجراء‭ ‬إصلاحات‭ ‬عميقة‭ ‬لنظامنا‭ ‬المالي‭ ‬العالمي‭ ‬غير‭ ‬العادل،‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬الأغنياء‭ ‬أكثر‭ ‬ثراء‭ ‬والفقراء‭ ‬أشد‭ ‬فاقة‭.‬ وستكون‭ ‬الحماية‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التحويلات‭ ‬النقدية،‭ ‬ضرورية‭ ‬لدعم‭ ‬الأسر‭ ‬المعوزة‭ ‬في‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭. ‬ ولكن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬النامية‭ ‬التي‭ ‬لديها‭ ‬ديون‭ ‬خارجية‭ ‬كبيرة‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬السيولة‭ ‬اللازمة‭ ‬لتوفير‭ ‬شبكات‭ ‬الأمان‭ ‬هذه‭. ‬ولا‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نقف‭ ‬وقفة‭ ‬المتفرج‭ ‬إذ‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ ‬مضطرة‭ ‬إلى‭ ‬الاختيار‭ ‬بين‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬شعوبها‭ ‬وبين‭ ‬خدمة‭ ‬الديون‭ ‬التي‭ ‬تثقل‭ ‬كاهلها‭. ‬ إن‭ ‬الحل‭ ‬الدائم‭ ‬الوحيد‭ ‬للحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ووقعها‭ ‬على‭ ‬أفقر‭ ‬الناس‭ ‬وأضعفهم‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬هو‭ ‬إحلال‭ ‬السلام‭. ‬ وإذ‭ ‬تعمل‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬الدعم‭ ‬لضحايا‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الأبرياء‭ - ‬داخل‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وخارجها‭ ‬على‭ ‬السواء‭ - ‬ندعو‭ ‬المجتمع‭ ‬العالمي‭ ‬إلى‭ ‬التكلم‭ ‬بصوت‭ ‬واحد‭ ‬ودعم‭ ‬ندائنا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السلام‭. ‬ ولا‭ ‬بد‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬أوزارها‭ ‬الآن‭.‬ {‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭.‬

مشاركة :