لا أعرف متعة تضاهي جماليات الإبحار بعكس اتجاه أسطح البحار والمحيطات، في صحبة كاميرا مجهزة للظفر بما تجود به الطبيعة البحرية.. عبارة يختزل بها الأمين العام لجائزة حمدان بن محمد للتصوير الضوئي، علي خليفة بن ثالث، شغفه بعوالم التصوير تحت الماء، ولكن هذه المرة بصفته محترفاً لهذا الفن الذي لايزال محدود الانتشار محلياً وعربياً. بن ثالث الذي يستعد لطرح إصداره الأول في 14 من الشهر الجاري، متضمناً بعض نتاج 80 رحلة بحرية، لا تستقصي تجربته مع الغوص بصحبة الكاميرا التي بدأت قبل ما يزيد على 10 سنوات، قال في حواره لـالإمارات اليوم: إن كل رحلة غوص جديدة تعني بالنسبة له، دعوة لاكتشاف أكوان مغايرة، مضيفاً: ما تم اكتشافه تحت أسطح البحار والمحيطات يراوح ما بين 7 و8% مما هو موجود بالفعل، ما يعني أن نسبة ظفرك بالجديد في كل رحلة مرتفعة للغاية، ويصل إلى نحو 93% تقريباً، لأن الماء على شفافيته يحجب في أعماقه عوالم من الدهشة. ولا يتحدث بن ثالث عن التصوير تحت الماء على نحو وظيفي أو فني فقط، بل تجده يخلط ذلك على الدوام بكثير من المشاعر والحنين إلى الماء، وهو ما يفسر قطعه آلاف الأميال في قارات العالم الست، من أجل تجربة غوص يتوقع منها دائماً أن تكون الأجمل، حيث يضيف: أرى على الدوام أن رحلة الغوص الأبهى والأجمل، هي الرحلة المقبلة، أو ربما هي تلك التي لم أذهبها بعد. ما الذي يدفع محترف تصوير تحت الماء إلى التفكير بخطوة إنجاز إصدار يحتوي على بعض من ذاكرة كاميرته الخاصة، سؤال يجيب عنه بن ثالث بقوله: يشغلني هذا الأمر تحديداً منذ ثاث سنوات، فبعد سبعة أعوام من الغوص ورصد عجائب صنع الله في عوالم البحار، أيقنت أن تلك التجربة التي أبدو فيها منفرداً، تستحق المشاطرة مع الآخرين، ويجب ألا تظل حبيسة لشرائح ذاكرة الكاميرا، أو حتى المعارض الذكية، وتوقعت أن يضيف سحر ملمس الكتاب، بُعداً آخر لإبهار ما يتم رصده، لاسيما أن ما أقوم به من تصوير تحت الماء، يتم وفق شروط فنية دقيقة، وعوامل كثيرة، بعضها يبقى الحسم فيه لمفردات الطبيعة، التي قد تضطرك إلى الانتظار ساعات طويلة، من أجل الظفر بمشهد، قد يتلاشى فور اكتماله بأجزاء من الثانية. ويرى بن ثالث أن الإصدار يمثل أيضاً مرحلة مختلفة، سواء لمحترف التصوير تحت الماء، أو لمتذوقيه، مشيراً إلى أن الجماليات التي تفصح عنها تلك الأعمال، لا تقل من حيث المتعة والتفاصيل الفنية عن سواها في سائر الفنون البصرية الأخرى، لكن المعيار المختلف هو أن ثقافة تذوق واقتناء هذه النوعية من الأعمال، لاتزال في مرحلة مبكرة عربياً. إثارة الدهشة لعظيم قدرة الخالق سبحانه، هو الفارق في ردة الفعل لدى متذوّق هذه النوعية من الصور، وسواها حسب بن ثالث، الذي يضيف: قمت بإجراء مسح مقارن بين تأثير الصور الملتقطة تحت الماء وسواها، لدى مجموعة من المتذوّقين، فكانت التعليقات بالنسبة للأولى تنم عن الاتصال الروحاني، الذي ينشأ بين العمل الفني والمتذوّق في حالة الصور التي أخذت تحت الماء وفي أعماق البحار، في حين كانت معظم التعليقات بالنسبة للمجموعة الأخرى مرتبطة بجودة الصورة من الناحية الفنية، دون الالتفات إلى المحتوى. وحول فنيات التصوير تحت الماء قال بن ثالث: إنه بخلاف كثير من الفنون البصرية الأخرى، فإن معيار الزمن يبقى في مصلحة هذا الفن، مضيفاً: هذا الأمر مرده إلى أن تقنيات الكاميرات التي تعمل تحت الماء تتطوّر بشكل سريع ومذهل، وهو أمر يصب في مصلحة دقة وجودة الصورة، لاسيما في ظل العوامل الصعبة التي تلتقط فيها الصورة من حيث الضوء والحركة، ورصد المشهد المراد تصويره. وتابع: الأهم من ذلك كله هو أن الأمر هنا لا يتوقف على مهارة واحدة وهي التصوير، بل أيضاً مهارة ملازمة أخرى وهي الغطس، وعدم تمكن المصور من المهارة الثانية سينعكس حتماً على قدراته الفنية، لذلك فخلافاً لسائر الفنون البصرية، على المصور تحت الماء أن يكون متمتعاً بلياقة بدنية عالية، ويخضع دوماً، بالإضافة إلى الورش الفنية، لدورات تدريبية تحافظ على لياقته البدنية، مع الأخذ في الحسبان دوماً، بأن أي خلل في أي من المهارتين، الغوص، والتصوير، سيؤثر حتماً في الأخرى. وحول إحدى الصور التي قال إنه نطق بالشهادتين أثناء التقاطه لها، بعد أن أبصر أسراب التونة العملاقة التي تزن الواحدة منها 400 كيلوغرام، متجهة نحوه بسرعة فائقة، علق علي خليفة بن ثالث: رغم ذلك، فإن الغوص تحت الماء آمن جداً، على عكس ما يتوقع البعض، وتؤشر الإحصاءات إلى انه أكثر أماناً من قيادة السيارات في طرق معبدة. وأضاف: نعم.. هناك خطوط حمراء يجب عدم الاقتراب منها في مغامرة الغوص، لكن معظمها يغيبها شغف اكتشاف المجهول، وهو ما جعلني في كثير من المرات لا التفت إلى أن أنبوب الأوكسجين أوشك أن ينفد، وأنا في مواضع بعيدة جداً عن سطح البحر. إلى ذلك، أضاف الأمين العام لجائزة حمدان بن محمد للتصوير الضوئي، أن تجارب التصوير تحت الماء، متاحة للجميع، ولم تكن يوماً حكراً على الأثرياء كما يُشاع. وأضاف بن ثالث، الذي جذبته تلك الهواية مبكراً بسبب نشأته في بيئة قريبة من البحر، بمنطقة الجميرا، قبل أن يقوده الشغف إلى احترافها، وخوض تجارب تصوير تحت الماء في بيئات عديدة: بأقل من 8000 درهم، يستطيع الهاوي شراء المعدات اللازمة للغوص والتصوير تحت الماء، لكن الأهم من ذلك هو استيعاب الفنيات اللازمة للحصول على نتاج فني متميز. وتابع: عامان من الشروع في الهواية كفيلان ليحدد بعدهما الشخص، ما إذا كان سيكتفي بمتعة الهواة، أم أنه سيتطوّر في فضاء الاحتراف، وهنا يبقى في إطار حلقة لا تلتئم من الشغف برحلات غوص ستبقى بمثابة البوصلة لوجهات متجدّدة.
مشاركة :