هل تكمل الروبوتات دور العمالة الماهرة أم تحل محلها؟

  • 12/6/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الروبوتات سوف تخطف منا فرص عملنا. هذا ما أراد مارتن فورد أن يقوله في كتابه بعنوان انتشار الروبوتات الحائز على جائزة ماكنزي لأفضل كتاب في مجال الأعمال هذا العام. أما أندي هادين كبيرة خبراء الاقتصاد في بنك إنجلترا، فقد أشارت الأسبوع الماضي إلى أن هناك 15 مليون وظيفة في بريطانيا مهددة بفعل الأتمتة. فهل يسيطر الذكاء الاصطناعي على حياتنا؟ الأمر ليس مؤكداً حتى الآن. لاشك في أن الابتكار هو العدو التاريخي للرتابة. تأملوا معي تسابق شركات صناعة السيارات على صنع سيارة بلا سائق؛ حتى قبل أن تصمم غوغل برمجية كمبيوتر بأربع عجلات. وقد أشعلت الكهرباء ثاني ثورة صناعية تاركة العمالة الماهرة وقد تقطعت بها السبل بعد أن استغنى العالم عن مهاراتها. لقد كان صعباً على الحدادين الاستمرار في الإبداع مطلع القرن الماضي بعد أن أتقن رجال الصناعة إبداع القوس الكهربائي وتقنيات الإنتاج التسلسلي. وباتت المهارات التي استغرق اكتسابها مئات السنين بلا جدوى. وهذا ما يفسر حرص خريجي الجامعات القدماء على تحقيق النمو طويل الأجل، بينما يركب الطلاب والمتدربون موجة التغيير التكنولوجي. وفي الماضي نشأت المدن الصناعية على ضفاف الأنهار أو بالقرب من مناجم الفحم لتضمن ديمومة عمل الآلات وتلاشت تلك الظاهرة عندما استبدلت الآلات. وهكذا تنشأ التجمعات السكنية اليوم حول مراكز الأبحاث والجامعات بدلاً من مناجم الفحم والأنهار. وفي الوقت الذي يتسبب الروبوت بالمشكلات لبعض الأفراد والحرف أو الصناعات، يبدو أن الاقتصاد يتواءم معه تدريجياً. ولست ممن يدعون أننا نتحول عن التصنيع الذي تتغير فيه الوظائف بشكل دوري، لكن الواضح أن عدد الأشخاص الذين يفقدون عملهم في تزايد مستمر. وتحقق التغيرات التقنية المزيد من المكاسب للمستهلكين حيث تتراجع أسعار المنتجات كما أن طبيعتها تتغير بطريقة لا تخطر ببال أحد. والمؤكد أن رغبات الناس لا تنتهي عند حد. فنحن نشعر بالحرمان فقط، لأن أشياء تخيلناها قبل سنوات لم نجدها في عالم الواقع حتى الآن، رغم كل التطور الذي يحدث. وفي الظروف كافة سوف يستمر الناس في دفع ثمن كل وسيلة تتيح لهم التفاعل مع الآخرين. فالسينما مثلاً لم تقض على المسرح، وسهولة الحصول على المادة الموسيقية المسجلة أسفر عن زيادة عدد الباحثين عن عرض موسيقي حي. صحيح أن تقنية المعلومات أحدثت هزة في عالم الصناعة لكنها لم تلغ فرص العمل. ومن أهم أسباب صرعة الخوف من الروبوتات في الولايات المتحدة الأمريكية أن حصة الشركات من كعكة الاقتصاد تضخمت على حساب العمال في الوقت الذي تتناقص فيه نسبة المشاركة في سوق العمل. لكن المسؤول الأول عن هذه الظاهرة هو فشل سياسة الحكومة الأمريكية، الذي لا ينبغي أن يتكرر في مناطق أخرى من العالم. وكانت الولايات المتحدة هي من يقود العالم في مجال تعليم وتدريب قوة عملها، لكنها اليوم تخلت عن هذه القيادة. فمنذ عام 1999 ارتفعت نسبة الخريجين ضمن الشريحة العمرية من قوة العمل البريطانية بين 25 و54 عاماً 3%، بينما تراجعت في الولايات المتحدة بنفس النسبة تقريباً. وفي الوقت نفسه ثبتت معدلات التفاوت في الدخل في بريطانيا منذ عام 2000، بينما هي مستمرة في التصاعد في أمريكا. ومشكلة البريطانيين ليست في سيطرة التقنية على الوظائف، وإنما في عدم دخول الإبداعات التقنية الجديدة ميدان العمل. والمشكلة التي تواجه معظم الدول المتقدمة ليست في استيلاء الروبوتات على الوظائف، بل في أن تلك الاقتصادات غير قادرة على تأمين انخراط تلك الروبوتات في قوة العمل عندما يتقاعد الجيل الحالي من الموظفين. وتتصدر اليابان، مثلاً، قائمة الدول التي توظف الروبوتات نظراً لانخفاض معدلات الولادة ولسياسة عدم قبول المهاجرين. لكنهم ركزوا على أجهزة الخدمات الإنسانية كالروبوتات التي تخدم المسنين. ويواجه البريطانيون مشكلة زيادة الحد الأدنى لأجور العمالة في قطاع الرعاية الصحية، ممن هم فوق سن 25 عاماً. ويمكنهم الاعتماد على التقدم التقني للمساعدة في خفض التكاليف. ويمكنني تصور جدل يدور في غرف صناعة القرار في المستقبل القريب حول الطريقة المثلى لتوزيع مكاسب الروبوتات على شركائهم في العمل بحيث نضمن لهم حياة رغيدة. والمشكلة التي يتفق الجميع اليوم على أنهم يواجهونها هي أننا نريد تنفيذ الكثير من المهام والأعمال، وليست لدينا قوة العمل الكافية لتنفيذها أو أدائها.

مشاركة :