د. يحيى الشحي يكتب: الاستراتيجية المغلظة

  • 4/20/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يُنظر إلى الأنموذج الاقتصادي الرأسمالي من منظورين. منظور يرى فيه امتداداً للتنمية والإبداع وإطلاقاً معززاً للطاقات البشرية. والآخر يراها امتداداً لدورة الاختلالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية. بينما من منظورنا أنه في معاييرها المزدوجة، كنتيجة لمقاربتها للغة الأرقام كالاستراتيجية المغلظة، فقد أزالت تماماً أفكاره وفلسفته من البعد الأخلاقي، الذي يعد مركزياً في سياق الإنسانية. تأسست الليبرالية الكلاسيكية على يد مفكري النظام منذ تبنيها لفكرة المساواة بين البشر والالتزام بالنظام والحرية ضد النظام الأبوي. حيث تكون المنفعة الشخصية هي المحرك الرئيس لتحفيز الاقتصاد. في ظل التجارة الحرة ومكافحة الاحتكار، والتوازن بين توزيع العمل والتخصيص الأمثل للموارد. لكن بعد الكساد الكبير، تصاعد التوتر الاجتماعي نتيجة التدهور الواسع في النشاط الاقتصادي وتفاقم معدلات البطالة والفقر. جاء عصر الفكر الكينزي عن التحرر من المشاكل الاجتماعية عن طريق الحد من انعدام الأمن الاقتصادي وزيادة دخول الفئات ذات الدخل المنخفض. لكنها لم تستمر مع توقف معدلات النمو وارتفاع معدلات التضخم في سبعينيات القرن الماضي. وبالمثل، ازداد الإحباط من النيوليبرالية، خاصة بعد الأزمة المالية في العقد الماضي، نتيجة لتخفيف قيود السوق التي دافعوا عنها. ومنها تنامي مشاعر الاستياء تجاه نظريات المصلحة الفردية وعدم التدخل في ظل تنامي البطالة وعدم المساواة وتغير المناخ وانتشار الأوبئة. لذلك، من الناحية التحليلية، يُعتقد أن الأنموذج الرأسمالي قد جلب فوائد عظيمة للبشرية، حيث سخر الإبداع البشري في اتجاهات علمية وتكنولوجية ومؤسسية مبتكرة، تسمى «التدمير الإبداعي». لقد عزّزت روح الريادة والابتكار والتنمية وجعلت بلدان العالم أقرب من خلال التبادل التجاري. كما كان لها تأثير على زيادة دخل الفرد مقارنة بالعصور السابقة، والتي سميت بـ«الحقيقة العظمى»، من خلال زيادة متوسط ​​دخل الفرد بأكثر من 16 مرة، وتقليل الوفيات، وزيادة متوسط ​​العمر المتوقع للفرد. أما منتقدوها فيعتقدون أنها خلقت اختلالات في توزيع الثروة وتفاوتات بين الناس وعزّزت المصلحة الشخصية على المصلحة المجتمعية. ومنها ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وتسبب في ارتفاع ظاهرة تغير المناخ، وأصبح مصدر قوتها أزمات مختلفة نتيجة الاختلالات الأخلاقية. وعليه، فإن استمرار الرأسمالية الاقتصادية المغلظة دليل على قدرتها على إعادة صياغة أيديولوجياتها وفقًا لتغيرات المرحلة. لكن مع اضطرابات المرحلة الحالية وما ينذر بها من تنبؤات، قد تتعثر هذه الصيغة وتتشتت مع ظهور أقطاب اقتصادية عالمية، مما يعيدها إلى نهج أكثر اختلافاً. باختصار، لن ينجح أي نموذج اقتصادي جديد ما لم يغير العقول والسياسات، ويكون جزءاً من إطار أخلاقي ينعكس في السياسات التي هي القاعدة وليس الاستثناء.

مشاركة :