"بيوت الحفر" في ليبيا تحف معمارية تنتظر السياح

  • 4/19/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في مدينة غريان شمال غرب ليبيا تنتشر تجويفات حُفرت بطريقة بدائية داخل سفح الجبل يُطلق عليها اسم “بيوت الحفر” أو “الداموس”، وهي تحف معمارية تاريخية أغلبيتها مهجورة ويأمل السكان في أن تساهم السياحة في إحيائها. وقال العربي بالحاج (55 عاما)، الذي يملك أحد أقدم المنازل في المدينة التي تضم سكانا من العرب والأمازيغ في جنوب العاصمة طرابلس، إن أحد أسلافه حفر هذه الأرض قبل 355 سنة. وتوجد في هذا الموقع ثماني حجرات وفناء واسع ونظام للمياه وتصريفها. وقد يُخيل للزائر أن المكان أشبه بقصر ملكي شُيد على يد المئات من المهندسين والعمال، وليس بناء حفره بضعة أشخاص بأدوات بسيطة. وتتم عمليات الحفر في مرحلتها الأولى باختيار تركيب صخري يكون بمثابة السقف، تلي ذلك أعمال حفر في أسفل التركيب الصخري، ثم طلاء الحائط والسقف بالجبس أو الطين لمنع تفتت الصخور أو تساقطها. أما المرحلة الأخيرة فتختص بالتصميم وتركيب ملحقات الداموس، حيث تُصنع الأبواب في شكل أقواس دائرية من جذوع النخيل المربوطة بأغصان الزيتون. وتُستخدم لذلك مسامير خشبية “طرية” من جذوع أشجار الزيتون الخضراء. وتقام في جدران الغرف حفر مختلفة الأشكال تُخزن فيها لوازم المنزل الصخري. ويقول الباحث التاريخي يوسف الختالي إن بيوت الحفر هذه “لها استخدامات أربعة، وبالتالي صُممت لتكون متعددة المهام وصالحة لكل الحقب التاريخية المتعاقبة، وهو سبب إضافي يدل على أهميتها المعمارية في التاريخ الليبي”. ويوضح الختالي هذه المهام والاستخدامات قائلاً “أولها أنشئ بغرض السكن البشري، والثاني مصمم للعبادة؛ إذ توجد دواميس في مدن الجبل حُفرت كمعابد يهودية ومسيحية قبل تحويل معظمها إلى مساجد للمسلمين”. ويضيف “الاستخدام الثالث عسكري بامتياز، إذ كانت بمثابة تحصينات للجنود تاريخياً” بهدف المراقبة وصد أي هجمات عسكرية في الحروب، فيما الاستخدام الرابع كان “لدفن الموتى، وهناك شواهد أثرية تعود إلى الحكم الفينيقي في ليبيا، حين كانت تُستخدم كمقابر”. PreviousNext ويشير الباحث التاريخي إلى أن هذه المنشآت الجبلية في المدينة الرابضة على علو يقرب من 700 متر، تحولت إلى وجهة سياحية أثناء الاستعمار الإيطالي لليبيا في القرن الماضي. وقد أولت إيطاليا هذا الموقع أهمية من خلال نشرها سنة 1936 أول دليل سياحي يسلط الضوء على هذه المنشآت البدائية التي تحولت في خمسينات القرن العشرين إلى وجهة سياحية بارزة. وتتباين الدواميس في هندستها المعمارية، إذ لا تتشابه في أشكالها أو مساحاتها، وذلك تبعا لنوع الاستخدام وحجمه في هذه المواقع. وتتميز هذه المنشآت باعتدال درجة الحرارة طوال العام، فهي باردة صيفا ودافئة شتاء، لكون الصخور المحيطة بها تعزل بإحكام درجات الحرارة لتعمل عمل أجهزة التكييف المشغلة بالكهرباء. ويرتبط هذا البناء داخل الجبال بثقافة ليبيا القديمة وحضارتها، وقد أظهر باستمرار تطور هذا النمط المعماري الفريد من نوعه حتى وصل إلى هذا الشكل حديثاً. ويعود تاريخ بعض هذه المنشآت إلى أكثر من 2300 سنة، لكن القليل منها ترك أثراً إذ لا يزال حوالي عشرة منها فقط صامدا، فيما يبقى داموس عائلة بالحاج “شاهدا” على تاريخ المنطقة. وأكد العربي بالحاج أن أغلبية الدواميس مهجورة، لكن البعض الذي خضع لعمليات ترميم تحول إلى “معلم سياحي”. وقال في هذا الصدد “حوش الحفر الخاص بعائلتي غادرته آخر عائلة كانت تقطنه عام 1990، ومنذ ذلك التاريخ تحول إلى وجهة سياحية، وصار الليبيون والأجانب على حد سواء يقصدونه للتجول والاطلاع على معماره المميز”. ويمكن لزوار الموقع التنقل من غرفة إلى أخرى في مقابل دفع مبلغ رمزي. وختم بالحاج قائلا “مقابل دولار واحد يمكن لأي ليبي ودولارين للأجنبي التجول في بيت الحفر هذا، كما يمكن نظير عشرين دولاراً قضاء يوم كامل واستخدام إحدى الغرف وتناول وجبة غداء فيها”.

مشاركة :