الروائي أشرف الخمايسي لـ المدينة : الأدباء يعيشون حالة الفروسية على الورق فقط

  • 4/15/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لا يكف «أشرف الخمايسي» عن الإدهاش، فهو حالة فنية إبداعية بامتياز، حر وطليق كفرس بري، يكتب ويعيش حياته بالروح المغامرة نفسها، ويجهر بآرائه حتى لو اصطدم بصخرة الواقع وركود الحياة الأدبية، تثير قناعاته الفكرية الكثير من التساؤلات والجدل، لكنه مؤمن بما يفعل.. وللخمايسي ثلاث مجموعات قصصية، هي: «الجبريلية» و»الفرس ليس حرا» و»أهواك»، وسبع روايات، هي: «الصنم» و»منافى الرب» و»انحراف حاد» و»ضارب الطبل» و»جو العظيم» و»خروف وكلب» و»صوفيا هارون»، وكتب للأطفال والناشئة مجموعة قصصية بعنوان «السكاتة» ورواية في أربعة أجزاء بعنوان «رحلات غير عادية»، وله ثلاثة كتب في فن المقال، وهي: «كي أكون إنسانا أجمل» و»يوم جديد» و»حرق كتب»، وله كتاب في المحاججة، هو: «زيتونة زيدان».. ويعمل حاليا في تبسيط وتلخيص مجموعة من أمهات الكتب الأدبية والتاريخية القديمة تحت عنوان «سيرة عرب أقدمين»، صدر منها الكتاب الأول: «الأغاني» لأبي الفرح الأصفهاني. حول تجربته الثرية كان لـ»المدينة» معه هذا الحوار: • بالرغم من سطوع نجمك الأدبي منذ تسعينيات القرن الماضي، إلا أنك اخترت عزلة -أظنها اختيارية- تردد وقتها أنك تتبنى فكرا إسلاميا حال دون إكمالك لمسيرتك الإبداعية.. وها أنت تعود مرة ثانية .. قل لنا كيف سارت بك الرؤى والأفكار بين السطوع والعزلة والعودة؟= فعلا .. سطع نجمى في أوائل التسعينيات ككاتب قصة مدهش، كبار الأدباء والنقاد هم من وصفوني بهذا الوصف، منهم من قارنني بيوسف ادريس باعتباري مجددا في فن القصة القصيرة، ومنهم من أجرى المقارنات بينى وبين جابريل جارسيا ماركيز، وفوكنر، وهكذا، كانت هذه المقارنات تسعدنى جدا في البداية، فأنا في بداية مشواري وأقارن بهؤلاء! لكن هدفي الأساسي من الكتابة لم يكن في الأصل تحققي ككاتب قصة ورواية مدهش والسلام، كنت أتعامل مع الأدب دائما على أنه رسالة، وإذا أخفقت فى توصيل هذه الرسالة فيجب عليّ ترك الكتابة، كنت أكتب بدفعة قوية من أمل فى التغيير، هذا الشعب المصري لابد وأن يتغير، وواصلت، حتى وقعت الواقعة التى فصلت فى الأمر لصالح قرار ترك ساحة المثقفين والكُتَّاب الميتة هذه، أقصد واقعة الانتفاضة الفلسطينية سنة 2000، أسميها دائما ثورة محمد الدرة، تلك الثورة عرت الحال الثقافى تماما، خصوصا الأدباء والكُتَّاب، أيامها كان العالم كله يمور، فيما الوطن العربى نائم، كانت هناك فئات تحاول الصراخ، مثل نقابة المحامين، وطلاب الجامعة، وحتى الفنانين من خلال الأغانى والرقصات، في حين بقي الأدباء والمثقفون وحدهم داخل غرفهم المغلقة، أمسيات وكلام وكلام وكلام، ولا فعل. ويقيني الغالب على فكري هو أن الأديب كائن بشري عظيم، رائد قوم، وموقظ همم، ومحرك إرادات كسيحة، ولم أنظر يوما للأديب باعتباره مخلوقا يرقد على ورقته لينتج لنا بيضا فى هيئة نصوص أدبية وفقط! فالأديب كما هو فكرة هو موقف بالضرورة، و»السيف أصدق إنباء من الكتب»، هذا رأيي الخاص. كانت الأقصر مثل كل المدن العربية، نائمة فى العسل، فآلمنى أن يأتى السائح إلينا من بلده التى امتلأت شوارعها بمظاهرات الرفض للعدوان الاسرائيلى على فلسطين، ليرى بلادنا، صاحبة القضية، تتمدد على بلاج البلادة، وتستمتع بشمس الخنوع، فذهبت إلى نادى الأدب فى الأقصر ـ كنت أعيش في الأقصر قبل انتقالى إلى القاهرة ـ حاملا لافتة منقوشة بجملة ثورية غاضبة، لا أذكرها منطوقها الآن بالضبط، لكنها موجهة للكيان الصهيوني الغاصب، ومحفزة للشارع الأقصري، طرحت فكرتى على أدباء النادي، كما ذكرتها الآن، لم يكن لديّ شك في أنهم سيتجاوبون، كيف لا وهم من يملأون الأوراق كتابة عن الحريات والتضحيات والوطنيات و، و، و، و، وهلم جرا. غير أن خمولهم فاجأني، كان مروعا أن يقول رئيس نادي الأدب معترضا على اقتراحي: الأقصر مدينة ذات طابع خاص. وتساءلت: هل بلغت الهشاشة بالمثقفين لدرجة جعلتهم يخافون من دفع أثمان المواقف النبيلة؟ يومها صممت على الخروج إلى الشارع، ولو وحدي، لكن اعترضتني مشكلة: اللافتة تحتاج لآخر يحملها معى، فهتفت إحدى الفتيات بأنها ستخرج وتحمل اللافتة معي، كان موقف هذه البنت مخجلا لهم، ما اضطر بعضهم للخروج معي، وفعلا درنا فى أهم شارعين بالمدينة، وكان ما فعلناه مدهشا لأهالي الأقصر، وإن ظلت حالة الخوف كانت مسيطرة عليهم، لم ينضم لنا سوى خمسة أو ستة، مع ذلك كانت الغالبية تشير لنا بعلامة النصر، والسيارات أطلقت كلاكساتها ابتهاجا، وعندما أنهينا تظاهرتنا الصغيرة، تواعدنا على إعداد العدة لتظاهرة أكبر فى الأسبوع القادم، وبالفعل، جهزت عددا أكبر من اللافتات، وجهز صديق آخر عددا من الاستندات الخشبية، وذهبنا إلى قصر الثقافة، فإذا بالقصر مغلق، ولم نجد أديبا واحدا ينتظرنا، وما اعلنوه من أسباب امتناعهم عن الحضور كان مخجلا جدا، مثلا: منهم من منعته أمه من الخروج! ومنهم من لم يستطع ترك محل عمله وأكل عيشه! الخلاصة: ألقيت بلافتاتي فى صندوق قمامة كبير، وقلت لنفسي: هذا آخر عهدي بالأدب والأدباء. طبعا يتبين من كلامي هذا أن تركي للأدب لم يكن سببه، بحال من الأحوال، رغبة ملحة مني فى تبنى اتجاهات وأفكار إسلامية، وإنما كان اعتراضا على عدم جدوى الكلمة، إذا كان أصحابها لا يعيشون حالة الفروسية سوى على الورق، وعند الجد، هم أجبن وأخوف مخاليق الله. مفتاح للتدين • هل تتنافى الأفكار الدينية المسيسة مع الإبداع وحريته وانطلاقه، وبمعنى أوضح هل التدين يحد من حرية المبدع ويسيجه ويضعه داخل إطار قيمي أخلاقي، يتنافى مع رحابة وإنسانية الأدب؟ = الأدب مفتاح للتدين الحقيقى، وبالصياغة الأدبية ورونقها تربعت الكتب السماوية على عرش القداسة، وكلمات الرسول محمد، صلوات الله وسلامه عليه، ما كان للذاكرة أن تحفظها بسهولة لو لم تكن عبارة عن منحوتات أدبية، والأدباء الحقيقيون ـ من وجهة نظري ـ أعظم البشر بعد الرسل والأنبياء، هم أصحاب رسالة أيضا، ووسيلتهم الكلمة مثلهم، ويتنزل عليهم روح قدس وإلهام مثلهم، مع فارق رسخه الوقت ليصير جوهريا، هو أن الرسل والأنبياء رأوا الكلمة وسيلة، فيما الأدباء جعلوها غاية! لو راجعنا نصوصنا المقدسة سنجد أنها تحرض على الإبداع، وتحترم الفن الذى يراعى أصول الأدب الحر، فالقرآن الكريم يتناول واقعة إنسانية جنسية فى سورة يوسف، وبعض أحاديث الرسول، عليه الصلاة والسلام، تناقش قضايا جنسية بمفردات غاية في الوضوح، جميع ذلك موظف لخدمة روح الإنسان، لا أرى أن الإسلام يقيد الإبداع مطلقا، ومن يقيده شيوخ لم يفقهوا قدر الإنسان الحقيقي عند الله، الله، جل جلاله، جعل الإنسان خليفة له، وهم يصرون على أن الإنسان مجرد عبد ذليل. الأفهام الخاطئة للنصوص مشكلة المبدعين مع هؤلاء، وليست مع الدين نفسه. الشعلة الأوليمبية • أنت أحد المفتونين بسحرية الصعيد، وبدا هذا واضحا في مجموعتك «الجبريلية»، وروايتك «الصنم»، كيف ترى موقعك بين يحيي الطاهر عبدالله ومحمد مستجاب وغيرهم؟ = الإبداع ـ وليس مجرد الكتابة ـ أشبه بالشعلة الأوليمبية، يحملها أحد الأبطال، يجري بها مسافة، ويناولها لبطل آخر مع الاحتفاظ بها مشتعلة؛ لا أعرف مكانى بين يحيى الطاهر ومستجاب على وجه الدقة، لكنى أعلم أننى لا أقل موهبة عن أحدهما، عندى جذوة متقدة من لهيب الحكي، وقدرة فائقة للتعامل مع الخيال، وربما مستقبلا أكون أقوى من حمل شعلة الإبداع، وقلت لك قبل قليل إنه قد تمت مقارنتى بأدباء عالميين، بل خذ ما هو أخطر، هناك ناقد جميل، اسمه «محمد محمود عبد الرزاق»، الله يرحمه، قرأ مجموعتي القصصية «الجبريلية»، فأبهرته، فتكلم عنها فى كل المحافل الأدبية دون أن يرانى، وعندما قابلته فى مؤتمر أدبي بالإسكندرية، منذ خمسة عشر عاما تقريبا، كان بصحبته صديقنا الكاتب «خيري عبدالجواد»، وكان يسبقنى زمنيا فى التجربة الأدبية، الله يرحمه أيضا، فإذا بالأستاذ محمد يقول لي بحماس: أنت أفضل من كتب القصة القصيرة فى مصر بعد يوسف ادريس! كان كلامه محرجا لي أمام خيري عبدالجواد، وأمام نفسي، فأين أنا إذا قورنت بجيل الأساتذة، جيل الستينات؟ معقول تجاوزت كل هؤلاء؟ وظننت أن الرجل مجامل أكثر من الحد الطبيعي، لكن فى دراسة طويلة جدا نشرها بمجلة «الثقافة الجديدة» أكد الرجل على قناعته. مقصد القول هو الإشارة إلى امتلاكي بالفعل مقومات مبدع ثقيل، وهي رؤيتي لنفسي، أما الأهم فهو رؤية الآخرين لي، والحمد لله أراها لصالحي أيضا، وقد حظيت بها جميعا ولم أكن نشرت سوى مجموعة قصصية واحدة «الجبريلية»، ورواية وحيدة «الصنم». مغامرة بالموتوسكل • أنت كاتب مغامر، لكن المغامرة لا تنسحب على الكتابة فحسب، ألا ترى أن في سفرك الدائم بموتوسكل من الأقصر للقاهرة والعكس مغامرة بحياتك، أم أن في داخلك ميلا للترحال وعناق المدن والقرى عن قرب؟. = أفرق دائما بين مصطلحي: «كاتب»، و»مبدع»؛

مشاركة :