صدق الكلمة في رسائل الأحزان

  • 12/6/2015
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

حين خيّم الظلام على الجميع، وتوارى النور خلف تلك الجبال العاتية، وأسدلت الناس جفونها لتغط في سبات عميق، أشعلت مصباحي، وأوقدت شمعة بجانبي، وملأت كأسي بقهوتي المعتادة، وفتحت (رسائل الأحزان) لمصطفى صادق الرافعي، حيث كتب في مطلع رسالته الأولى: "سأكتب هذه الكلمات المرتعشة، وسأبسط رعدة قلبي في ألفاظها ومعانيها، أكتب عن (...) ذلك الاسم الذي كان سنة كاملة من عمر هذا القلب، على حين أن السعادة قد تكون لحظات من هذا العمر الذي لا يعد بالسنين ولكن بالعواطف، فلا يسعني إلا أن أردّ خواطري إلى القلب لتنصبغ في الدم قبل أن تنصبغ في الحبر، ثم تخرج إلى الدنيا من هناك بين ما يخفق وما يزفر وما يئنّ". وتجلى لي حزنه وانعزاله في أولى صفحاته ورسائله، وكيف يعاتب معشوقته حيناً ويشتاق إليها حيناً آخر، وكيف يترجم مشاعره وأحاديث نفسه بصورة تكاد تبكي الجبار المتعجرف وتجعل منه إنسانا نبيلا متواضعا وصاحب قلب يكاد يذوب حنانا وعطفا. وبينما أنا كذلك إذ تتسابق أناملي لمعرفة ما وراء تلك الصفحات والرسائل المشبعة بالأسى والحرمان؛ شعرتُ بدمعةٍ انهالت على وجنتيّ، وأخرى تحاول اللحاق بمجرى سابقتها. وتساءلت: كيف يمكن لإنسان أن يجعل من الكلمة بلسما للقرّاء، ودواء للمرضى، ومواساة لليتيم، وأنيساً للمحروم؟ كيف يمكن لإنسان أن يحكم جزيرة من الصفحات يضبط أمنها القلم وتعلن ولاءها الحروف وتتربع على عرشها الكلمة؟ إن الكون الفسيح بجماله البديع وأسراره اللامنتهية لن يستطيع التغلب على الكلمة المؤثرة النابعة من القلب، المصبوغة في مرارة الحرمان تارة، وبنكهة الأمل والسعادة تارة أخرى. وحين انتهيت علمت كيف يكون القلم وسيلة إلى غاية، وكيف يكون صديقا وفيا في زمن الخيانة، وكيف تفضي إليه بمكنونك ولا يفشيه أبدا.

مشاركة :