على الرغم من الحشد العسكري الكبير والتعزيزات المتزايدة، لم ينهزم تنظيم داعش المتطرف في العراق وسورية إلا في مناطق محدودة. ومع تواصل الضربات الجوية في هذين البلدين، يتساءل خبراء عسكريون عن جدوى القصف في القضاء على داعش. ومن أجل دحر الأخير، يقول محللون، يجب معرفة المنابع التي يعيش عليها ومن ثم تجفيفها. كما دعا هؤلاء إلى رسم خطة جيدة، حتى لا تنتهي العملية ضد المتطرفين بنتائج عكسية. ويحتدم حالياً جدل كبير في الغرب حول إرسال جنود لقتال المسلحين على الأرض، ومساعدة المقاتلين المحليين على استرجاع الأراضي وتأمينها. نتائج مخيبة دعا العديد من المحللين والمفكرين الغربيين إلى معالجة أسباب نشوء ظاهرة الإرهاب، عوضاً عن التركيز فقط على محاربة التنظيمات المتطرفة. وقال الخبير الاستراتيجي الفرنسي، دومنيك بافوا، إنه حتى في حال تمت هزيمة داعش فإن احتمال ظهور فصيل متطرف آخر وارد جداً. وبالرغم من تزايد الضربات الجوية المكثفة في سورية والعراق، إلا أنها لم تحقق نتائج كبيرة على الأرض. في هذه الأثناء، يبدو أن قصف التنظيم من الجو لن يحل المشكلة. ويمتلك الغرب التفوق العسكري على خصومه، إلا أن النتائج على الأرض في العراق وسورية خيبت كل التوقعات المتفائلة. ويرى بافوا أن التدخل العسكري الغربي هو نوع من النجاح التكتيكي، الذي يسهم في تفاقم الأوضاع ولا يحسم المعركة. ويعتقد جيمس كلفني، من جامعة بوسطن، أن الولايات المتحدة وحلفاءها أضاعوا فرصة كبيرة في البداية، إذ كان التنظيم في منطقة ضيقة جغرافياً، لم نتعامل مع داعش كما تعاملنا مع تهديدات القاعدة، مضيفاً وجد الحلفاء على الأرض حليفاً مهماً جداً لإنجاز المهمة، ولولا مساعدة العشائر لما تمكنا من القضاء على القاعدة في غرب العراق. وبعد هجمات باريس الدموية غيرت العديد من الحكومات مواقفها تجاه الحملة ضد التنظيم، وسارعت فرنسا للدعوة إلى تعاون دولي ضد المسلحين، وغيّرت من أولوياتها، وبات بقاء بشار الأسد في الحكم لا يمثل عقبة لحل الأزمة السورية. أما بريطانيا، فقد انضمت للتحالف الكبير، الذي يعتمد على الضربات الجوية بشكل أساسي لإضعاف وهزيمة التنظيم المتطرف، وذلك على الرغم من أن الجهد العسكري الجوي البريطاني لن يضيف جديداً في الحملة الدولية، نظراً لوجود أعداد كبيرة من الطائرات المقاتلة في أجواء سورية والعراق، في حين لا توجد أهداف واضحة لدى التنظيم تستدعي استخدام هذه المقاتلات جميعاً. ومنذ بداية أغسطس من العام الماضي، قامت طائرات التحالف بنحو 8500 غارة جوية، في البلدين، استخدمت فيها أطناناً من القنابل والقذائف ضد أهداف على الأرض، يعتقد أنها تابعة للمسلحين. إلا أن أغلب الطائرات التي تقوم بطلعات في سماء المعركة تعود لقواعدها دون أن تجد أهدافاً تقصفها. يقول المحلل العسكري التركي، متين غوركان، إن الضربات الجوية يمكن فقط أن تكون ناجحة ضد مراكز التدريب والاتصال التابعة للتنظيم، لكن من الامور الغريبة أنه لم يتم استهداف أي من هذه المراكز التابعة للتنظيم، خلال كل الغارات التي شنها التحالف. وفي غضون ذلك، حذر مسؤولون في حكومة رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، بعد شن سلاح الجو أولى غاراته في سورية، من أن تدمير التنظيم المتطرف قد يحتاج الى فترة طويلة تصل إلى عامين أو أكثر، وبالتالي يتعين على البريطانيين التحلي بالكثير من الصبر. ويبدو أن هناك حاجة إلى عمل سياسي مكثف لتوحيد فصائل المعارضة السورية المختلفة، حتى تبدأ المشاركة في مواجهة قوات التنظيم شمال البلاد وطردهم من مواقعهم تدريجياً. عراقيل كثيرة صرّح وزير الدفاع البريطاني، مايكل فالون، أخيراً، بأن الضربات الجوية ستكون مصحوبة بعمل على الأرض من قبل قوات يجري توحيدها. وكانت تقديرات عسكرية أميركية أشارت، قبل أكثر من عام، الى أن الضربات الجوية ستستمر ثلاث سنوات، وهذا يعني أن قوات التحالف في منتصف الطريق الآن. وتواجه جهود توحيد المعارضة عراقيل كثيرة، على رأسها تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الداعم الرئيس لنظام الأسد، خلال خطاب أخير، وجه خلاله اتهامات لواشنطن وحلفائها بزرع الفوضى في الشرق الأوسط، وسعيها لتغيير الحكام في دول عدة بالمنطقة. على المدى المتوسط، ينبغي للتحالف أن يرسل قوة غربية لا يقل قوامها عن 10 آلاف جندي إلى العراق لتوفير التدريب المحترف، والاستشارة العسكرية، والتدخل السريع، في حال استدعت الضرورة. ويجب أن تستهدف هذه القوة مصادر تمويل ودعم داعش، والعمل على عزله تماماً. في المقابل، يجب أن تكون هناك حملة على الانترنت لمحاربة التنظيم الذي يستخدم الشبكة العنكبوتية للدعاية والتجنيد. أما على المدى الطويل، فيتعين التركيز على التنمية في شتى المجالات، وتوفير فرص العمل والتعليم والاستثمار، للشباب في منطقة الشرق الأوسط. يقول عميد كلية الحقوق والدبلوماسية في جامعة تافتس، جيمس ستارفيدي، إن القصف وحده لا يكفي للقضاء على داعش. ويؤكد الخبير والضابط العسكري السابق، أن العملية تتطلب وجوداً غربياً على الأرض، تماماً مثل ما حدث في أفغانستان، فقد كان الجنود الأميركيون والأوربيون يعملون جنباً إلى جنب مع الأفغان في محاربة المسلحين المناوئين للحكومة. ويرى ستارفيدي، أنه لا يتعين إرسال آلاف الجنود دفعة واحدة، بل يمكن فعل ذلك بتدرج إلى أن تبلغ القوة العدد الكافي والمطلوب لإنجاز المهمة. وفي البداية، يقترح الضابط المتقاعد، يمكن إرسال مدربين وخبراء في الإمدادات اللوجستية، إضافة إلى وحدات من القوات الخاصة ومجموعات للتدخل السريع. ويستبعد الخبير الأميركي أن يكون ما يحدث حالياً في الشرق الأوسط حرباً دينية، ولا يشبهها بالحروب الدينية التي عاشتها أوروبا في القرنين السادس عشر والسابع عشر. أمر مستبعد يحذر خبراء ومحللون من أنه مع مرور الوقت فإن تنظيم داعش سيحقق المزيد من المكاسب. وكلما تقاعست المجموعة الدولية في دعم القوات العراقية والكردية، والمعارضة السورية المعتدلة، فإن الأمور ستتعقد أكثر وأكثر. ويتعين التوقف عن توجيه الانتقادات والتهم لهذا التنظيم، والبدء في عمل جاد للقضاء عليه واجتثاث جذوره من الأعماق. ستجد حكومات مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، نفسها مجبرة على إرسال قوات برية الى سورية، اذا كانوا جادين في عزمهم على القضاء على داعش. وبالرغم من أن هذا الأمر مستبعد، في بريطانيا على الأقل، يقول قائد الجيش البريطاني السابق ريتشارد دنات، الذي لا يفضل رؤية قوات بريطانية أو فرنسية أو أميركية في سورية: إننا اذا كنا جادين في القضاء على، وهزيمة التنظيم المتطرف، فلابد أن نصل الى ذلك الأمر. وأوضح المسؤول السابق أنه لا يريد الوصول الى ذلك، ولكن النجاح في المهمة يقتضي من الحكومات الغربية أن تنظر في جميع الخيارات في مرحلة ما في المستقبل.
مشاركة :