انعقد البرلمان الصومالي المنتخب حديثا للمرة الأولى في إطار استكمال المسار الانتخابي الذي تعطل مرارا ويفترض أن يتوج بتعيين رئيس جديد للدولة التي مزقتها الحرب، ما يعجل بانتهاء أزمة سياسية حادة كادت تعصف باستقرار البلاد الهش. وبموجب النظام الانتخابي المعقّد في الصومال والذي شهد حتى الآن تأخيرا تجاوز العام عن موعد استكمال تجديد المؤسسات، تختار مجالس الولايات ومندوبو عدد كبير من العشائر النواب الذين يعيّنون بدورهم الرئيس. وأدى قرابة 300 نائب اليمين القانونية مؤخرا بعد انتخابات سادتها الفوضى والعنف في ظل صراع على السلطة بين الرئيس ورئيس الوزراء. وتمهد جلسة البرلمان الطريق لانتخاب رئيسي غرفتي البرلمان اللتين ستتجهان إثر ذلك لانتخاب رئيس جديد، لكن لم يتم بعد تحديد موعد الاقتراع. جلسة البرلمان تمهد لانتخاب غرفتي البرلمان اللتين ستتجهان إثر ذلك لانتخاب رئيس جديد، لكن موعد الاقتراع لم يحدد بعد وقال النائب محمد إبراهيم إنه تم تعيين لجنة من 10 أعضاء للمساعدة في التحضير للانتخابات، ووصف الاجتماع بأنه “بداية جيدة”. وأدى التنافس بين الرئيس محمد عبدالله محمد الملقب بفرماجو ورئيس وزرائه محمد حسين روبلي إلى تعطيل الانتخابات في البلاد التي تشهد تزايدا في نشاط حركة الشباب المتطرفة. وانتهت ولاية الرئيس فرماجو في فبراير 2021 من دون أن يتمكن من تنظيم الانتخابات، ما أغرق البلاد في أزمة سياسية عميقة. ولا يزال يتعين شغل بعض مقاعد البرلمان، ولكن صار هناك عدد كاف من المشرّعين لدفع العملية الانتخابية قدما مع أداء 298 عضوا اليمين. ويشمل البرلمان بغرفتيه 329 مقعدا. وصوّت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نهاية مارس بالإجماع على تمديد مهمة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أميصوم) حتى نهاية عام 2024، لكنه أعاد تشكيلها تحت اسم البعثة الانتقالية في الصومال (أتميص). ودحرت (أميصوم) حركة الشباب الإسلامية المتطرفة من المدن الرئيسية في البلاد، بما في ذلك العاصمة مقديشو عام 2011، ما سمح بتنصيب مؤسسات حكومية بالإضافة إلى إجراء دورتين من الانتخابات (2012 و2017). وشابت عملية انتخاب المشرعين، الذين يتم اختيارهم من جانب وجهاء العشائر وزعماء القبائل بدلا من الانتخاب المباشر، تهديدات وإراقة دماء، بما شمل مقتل المرشحة الشابة أمينة محمد التي كانت من أشد منتقدي الحكومة. ويعيش الصومال حالة من التدهور الاقتصادي منذ نحو عام جراء الانسداد السياسي الذي أخر إتمام الانتخابات، بالتوازي مع تعليق المجتمع الدولي المساعدات المالية للحكومة. ولم يتحدد بعد موعد انتخاب رئيس جديد، لكن مديرة صندوق النقد الدولي قالت في فبراير إنه لا بد من تشكيل حكومة جديدة بحلول السابع عشر من مايو، حتى يتسنى للصومال مواصلة الحصول على دعم للميزانية من الصندوق. استكمال المسار الانتخابي ويفترض أن يتوج بتعيين رئيس جديد للدولة استكمال المسار الانتخابي ويفترض أن يتوج بتعيين رئيس جديد للدولة وما فاقم من الأوضاع المعيشية أيضا ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات إلى جانب الجفاف الذي يضرب البلاد للعام الثاني على التوالي وهو ما أدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي المحلي، الأمر الذي تسبب في تفشي التضخم والبطالة. ونتيجة تراكم تلك العوامل إلى جانب أعباء الديون الخارجية تأثرت عجلة الاقتصاد بالبلاد سلبا؛ إذ تشير التقديرات الأممية إلى أن نحو 71 في المئة من الصوماليين البالغ عددهم نحو 14 مليونا يعيشون تحت خط الفقر. واعتبر الخبير وأستاذ الاقتصاد في جامعة الصومال محمد يوسف أن أزمة عدم الاستقرار السياسي في البلاد هي أساس انهيار مؤشر النمو الاقتصادي، وهو ما يشير إلى تراجع لمعدلات النمو لحصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. وقال يوسف إن الخلافات السياسية وعدم الاستقرار الأمني التي باتت صفة متلازمة للحكومات الصومالية تبعث مؤشرات غير إيجابية على نمو اقتصاد البلاد حيث تتوقف كل الاستثمارات وعمليات الشراء في جميع مناحي الحياة خوفا على المستقبل. وأوضح أن الأزمة السياسية في البلاد والتي امتدت لنحو عام ونيف أدخلت البلاد في مرحلة من عدم اليقين سياسيا واقتصاديا، وهو ما يعيق المحركات الأساسية للنمو. وتوقع المختص أن يستمر نزيف الاقتصاد المحلي لحين انتهاء الانتخابات “وهي توقعات بددت آمال البنك الدولي الذي توقع زيادة معدل النمو الإجمالي للناتج المحلي بالبلاد، بعد أن حقق عام 2019 معدل نمو يقدر بـ2.9 في المئة”. الصومال يعيش حالة من التدهور الاقتصادي منذ نحو عام جراء الانسداد السياسي الذي أخر إتمام الانتخابات وأوقف المجتمع الدولي دعمه لموازنة الصومال منذ مطلع عام 2021، وهو ما من شأنه أن يعرقل عمل المؤسسات الحكومية ويؤثر سلبا على تسديد رواتب الموظفين. ويرى أستاذ الاقتصاد في جامعة مقديشو عبدالله معلم أن وقف المجتمع الدولي دعم موازنة الحكومة الصومالية قد يحيل الآلاف من الموظفين الحكوميين إلى قائمة البطالة وهو ما يؤجج تفشي الفساد داخل المؤسسات الحكومية وتلقي الرشاوى لدى الموظفين الحكوميين. وأضاف عبدالله أن الحكومة الصومالية توفر فقط 35 في المئة من الموازنة السنوية بينما يساهم الدعم الخارجي بـ65 في المئة منها، وهذا رقم كبير لا يمكن للحكومة الاستغناء عنه بل وتزيد معدلات الفقر في البلاد في حال استمرار وقف هذا الدعم. وأشار إلى أن غياب هذا الدعم قد يؤدي أيضا إلى انخفاض نسبة القدرة الشرائية لدى المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار التي تشهدها البلاد نتيجة عوامل داخلية وخارجية. وفي فبراير الماضي حذر صندوق النقد الدولي من تعليق الدعم المالي الذي يقدمه للصومال وجهود إعفائه من الديون الخارجية البالغة 5.3 مليار دولار في حال حصل أي تأخر في العملية الانتخابية قبل مايو المقبل، وهو يمثل مؤشرا غير إيجابي بالنسبة إلى اقتصاد البلاد. وترتبط سياسة إعفاء هذه الديون الخارجية بالحكومة الصومالية المقبلة حول مدى تعزيز الأطر المالية من خلال مكافحة الفساد داخل المؤسسات الحكومية إلى جانب تنويع مصادر دخلها التي تزيد من نمو إنتاجها المحلي. ويتوقع الخبراء نموا “طفيفا” في اقتصاد البلاد في حال إجراء الانتخابات الرئاسية.
مشاركة :