القدس - بعد عام من أحداث القدس التي أدت إلى اندلاع الحرب في غزة، تثير الاشتباكات في شهر رمضان المبارك مخاوف من تجدد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، في الوقت الذي يحذر فيه الزعماء على الجانبين من تصعيد محتمل. وأصيب 152 فلسطينيا على الأقل عندما اقتحمت الشرطة الإسرائيلية الحرم الشريف اليوم الجمعة لتفريق الفلسطينيين الذين رشقوهم بالمفرقعات وألقوا الحجارة على الجنود وفي اتجاه الحائط الغربي. ويقع مجمع الأقصى أعلى مرتَفَع البلدة القديمة بالقدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967 وضمتها في ما بعد. وتعد المنطقة التي تعرف عند اليهود باسم جبل المعبد أشد المواقع حساسية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ عقود. وقال الخبير الفلسطيني في استطلاعات الرأي خليل الشقاقي، مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية "ربما تكون القدس هي أول القضايا التي تملك مقومات إثارة عنف على نطاق واسع.. لقد رأينا هذا في الماضي". والأجواء ملبدة بالتوتر بعد هجمات مميتة شنها مهاجمون فلسطينيون على إسرائيليين في الأسبوعين الماضيين وأعمال قتل نفذها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. ويتصاعد التوتر في المدينة المقدسة بفعل تزامن شهر رمضان مع الاحتفال بعيد الفصح لدى اليهود. ووصف رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية أعمال الشرطة الإسرائيلية في الأقصى بأنها "اعتداء وحشي" و"تدنيس القبلة الأولى للمسلمين" و"نذير خطير... ولا سيما خلال ليالي الشهر المبارك". وفي تجمع حاشد في غزة، قال متحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية حماس التي تحكم القطاع منذ العام 2007، إن استخدام إسرائيل للقوة لن يمر دون رد. وأضاف المتحدث فوزي برهوم "سنرسخ مجددا مسار الدفاع عن القدس وسندشن عنوانا للمرحلة المقبلة أن السلاح سيقابل بسلاح والقوة ليس لها علاج إلا بالقوة وسندافع عن القدس والأقصى بكل قوة". وفي مايو/أيار الماضي، أطلق مسلحون فلسطينيون صواريخ على إسرائيل بعد أن طالبت حماس الشرطة الإسرائيلية بالانسحاب من الأقصى وحي الشيخ جراح بالقدس، عندما أدى تهديد محكمة بطرد سكان فلسطينيين إلى احتجاجات ومواجهات. وأسفرت الحرب التي استمرت 11 يوما عن مقتل أكثر من 250 فلسطينيا في غزة و13 شخصا في إسرائيل. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إن السلطات تعمل على استعادة الهدوء في القدس وفي أنحاء إسرائيل، لكنها مستعدة تحسبا لتدهور الموقف، مضيفا في بيان "نستعد لأي سيناريو وقوات الأمن جاهزة لأي مهمة". وفي الأسبوع الماضي، أطلق فلسطيني من مخيم للنازحين في جنين بالضفة الغربية المحتلة النار وقتل ثلاثة إسرائيليين وأصاب العديد في حانة في تل أبيب. وإطلاق النار كان أحدث واقعة في سلسلة من الهجمات الفلسطينية في مدن إسرائيلية قتل فيها 14 شخصا. ووصف بينيت الهجمات وهي الأكثر دموية منذ 2016، بأنها "موجة جديدة من الإرهاب". وقتل الجيش الإسرائيلي 40 فلسطينيا هذا العام في دائرة من أعمال العنف التي قالت عنها داليا شيندلين المحللة السياسية والخبيرة في الرأي العام الإسرائيلي إنها قد تعود لأوائل فبراير/شباط عندما قتلت القوات الإسرائيلية ثلاثة نشطاء فلسطينيين في الخليل. ووصفت الخارجية الفلسطينية عملية القتل تلك بأنها إعدام ميداني قبيح. وخففت إسرائيل نسبيا القيود على تنقلات الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى إسرائيل والقدس، بخلاف ما تعتبرها إجراءات أمنية مثل إصلاح 'انتهاكات' الجدار العازل وتنفيذ عمليات اعتقال جماعية. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد أمس الخميس مكررا تصريحات مشابهة لبينيت "لا قيود على استخدام القوة"، مضيفا أن إسرائيل ستسمح للفلسطينيين الذين "يحافظون على الهدوء" بالعمل والاحتفال برمضان دون أي عراقيل. وقال الشقاقي إن إجراءات التخفيف هدأت في ما يبدو من بعض الإحباطات التي يشعر بها الفلسطينيون، حتى اشتباكات الجمعة في الأقصى، لكنه أضاف أن التنازلات الحالية لا تعوض تصاعد الغضب وتراكم المظالم بسبب الاحتلال الإسرائيلي منذ 55 عاما واستيلاء إسرائيل على الأراضي التي يريدونها لإقامة دولتهم. ووفقا لبتسليم وهي جماعة إسرائيلية معنية بحقوق الإنسان، فقد شهد عام 2021 أعلى معدل من عمليات هدم المنازل الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية منذ 2016. وقال إيتاي إبشتاين وهو مستشار في القانون الإنساني والسياسات نقلا عن بيانات كشفت عنها وزارة الدفاع الإسرائيلية، إن إسرائيل لم تمنح على مدى السنوات الخمس الماضية للفلسطينيين سوى 33 تصريحا بالبناء فحسب، بينما منحت المستوطنين اليهود أكثر من 16500 تصريح بناء في 60 بالمئة من الضفة الغربية التي تسيطر عليها بشكل مباشر. وقالت ديانا بوتو وهي مستشارة قانونية سابقة لمنظمة التحرير الفلسطينية "البنية القائمة بأكملها، بنية الاحتلال، عنيفة... لقد مرت عقود على ذلك، عقود من العنف اليومي وسوف ينقلب الأمر في نهاية المطاف ليرتد عنفا على إسرائيل". القدس - اقتحمت الشرطة الإسرائيلية فجر الجمعة باحات المسجد الأقصى بعد ان اشتبكت مع فلسطينيين يغطون وجوههم ويلقون الحجارة بالقرب من المسجد بالبلدة القديمة في القدس عندما تفجر العنف بعد صلاة الفجر. من جانبه قال الهلال الأحمر الفلسطيني في القدس إنه تلقى "بلاغا بوجود عدد من الإصابات خلال مواجهات مع قوات الاحتلال في المسجد الأقصى". وقوات الأمن الإسرائيلية في حالة تأهب بعد سلسلة هجمات مميتة نفذها عرب في شوارع بإسرائيل خلال الأسبوعين المنصرمين. وتثير المواجهات عند المسجد الأقصى خطر تفجر صراع أوسع بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة. ويتصاعد التوتر في القدس مع تزامن شهر رمضان مع احتفالات اليهود بعيد الفصح واحتفال المسيحيين بعيد القيامة هذا العام. وقالت الشرطة إن قواتها دخلت مجمع الحرم القدسي لتفريق حشد عنيف ظل في المكان بعد انتهاء صلاة الفجر. ولم تدخل الشرطة الإسرائيلية المسجد الأقصى. وأضافت الشرطة أنها دخلت المجمع "لتفريق ودفع الحشد للتراجع" عندما بدأت مجموعة من الفلسطينيين إلقاء الحجارة نحو الحائط الغربي القريب. وقالت خدمة الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني إن 59 شخصا أصيبوا وإن بعض الإصابات ناجمة عن الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي. وأظهر مقطع فيديو أفرادا من الشرطة، بعضهم مزود بمعدات مكافحة الشغب، وهم يعدون خلف مجموعة صغيرة من الأشخاص بعدما غادر معظم الحشد. وأدانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تسيطر على غزة الشرطة الإسرائيلية وقالت إن إسرائيل تتحمل مسؤولية ما سيحدث من تبعات. وقالت "ندين بشدة الإعتداءات الوحشية لجنود الاحتلال الإسرائيلي على المصلين في المسجد الأقصى المبارك، والذي يتحمل كل ما يترتب على ذلك من مخاطر تمس بمشاعر شعبنا الفلسطيني". وفجر الجمعة، توفي فلسطيني متأثرا بجراح أُصيب بها، خلال مواجهات مع الجيش الإسرائيلي، الخميس، شمالي الضفة الغربية. وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في بيان أن الفتى شوكت كمال عابد (17عاما)، من بلدة كفر دان بمحافظة جنين، "استشهد متأثرا بجروح حرجة أصيب بها أمس الخميس، ونُقل على إثرها إلى المستشفى". والخميس، قَتل الجيش الإسرائيلي فلسطينيَين اثنين وأصاب العشرات، خلال مواجهات اندلعت مع عشرات المواطنين خلال عملية مداهمة، نفّذها في عدة بلدات بمحافظة جنين. وتشهد الضفة الغربية، توترا ملحوظا، منذ أكثر من أسبوع، حيث يشن الجيش الإسرائيلي حملات اعتقالات وتفتيش واسعة، يعقبها اندلاع اشتباكات مع الفلسطينيين. وحذر الأردن وفلسطين، الجمعة، من أن التصعيد في المسجد الأقصى بمدينة القدس، "يهدد بتفجير الأوضاع، ويقوض كل الجهود للحفاظ على التهدئة الشاملة". جاء ذلك خلال اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي وأمين عام اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، بعد ساعات على اقتحام الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى. وحسب بيان للخارجية الأردنية، قال الصفدي والشيخ، إن اقتحام الجيش والشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى، وما نتج عنه من إصابات واعتقالات يعد "تصعيداً خطيراً ومداناً يهدد بتفجر الأوضاع، وخرقاً صارخاً لمسؤولية إسرائيل بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، ويجب أن لا يتكرر". وأكد المسؤولان الأردني والفلسطيني، خلال الاتصال، على ضرورة وقف كافة الإجراءات الإسرائيلية "اللاشرعية والاستفزازية في المسجد الأقصى، واحترام حقوق المصلين بممارسة شعائرهم الدينية بحرية ودون قيود". واعتبرا أن "التصعيد في الأقصى يقوض كل الجهود التي بُذلت للحفاظ على التهدئة الشاملة". وفي بيان آخر، أدان المتحدث باسم الخارجية الأردنية هيثم أبو الفول، اقتحام الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى، والاعتداء عليه وعلى المصلين. وقال أبو الفول، إن "اقتحام المسجد الأقصى، والاعتداء عليه وعلى المصلين، يُعد انتهاكاً صارخاً، وتصرف مدان ومرفوض". وحمل السلطات الإسرائيلية، "مسؤولية سلامة المسجد الأقصى والمصلين"، مطالباً بـ"ضرورة التقيد بالتزاماتها كقوة قائمة بالاحتلال وفق القانون الدولي الإنساني".
مشاركة :