مع تسارع الخطا واستشراف الغد القرائي نحو معرض الكتاب الدولي في جدة بعد أيام، تبرز عدد من الأسئلة لدى أوساط النشر وأولي الكتاب محلّياً وعربيّاً لعلّ أهمها: هل يستوعب المجتمع القرائي محلياً معرضين في العام؟. في الرياض التي حقق معرضها سمعة تسويقية هائلة على مستوى معارض الكتب في البلدان العربية المجاورة، والذي سيواصل دوراته مع الأيام الأولى من شهر مارس المقبل، أو مع معرض جديد أو متجدد في جدة ينطلق خلال الأيام القليلة المقبلة بعد غياب سنوات وسط ترقّب كبير لما يؤول إليه من رواج آخر للكتاب بعد أن حملت الصورة الذهنية ذلك الزحام والإقبال الكبير على الكتاب في الرياض وهي تركة ثقيلة يتحمّلها معرض جدة قبل انطلاقه. هذا السؤال اللحوح دائماً ينبع من كوننا "أمة لا تقرأ" كما يقال عنا دائماً على الرغم من كل هذا الزخم الاجتماعي والشرائي للكتاب الذي يشهده معرض الرياض الدولي عبر دوراته المتعاقبة بل وقدرته على أن يؤصل لمفهوم المكتبة المنزلية فقلَّ أن تجد بيتاً حديثاً في الرياض لم يضع في إحدى زواياه ركناً لكتبٍ سيقتنيها. لكنّ حتى هذا الحضور للكتاب في بيوتنا لم يدفع عنا تهمة "الإعراض عنه" فحضور رفوف الكتب في بيوتنا تعد لدى البعض جزءاً مكمّلاً للتحف "المنزلية"!. وقبل أن نستشرف ما سيحمله لنا هذا الحضور الجديد القديم للكتاب في جدة علينا أن نتقصّى واقعنا القرائي.. وهل نحن بالفعل أمة كانت ومازالت لا تقرأ حتى وهي "أمة اقرأ"؟!. الواقع يقول غير ذلك تماماً.. فنحن اليوم وعبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة والمتعددة نكتب "تشذيب الكلام" باعتباره لغة مكتوبة منظّمة ومهذّبة، وبالتالي نقرأ تشذيباً. فضلاً عن قدرة هذه المواقع على الإحالات إلى مقروء أكثر وأنضج من خلال الروابط العنكبوتية المتعددة التي تحيلنا غالباً إلى اهتمامات ومعارف شتى، وهذا بشكل أو بآخر يجعلنا نؤكد على دفع التهمة عنا كمجتمع لا يقرأ، فضلاً عن عمقنا الثقافي العربي الذي أصَّل فينا قيمة الكتاب كناقلٍ خالد للمعرفة والعلم في كل العصور والأماكن، لهذا تظلُّ عملية الاحتفاء به ظاهرة ثقافية بطبعها، وقراءته واقع أحالتنا إليه دائماً تقنيات العصر ومتطلّباته. إننا وبدون أدنى شك نتلمّس نجاحاً آخر يقدمه لنا معرض جدة الدولي للكتاب لا بصفته منافساً لمعرض الرياض، بل كفرصة أخرى لتجديد علاقتنا بالكتاب حين حالت بينه وبين عدد كبير من مريديه في المناطق الأخرى متاعب السفر إلى الرياض فضلاً عما يفرزه المعرض بطابعه الاجتماعي ثقافياً من لقاءات بين المثقفين في ممراته وما تسفر عنه منصاته التي تروّج للكتاب إعلامياً واجتماعياً.. مع التأكيد على أن المقروء الإلكتروني بوسائله المتعددة لم ينقص من الكتاب الورقي شيئاً، بل على العكس تماماً ساهم في انتشاره وتدويره بين عدد كبير من القراء، وذلك من خلال ما يمكن أن نطلق عليه "تداول المقروء" حيث تبدأ مع الأيام الأولى من المعرض استعراض أهم الكتب كعناوين وكثقافة اقتناء وأحياناً اجتزاءات من الموجود فيها وتبادل فهمها وتأثيراتها، مع الوضع في الاعتبار كل تلك الجوانب الاجتماعية الثقافية النوعية المصاحبة للمعرض والمتمثلة بمنصات التوقيع ولقاءات الكتَّاب والمبدعين بقرائهم؛ وهي أجواء تحتاجها كثيراً المدن الكبرى في بلادنا، في ظل افتقادنا الاجتماعي للمكتبات العامة المتكاملة، أو المقاهي الثقافية الخاصة التي يلتقي بها شرائح المجتمع الثقافي. لهذا لا نفتأ متفائلين من أن معرض جدة الدولي الذي يخطو نحونا خلال أيام إنما هو فرصة متجددة تؤكد لنا أننا أمة باتت تقرأ أكثر مما تسمع، وتكتب أكثر مما تقول.
مشاركة :