يتمتع بعض الكتاب بإنتاج غزير، يفوق إنتاج غيرهم من الكتاب، وعلى الرغم من تلك الغزارة إلا أن ذلك لا يؤثر عند قسم منهم على قيمة ما يقدمونه، فما سر غزارة الإنتاج عند أولئك الكتاب؟ وهل تؤثر غزارة الإنتاج على المستوى الفني والفكري للأعمال الأدبية على اختلافها؟ سؤال توجهنا به إلى عدد من الكاتبات والكتاب العرب، فماذا قالوا؟ «يعود سر غزارة الإنتاج لدى بعض الكُتاب إلى اعتماده على التخطيط الذهني، وامتلاكه لاستراتيجية للتفكير تضمن مكوثه في ساحات المعرفة». هذا ما بدأ به الأديب السعودي عبده الأسمري حديثه مضيفاً أن وجود خطة واضحة ينتهجها بعض الكتاب والأدباء تمثل السر في غزارة إنتاجه، إضافة إلى تفرغه وتحرره من العمل اليومي، فبعض الكُتاب وصل إلى مرحلة التقاعد، وهناك من انقطع وتفرغ للأدب والإبداع، وبات الأدب وظيفته ومصدر رزقه. والأمر لا يقتصر على هذا، فهناك بعض من الأدباء الذي يمتلكون مهارات ومواهب متعددة تسهم بشكل كبير في ولادة النصوص وفي إنتاج الروايات أو القصص في وقت متعاقب. ففي ظل وجود التركيز المرتبط بالإصدار لضمان وجود منتجات متتالية تضمن له الوجود المعرفي، وتهيئ للبعض مشاريع معرفية ومردوداً مادياً في حال بعض الإصدارات، وهنالك مؤلفون يرون أن الإنتاج الغزير مؤشر إلى الإبداع والتميز، وحتى الشهرة فيحرصون عليه. وأضاف: «مع أنني أرى أن يكون الإنتاج بأي حال من الأحوال مرتبطاً بالإجادة والجودة والإتقان؛ حتى لا يكون الإنتاج الغزير مصدر نقد ونقطة ضعف توجه نحو الكاتب. فبطبيعة الحال غزارة الإنتاج تؤثر في مستوى الجودة في الأغلب، فقد لمسنا مدى ضعف بعض الأعمال التي تخرج تباعاً لمؤلفين في وقت وجيز، وحكم على تلك الأعمال بأنها كانت دون المستوى نظراً لسرعة صدورها. فهذه الأعمال عندما نخضعها لمقاييس نقدية فإن محتواها لا يوازي اسم الكاتب، ولا يواكب ذائقة المتلقي، فالقارئ لن يبحث سوى عن الإنتاج المنير الذي يرضي غروره الثقافي، ويشبع نهمه الفكري، ويوازي ذائقته المعرفية». واستطرد قائلاً: «أما الكاتب الذي يمكن أن يوصف بأنه غزيز الإنتاج فهو في وجهة نظري هو عملاق الأدب العربي وصاحب نوبل الروائي نجيب محفوظ، فهو يشكل ظاهرة بشرية معرفية من الصعب تكرارها، لأنه تفرغ للأدب وأعطاه عمره، فوهبه الأدب الحياة والشهرة والمكانة والتمكين وأوصله إلى العالمية التي لم يصل لها إلا قلة من أدبائنا العرب». تابعي المزيد: بِمناسبة يوْم الشّعر : تكرِيمُ سُعاد الصبّاح مِن الكُويت والجزائري مُحمّد الأخْضرْ السّائِحي طرحنا هذه التساؤلات أيضاً على الكاتب ثامر عدنان شاكر، كاتب ومستشار إداري ورجل أعمال سعودي، حيث أجاب قائلاً: الاطلاع المستمر والقراءة النهمة، وكذلك الشغف، فأنا أعرف كثيراً من الشخصيات لديها هوس في القراءة والمعرفة، وهم متابعون لكل ما ينشر ويكتب، وتلك العوامل كلها وراء سر الغزارة في الإنتاج على المدى الطويل. وحول غزارة الإنتاج وتأثيرها على المستوى الفني والفكري للأعمال الأدبية، أجاب شاكر: برأي كل كاتب يحترم نفسه، ويحترم قراءه ومتابعيه سيكون حريصاً على أن يقدم ما يليق بذلك، وهنالك كتاب كثيرون على الرغم من غزارة إنتاجهم، فهم محافظون على مستوى ما يقدمونه، ففي مجال الأدب والصحافة نجد أن غزارة الإنتاج لا تؤثر على ما يقدم. أما من لا يعطي تلك المعايير أهمية ويبحث عن المادة من وراء غزارة إنتاجه فسوف يؤثر ذلك على المستوى الفني والفكري. وعن الكاتب الذي يعدّه غزير الإنتاج وأعماله ذات مستوى عالٍ؟ أوضح: «هنالك عدة أمثلة لكتاب لديهم غزارة في الإنتاج ومنهم غازي القصبي، رحمه الله، فله ما يقارب 70 عملاً ما بين كتب ومقالات وجميعها حققت نجاحاً ولاقت صيتاً كبيراً، وكذلك أنيس منصور فلقد تعدت أعماله الـ 300 كتاب، هذا على المستوى العربي، أما على المستوى العالمي فهنالك عدد من الشخصيات الأدبية كانت غزيرة الإنتاج وحققت جميع تلك الأمثلة. قد لا أكون أعلم مدى جودة كل ما قدموه، إلا أنهم حققوا نجاحات على مستوى محلي وعالمي». تابعي المزيد: تسليم جوائز أفضل الكتابات النسائيّة التونسيّة تعدّ الدكتورة نادين الأسعد (شاعرة وروائية ومقدّمة برامج لبنانية) «أن سرّ غزارة الإنتاج عند بعض الكتاب يعود إلى اعترافهم بأهمية الكتابة كمهنة لديها أصول وقواعد معينة وحقوق أيضاً. المهم الإنتاج في المضمون وليس العدد؛ لأن الشعوب لا تُصلَحُ إلا بصلاح العقول. الكتابة حتى تصل إلى العالمية بحاجة إلى معايير وقواعد وعلى دور النشر عدم اختيار الكتب التي لا تحتوي على مضمون غني وجودة في الإنتاج، وعدم التعامل مع المنتج الفكري على أساس أنه سلعة. الكاتب المبدع الذي يختار أفكاره منذ البداية حتى انتهاء عمله هو من يستطيع الوصول إلى عقول ومشاعر الناس». وعمّا إذا كانت غزارة الإنتاج تؤثر على المستوى الفني والفكري للأعمال الأدبية، تؤكد «أنه ليس بالضرورة، قد تكون أحياناً غزارة الإنتاج جيدة وأحياناً رديئة، كل بحسب ما يقدّم من فن وإبداع وفكر يبقى في ذهن الناس لفترة طويلة جداً، لذلك يجب ألا نعمّم؛ لأنه من غير المنصف أن نتّهم مثلاً الأعمال الغزيرة الإنتاج بأنها لا تنتمي إلى الأدب الذي له مقاييس عديدة، غالبية الأعمال التي صدرت خلال فترة زمنية قصيرة تحتاج إلى دراسة وتمعّن في الشخصيات، المكان والزمان... على أن تعتني بجماليات اللغة التي تقدّمها؛ لأن الأعمال الأدبية الجيدة تبقى في ذهن المكتبة الفكرية والناس إلى وقت طويل عبر التاريخ». وعن الكاتب الذي تعدّه غزير الإنتاج وأعماله ذات مستوى عال عربياً أو عالمياً تختم قائلة: «الأديب العربي نجيب محفوظ كان يخصّص ساعات طويلة للكتابة من الصباح حتى المساء، ما أمكنه من إنتاج العمل البارز وهو الثلاثية في فترة زمنية منظّمة. كتب «بين القصرين» ومن ثم «قصر الشوق» و«السكرية» خلال عامين. بالإضافة إلى إحسان عبد القدوس الذي كان يكتب سيناريوهات متسلسلة، وميخائيل نعيمة، توفيق يوسف عواد، أفرام البستاني... وآخرون مبدعون». تابعي المزيد: أفضل الكتب الإسلامية.. الأعلى تقيما يعيد الشاعر عبد الله الشحي، سر غزارة الإنتاج إلى القضية التي قد يحملها الكاتب، فهي التي تستفزه، وتجعله في معترك الأدب. فالأحداث اليومية، التي يعايشها الكاتب، بالإضافة إلى إرثه الثقافي والمكاني المتطلع للمستقبل، برأي الشاعر عبد الله، هي سبب الإنتاج، يستدرك قائلاً: «هناك من يكتب ليقول أنا موجود، لكن المحتوى هو المقياس الحقيقي لغزارة الإنتاج، وليس التواجد اليومي». غزارة الإنتاج ليس بالضرورة أن تؤثر على المستوى الفني والفكري للأعمال الأدبية، بشرط أن تحتوي على جميع المرتكزات الأساسية، وعلى الجديد المذهل والمدهش، يتابع الشاعر عبد الله: «أعتقد أنه هذا ما يترقبه المتلقي كل يوم، لكن إذا كان استنساخاً لـ «دوللي»، وأنا آسف على هذا التشبيه، فالغزارة اليوم هي البرتقالة نفسها البرتقالة، أراها اليوم وغداً، إلا أن يحدث تغيير يدهشني في لونها». بعض الكتاب يقولبون الأحداث، لكن المضمون واحد، من مبدأ أكذب ثمّ أكذب حتى تصدق نفسك أو من مبدأ التواجد اليومي، لتغيير الفكر، عبر التمرد على واقع معين، فيتم تسليط الضوء على هذا العمل، الذي خلق الإثارة، وشوّه الأحداث حتى يعتقد الكاتب نفسه أنه غزير الإنتاج، وفي الحقيقة هو يقولب الحدث لا أكثر، يتابع الشاعر عبد الله: «الكاتب غزير الإنتاج والذي تبقى أعماله ذات مستوى عال عربياً أو عالمياً، هو صاحب الرسالة المجتمعية، هو الذي يقول كلمته عبر محاضرة مثلاً... يغوص في الحدث، ويذهلني ثم يترك لي مساحة لأحلل، لا يجيّرني من أجل ان أؤمن بما كتب، فهو يلامس قضيتي ويومياتي التي أعيشها». تابعي المزيد: الإعلامي الرقمي خالد الحوسني: حكايتي مع "العصفور الأزرق" الشاعرة والكاتبة المغربية فتيحة النوحو تحدثت عن سر غزارة الإنتاج عند بعض الكتاب قائلة: «لا أهتم كثيراً بكم الإصدار لدى كاتب ما، بالقدر الذي يثيرني كيف الإنتاج المطروح في أعمال بذاتها، الأهم أن تكون كثرة الأوراق تحمل بين سطورها إضافة إبداعية للقارئة التي أكونها، في هذه الحالة يمكن أن أستنتج سر غزارة الطرح، والتي لا يمكن أن نعزوها إلا لقدرة الذات الكاتبة على إبداع جماليات جذب المتلقي لحبكته ولتسريد معالجته للمتن الأدبي، طبعاً لا يمكن أن نتجاهل ظاهرة كثرة الإصدارات خاصة في كتب ما يسمى بالتنمية الذاتية التي بدأت تهل علينا طبعاتها المتعددة، وهذا يعود للثرثرة في نسختها المكتوبة». وعن تأثير غزارة الإنتاج على المستوى الفني والفكري للأعمال الأدبية توضح النوحو: «أعتقد أن الهوس بمراكمة الكتابة هو الذي يؤثر على مصداقية كاتبها، ففي بعض الأحيان عوض أن يكرس اسمه ينفيه تماماً، فالكاتب الحقيقي هو الذي نذكره بشخوصه وحيواتهم وأفكارهم، بتنوعهم وتعددهم ولو في إصدار واحد مهما تعددت الكتب التي طالعناها، لذا من الصعب أن يحافظ الكاتب على مكانته الأدبية بتكرار متونه بعناوين مختلفة، فيما قد ينجح اسم أدبي بعنوان معين أن يترك أثراً متفرداً في القراء، مثل رواية «العطر لباتريك سوسكنيد» أو «باسم الوردة» لألمبرتو إيكو «بئر الوحدة» لردكليف هول، وغيرها من الأعمال المتفردة». وتعدّ النوحو أن هناك أسماءً تمتعت بشعبية كبيرة بالنظر لما أنتجته حتى بعد رحيلها على سبيل المثال وليس الحصر عربياً هناك نجيب محفوظ، والذي قد نعدّه من الكتاب الأكثر إنتاجاً لكن لا يمكن تقييم جودة الأعمال من قاعدتها الواسعة، فكتب عبير التي تدخل في خانة الكتب العاطفية مثلاً في زمن معين كانت تلتهم بشراهة لا مثيل لها فيما أنها إبداعياً فارغة تماماً ولا ترقى إلى مستوى فكري راقٍ. لذا وبتقديري المتواضع علاقتنا مع الكتاب علاقة فريدة، فلكل قارئ انتظاراته الخاصة من سطوره ولا علاقة للأمر بمدى غزارة الإنتاج أو قلتها، الأهم أن يلامس الوجدان ويترك أثراً فنياً وإنسانياً فيك ويغني فكرك. تابعي المزيد: كتب لا تفوت قراءتها في شهر رمضان القاص والروائي المصري أحمد الجمال الذي يعمل في مجلة آخر ساعة يقول: «إن المهلة الزمنية التي يستغرقها الكاتب لإنتاج عمل فكري، نسبية غير مرهونة بزمن مُحدد، حيث إن لكل كاتب طبيعته الخاصة، وطقوسه في الإنتاج الأدبي، فهناك من يكتبون يومياً وآخرون يكتبون وفقاً للمزاج الإبداعي لهم وليس بصورة يومية. كما أرجع تغير الفترة الزمنية إلى متطلبات العمل الإبداعي أو الفكري ذاته من بحث واستقصاء حول طبيعة الزمان والمكان، وكذلك الشخصيات». ويستطرد: «سأضرب مثلاً صارخاً علي ذلك بأن الروائي الشهير إبراهيم عبد المجيد في روايته «لا أحد ينام في الإسكندرية»، التي صدرت في عام 1996، استغرق في كتابتها ست سنوات، أما روايته «طيور العنبر» الصادرة عام 2000، فاستغرقت، كما يذكر، ثلاث سنوات، على الرغم من أن كلتيهما متساويتين في القيمة الأدبية وعدد الصفحات لكن المساحة الزمنية غير موجودة لديه علي الإطلاق». وحول ظاهرة الإبداع الغزير الذي يقدمه بعض الأدباء الشباب في الفترة الحالية، يقول أحمد: «إنه من غير المنصف أن نتهم الأعمال المُنتَجة في فترة زمنية قصيرة بأنها لا تنتمي إلى الأدب، حيث إن الأدب وفن الرواية لهما مقاييس عديدة.. ومع هذا فإن غالبية الأعمال الصادرة في فترات زمنية قصيرة من دون دراسة أو تمعن في أبعاد الشخصيات أو المكان والزمان، تهتم فقط بالحكي ولا تعتني بجماليات الرواية واللغة التي تقدمها، كما أنها لا تعيش طويلاً في ذهن القارئ في ما بعد». ويوضح أحمد: «من المتعارف عليه، وحسب قراءاتي لآراء كتاب عرب وأجانب وطبقاً لتجربتي الذاتية، لا يوجد مدى معين لكتابة عمل روائي جيد، فديستويفسكي، الروائي الروسي الشهير، أنجز روايته المقامر في 20 يوماً فقط، وهي من أعماله المتميزة، وكان كثيراً ما يكتب تحت ضغط الدائنين، فينجز أعماله الأدبية بسرعة قياسية، لكنها تحتفظ بمكانتها في تاريخ الأدب، وهناك كتاب كبار آخرون بعضهم كان يستغرق في كتابة أعماله عشر سنوات أو أكثر». تابعي المزيد: مختارات من الروايات الاسلامية يرى الكاتب التونسيّ عبد الواحد براهم أنّ سرّ غزارة إنتاج الرّوائيّ الجزائري الشّهير واسيني الأعرج، مثلاً، يعود أوّلاً إلى تفرّغه للكتابة واسترساله فيها من دون توقّف أو انقطاع، فهو ممّن يرون في الكتابة حرفة وصنعة. مضيفاً: «إنّ نجاح واسيني الأعرج في استقطاب القارئ العربيّ، وتناول النقّاد العرب بكثير من الاهتمام لرواياته أكسبه سمعة ومكانة كبيرة بكامل العالم العربيّ، وشجّعته على التّكثيف من إنتاجه؛ ليحافظ على هذه المكانة، وأنّه نجح في استقطابه للقارئ العربيّ؛ لأنّه يكتب له بلغة جميلة وشاعريّة. ويرى الكاتب التونسي عبد الواحد براهم أن غزارة إنتاج الروائي الجزائري الشّهير؛ أثّرت فعلاً على المستوى الفكري لأعماله الأدبية، ويفسّر ذلك قائلاً في لقاء له مع «سيّدتي»: «إنّ تخوّف الرّوائيّ الجزائري واسيني الأعرج من وقوع فجوة بينه وبين قرّائه لعدم إصداره رواية جديدة، جعله يكتب بنسق متسارع من دون توقّف، مجبراً أحياناً على اختلاق المواضيع فطغت على بعض رواياته اللّغة الجميلة، وغابت عنها الفكرة العميقة، فانحدر مستوى بعض رواياته على مستواه المعتاد، وجاءت دون توقعات قرّائه». تابعي المزيد: كتب يعشقها الاطفال في اليوم العالمي لكتاب الطفل يتمتع بعض الكتاب بإنتاج غزير، يفوق إنتاج غيرهم من الكتاب، وعلى الرغم من تلك الغزارة إلا أن ذلك لا يؤثر عند قسم منهم على قيمة ما يقدمونه، فما سر غزارة الإنتاج عند أولئك الكتاب؟ وهل تؤثر غزارة الإنتاج على المستوى الفني والفكري للأعمال الأدبية على اختلافها؟ سؤال توجهنا به إلى عدد من الكاتبات والكتاب العرب، فماذا قالوا؟ الرياض | محمود الديب Mahmoud Aldeep - جدة | ولاء حداد Wala Haddad دبي | لينا الحوراني Lina Alhorani - بيروت | عفت شهاب الدين Ifate Shehabdine الرباط | سميرة مغداد Samira Maghdad - تونس | مُنية كوّاش Monia Kaouach القاهرة | أيمن خطاب Ayman Khattab عبده الأسمري: وجود خطة واضحة ينتهجها بعض الكتاب والأدباء تمثل السر في غزارة إنتاجهم عبده الأسمري التخطيط الذهني «يعود سر غزارة الإنتاج لدى بعض الكُتاب إلى اعتماده على التخطيط الذهني، وامتلاكه لاستراتيجية للتفكير تضمن مكوثه في ساحات المعرفة». هذا ما بدأ به الأديب السعودي عبده الأسمري حديثه مضيفاً أن وجود خطة واضحة ينتهجها بعض الكتاب والأدباء تمثل السر في غزارة إنتاجه، إضافة إلى تفرغه وتحرره من العمل اليومي، فبعض الكُتاب وصل إلى مرحلة التقاعد، وهناك من انقطع وتفرغ للأدب والإبداع، وبات الأدب وظيفته ومصدر رزقه. والأمر لا يقتصر على هذا، فهناك بعض من الأدباء الذي يمتلكون مهارات ومواهب متعددة تسهم بشكل كبير في ولادة النصوص وفي إنتاج الروايات أو القصص في وقت متعاقب. ففي ظل وجود التركيز المرتبط بالإصدار لضمان وجود منتجات متتالية تضمن له الوجود المعرفي، وتهيئ للبعض مشاريع معرفية ومردوداً مادياً في حال بعض الإصدارات، وهنالك مؤلفون يرون أن الإنتاج الغزير مؤشر إلى الإبداع والتميز، وحتى الشهرة فيحرصون عليه. ارتباط الإنتاج بالجودة والإتقان وأضاف: «مع أنني أرى أن يكون الإنتاج بأي حال من الأحوال مرتبطاً بالإجادة والجودة والإتقان؛ حتى لا يكون الإنتاج الغزير مصدر نقد ونقطة ضعف توجه نحو الكاتب. فبطبيعة الحال غزارة الإنتاج تؤثر في مستوى الجودة في الأغلب، فقد لمسنا مدى ضعف بعض الأعمال التي تخرج تباعاً لمؤلفين في وقت وجيز، وحكم على تلك الأعمال بأنها كانت دون المستوى نظراً لسرعة صدورها. فهذه الأعمال عندما نخضعها لمقاييس نقدية فإن محتواها لا يوازي اسم الكاتب، ولا يواكب ذائقة المتلقي، فالقارئ لن يبحث سوى عن الإنتاج المنير الذي يرضي غروره الثقافي، ويشبع نهمه الفكري، ويوازي ذائقته المعرفية». واستطرد قائلاً: «أما الكاتب الذي يمكن أن يوصف بأنه غزيز الإنتاج فهو في وجهة نظري هو عملاق الأدب العربي وصاحب نوبل الروائي نجيب محفوظ، فهو يشكل ظاهرة بشرية معرفية من الصعب تكرارها، لأنه تفرغ للأدب وأعطاه عمره، فوهبه الأدب الحياة والشهرة والمكانة والتمكين وأوصله إلى العالمية التي لم يصل لها إلا قلة من أدبائنا العرب». تابعي المزيد: بِمناسبة يوْم الشّعر : تكرِيمُ سُعاد الصبّاح مِن الكُويت والجزائري مُحمّد الأخْضرْ السّائِحي ثامر عدنان شاكر: كل كاتب يحترم نفسه ويحترم قراءه ومتابعيه سيكون حريصاً على أن يقدم ما يليق بذلك ثامر عدنان شاكر الاطلاع المستمر والقراءة طرحنا هذه التساؤلات أيضاً على الكاتب ثامر عدنان شاكر، كاتب ومستشار إداري ورجل أعمال سعودي، حيث أجاب قائلاً: الاطلاع المستمر والقراءة النهمة، وكذلك الشغف، فأنا أعرف كثيراً من الشخصيات لديها هوس في القراءة والمعرفة، وهم متابعون لكل ما ينشر ويكتب، وتلك العوامل كلها وراء سر الغزارة في الإنتاج على المدى الطويل. احترام القارئ أولاً وحول غزارة الإنتاج وتأثيرها على المستوى الفني والفكري للأعمال الأدبية، أجاب شاكر: برأي كل كاتب يحترم نفسه، ويحترم قراءه ومتابعيه سيكون حريصاً على أن يقدم ما يليق بذلك، وهنالك كتاب كثيرون على الرغم من غزارة إنتاجهم، فهم محافظون على مستوى ما يقدمونه، ففي مجال الأدب والصحافة نجد أن غزارة الإنتاج لا تؤثر على ما يقدم. أما من لا يعطي تلك المعايير أهمية ويبحث عن المادة من وراء غزارة إنتاجه فسوف يؤثر ذلك على المستوى الفني والفكري. وعن الكاتب الذي يعدّه غزير الإنتاج وأعماله ذات مستوى عالٍ؟ أوضح: «هنالك عدة أمثلة لكتاب لديهم غزارة في الإنتاج ومنهم غازي القصبي، رحمه الله، فله ما يقارب 70 عملاً ما بين كتب ومقالات وجميعها حققت نجاحاً ولاقت صيتاً كبيراً، وكذلك أنيس منصور فلقد تعدت أعماله الـ 300 كتاب، هذا على المستوى العربي، أما على المستوى العالمي فهنالك عدد من الشخصيات الأدبية كانت غزيرة الإنتاج وحققت جميع تلك الأمثلة. قد لا أكون أعلم مدى جودة كل ما قدموه، إلا أنهم حققوا نجاحات على مستوى محلي وعالمي». تابعي المزيد: تسليم جوائز أفضل الكتابات النسائيّة التونسيّة د. نادين الأسعد: وعلى دور النشر عدم اختيار الكتب التي لا تحتوي على مضمون غني وجودة في الإنتاج نادين الأسعد المضمون قبل العدد تعدّ الدكتورة نادين الأسعد (شاعرة وروائية ومقدّمة برامج لبنانية) «أن سرّ غزارة الإنتاج عند بعض الكتاب يعود إلى اعترافهم بأهمية الكتابة كمهنة لديها أصول وقواعد معينة وحقوق أيضاً. المهم الإنتاج في المضمون وليس العدد؛ لأن الشعوب لا تُصلَحُ إلا بصلاح العقول. الكتابة حتى تصل إلى العالمية بحاجة إلى معايير وقواعد وعلى دور النشر عدم اختيار الكتب التي لا تحتوي على مضمون غني وجودة في الإنتاج، وعدم التعامل مع المنتج الفكري على أساس أنه سلعة. الكاتب المبدع الذي يختار أفكاره منذ البداية حتى انتهاء عمله هو من يستطيع الوصول إلى عقول ومشاعر الناس». يجب عدم التعميم وعمّا إذا كانت غزارة الإنتاج تؤثر على المستوى الفني والفكري للأعمال الأدبية، تؤكد «أنه ليس بالضرورة، قد تكون أحياناً غزارة الإنتاج جيدة وأحياناً رديئة، كل بحسب ما يقدّم من فن وإبداع وفكر يبقى في ذهن الناس لفترة طويلة جداً، لذلك يجب ألا نعمّم؛ لأنه من غير المنصف أن نتّهم مثلاً الأعمال الغزيرة الإنتاج بأنها لا تنتمي إلى الأدب الذي له مقاييس عديدة، غالبية الأعمال التي صدرت خلال فترة زمنية قصيرة تحتاج إلى دراسة وتمعّن في الشخصيات، المكان والزمان... على أن تعتني بجماليات اللغة التي تقدّمها؛ لأن الأعمال الأدبية الجيدة تبقى في ذهن المكتبة الفكرية والناس إلى وقت طويل عبر التاريخ». وعن الكاتب الذي تعدّه غزير الإنتاج وأعماله ذات مستوى عال عربياً أو عالمياً تختم قائلة: «الأديب العربي نجيب محفوظ كان يخصّص ساعات طويلة للكتابة من الصباح حتى المساء، ما أمكنه من إنتاج العمل البارز وهو الثلاثية في فترة زمنية منظّمة. كتب «بين القصرين» ومن ثم «قصر الشوق» و«السكرية» خلال عامين. بالإضافة إلى إحسان عبد القدوس الذي كان يكتب سيناريوهات متسلسلة، وميخائيل نعيمة، توفيق يوسف عواد، أفرام البستاني... وآخرون مبدعون». تابعي المزيد: أفضل الكتب الإسلامية.. الأعلى تقيما عبد الله الشحي: صاحب الرسالة المجتمعية هو الكاتب الذي ترقى أعماله مهما كانت غزيرة عبد الله الشحي المرتكزات الأساسية للكتابة يعيد الشاعر عبد الله الشحي، سر غزارة الإنتاج إلى القضية التي قد يحملها الكاتب، فهي التي تستفزه، وتجعله في معترك الأدب. فالأحداث اليومية، التي يعايشها الكاتب، بالإضافة إلى إرثه الثقافي والمكاني المتطلع للمستقبل، برأي الشاعر عبد الله، هي سبب الإنتاج، يستدرك قائلاً: «هناك من يكتب ليقول أنا موجود، لكن المحتوى هو المقياس الحقيقي لغزارة الإنتاج، وليس التواجد اليومي». غزارة الإنتاج ليس بالضرورة أن تؤثر على المستوى الفني والفكري للأعمال الأدبية، بشرط أن تحتوي على جميع المرتكزات الأساسية، وعلى الجديد المذهل والمدهش، يتابع الشاعر عبد الله: «أعتقد أنه هذا ما يترقبه المتلقي كل يوم، لكن إذا كان استنساخاً لـ «دوللي»، وأنا آسف على هذا التشبيه، فالغزارة اليوم هي البرتقالة نفسها البرتقالة، أراها اليوم وغداً، إلا أن يحدث تغيير يدهشني في لونها». بعض الكتاب يقولبون الأحداث، لكن المضمون واحد، من مبدأ أكذب ثمّ أكذب حتى تصدق نفسك أو من مبدأ التواجد اليومي، لتغيير الفكر، عبر التمرد على واقع معين، فيتم تسليط الضوء على هذا العمل، الذي خلق الإثارة، وشوّه الأحداث حتى يعتقد الكاتب نفسه أنه غزير الإنتاج، وفي الحقيقة هو يقولب الحدث لا أكثر، يتابع الشاعر عبد الله: «الكاتب غزير الإنتاج والذي تبقى أعماله ذات مستوى عال عربياً أو عالمياً، هو صاحب الرسالة المجتمعية، هو الذي يقول كلمته عبر محاضرة مثلاً... يغوص في الحدث، ويذهلني ثم يترك لي مساحة لأحلل، لا يجيّرني من أجل ان أؤمن بما كتب، فهو يلامس قضيتي ويومياتي التي أعيشها». تابعي المزيد: الإعلامي الرقمي خالد الحوسني: حكايتي مع "العصفور الأزرق" فتيحة النوحو: الأهم أن تكون كثرة الأوراق تحمل بين سطورها إضافة إبداعية للقارئة التي أكونها فتيحة النوحو إبداع جماليات جذب المتلقي الشاعرة والكاتبة المغربية فتيحة النوحو تحدثت عن سر غزارة الإنتاج عند بعض الكتاب قائلة: «لا أهتم كثيراً بكم الإصدار لدى كاتب ما، بالقدر الذي يثيرني كيف الإنتاج المطروح في أعمال بذاتها، الأهم أن تكون كثرة الأوراق تحمل بين سطورها إضافة إبداعية للقارئة التي أكونها، في هذه الحالة يمكن أن أستنتج سر غزارة الطرح، والتي لا يمكن أن نعزوها إلا لقدرة الذات الكاتبة على إبداع جماليات جذب المتلقي لحبكته ولتسريد معالجته للمتن الأدبي، طبعاً لا يمكن أن نتجاهل ظاهرة كثرة الإصدارات خاصة في كتب ما يسمى بالتنمية الذاتية التي بدأت تهل علينا طبعاتها المتعددة، وهذا يعود للثرثرة في نسختها المكتوبة». وعن تأثير غزارة الإنتاج على المستوى الفني والفكري للأعمال الأدبية توضح النوحو: «أعتقد أن الهوس بمراكمة الكتابة هو الذي يؤثر على مصداقية كاتبها، ففي بعض الأحيان عوض أن يكرس اسمه ينفيه تماماً، فالكاتب الحقيقي هو الذي نذكره بشخوصه وحيواتهم وأفكارهم، بتنوعهم وتعددهم ولو في إصدار واحد مهما تعددت الكتب التي طالعناها، لذا من الصعب أن يحافظ الكاتب على مكانته الأدبية بتكرار متونه بعناوين مختلفة، فيما قد ينجح اسم أدبي بعنوان معين أن يترك أثراً متفرداً في القراء، مثل رواية «العطر لباتريك سوسكنيد» أو «باسم الوردة» لألمبرتو إيكو «بئر الوحدة» لردكليف هول، وغيرها من الأعمال المتفردة». أسماء ذات شعبية كبيرة وتعدّ النوحو أن هناك أسماءً تمتعت بشعبية كبيرة بالنظر لما أنتجته حتى بعد رحيلها على سبيل المثال وليس الحصر عربياً هناك نجيب محفوظ، والذي قد نعدّه من الكتاب الأكثر إنتاجاً لكن لا يمكن تقييم جودة الأعمال من قاعدتها الواسعة، فكتب عبير التي تدخل في خانة الكتب العاطفية مثلاً في زمن معين كانت تلتهم بشراهة لا مثيل لها فيما أنها إبداعياً فارغة تماماً ولا ترقى إلى مستوى فكري راقٍ. لذا وبتقديري المتواضع علاقتنا مع الكتاب علاقة فريدة، فلكل قارئ انتظاراته الخاصة من سطوره ولا علاقة للأمر بمدى غزارة الإنتاج أو قلتها، الأهم أن يلامس الوجدان ويترك أثراً فنياً وإنسانياً فيك ويغني فكرك. تابعي المزيد: كتب لا تفوت قراءتها في شهر رمضان أحمد الجمال: ظاهرة الإبداع الغزير حكم غير منصف للكتابة الأدبية أحمد الجمال لا وقت محدد لكتابة عمل روائي جيد القاص والروائي المصري أحمد الجمال الذي يعمل في مجلة آخر ساعة يقول: «إن المهلة الزمنية التي يستغرقها الكاتب لإنتاج عمل فكري، نسبية غير مرهونة بزمن مُحدد، حيث إن لكل كاتب طبيعته الخاصة، وطقوسه في الإنتاج الأدبي، فهناك من يكتبون يومياً وآخرون يكتبون وفقاً للمزاج الإبداعي لهم وليس بصورة يومية. كما أرجع تغير الفترة الزمنية إلى متطلبات العمل الإبداعي أو الفكري ذاته من بحث واستقصاء حول طبيعة الزمان والمكان، وكذلك الشخصيات». ويستطرد: «سأضرب مثلاً صارخاً علي ذلك بأن الروائي الشهير إبراهيم عبد المجيد في روايته «لا أحد ينام في الإسكندرية»، التي صدرت في عام 1996، استغرق في كتابتها ست سنوات، أما روايته «طيور العنبر» الصادرة عام 2000، فاستغرقت، كما يذكر، ثلاث سنوات، على الرغم من أن كلتيهما متساويتين في القيمة الأدبية وعدد الصفحات لكن المساحة الزمنية غير موجودة لديه علي الإطلاق». وحول ظاهرة الإبداع الغزير الذي يقدمه بعض الأدباء الشباب في الفترة الحالية، يقول أحمد: «إنه من غير المنصف أن نتهم الأعمال المُنتَجة في فترة زمنية قصيرة بأنها لا تنتمي إلى الأدب، حيث إن الأدب وفن الرواية لهما مقاييس عديدة.. ومع هذا فإن غالبية الأعمال الصادرة في فترات زمنية قصيرة من دون دراسة أو تمعن في أبعاد الشخصيات أو المكان والزمان، تهتم فقط بالحكي ولا تعتني بجماليات الرواية واللغة التي تقدمها، كما أنها لا تعيش طويلاً في ذهن القارئ في ما بعد». ويوضح أحمد: «من المتعارف عليه، وحسب قراءاتي لآراء كتاب عرب وأجانب وطبقاً لتجربتي الذاتية، لا يوجد مدى معين لكتابة عمل روائي جيد، فديستويفسكي، الروائي الروسي الشهير، أنجز روايته المقامر في 20 يوماً فقط، وهي من أعماله المتميزة، وكان كثيراً ما يكتب تحت ضغط الدائنين، فينجز أعماله الأدبية بسرعة قياسية، لكنها تحتفظ بمكانتها في تاريخ الأدب، وهناك كتاب كبار آخرون بعضهم كان يستغرق في كتابة أعماله عشر سنوات أو أكثر». تابعي المزيد: مختارات من الروايات الاسلامية عبد الواحد براهم: غزارة إنتاج واسيني الأعرج أثّرت على المستوى الفكري لرواياته عبد الواحد براهم واسيني الأعرج مثالاً يرى الكاتب التونسيّ عبد الواحد براهم أنّ سرّ غزارة إنتاج الرّوائيّ الجزائري الشّهير واسيني الأعرج، مثلاً، يعود أوّلاً إلى تفرّغه للكتابة واسترساله فيها من دون توقّف أو انقطاع، فهو ممّن يرون في الكتابة حرفة وصنعة. مضيفاً: «إنّ نجاح واسيني الأعرج في استقطاب القارئ العربيّ، وتناول النقّاد العرب بكثير من الاهتمام لرواياته أكسبه سمعة ومكانة كبيرة بكامل العالم العربيّ، وشجّعته على التّكثيف من إنتاجه؛ ليحافظ على هذه المكانة، وأنّه نجح في استقطابه للقارئ العربيّ؛ لأنّه يكتب له بلغة جميلة وشاعريّة. تأثير سلبي لغزارة الإنتاج ويرى الكاتب التونسي عبد الواحد براهم أن غزارة إنتاج الروائي الجزائري الشّهير؛ أثّرت فعلاً على المستوى الفكري لأعماله الأدبية، ويفسّر ذلك قائلاً في لقاء له مع «سيّدتي»: «إنّ تخوّف الرّوائيّ الجزائري واسيني الأعرج من وقوع فجوة بينه وبين قرّائه لعدم إصداره رواية جديدة، جعله يكتب بنسق متسارع من دون توقّف، مجبراً أحياناً على اختلاق المواضيع فطغت على بعض رواياته اللّغة الجميلة، وغابت عنها الفكرة العميقة، فانحدر مستوى بعض رواياته على مستواه المعتاد، وجاءت دون توقعات قرّائه». تابعي المزيد: كتب يعشقها الاطفال في اليوم العالمي لكتاب الطفل
مشاركة :