فاطمة الزهراء عمور.. "فرصة" يحوّلها المؤثرون إلى لعنة

  • 4/21/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

نجح حزب التجمع الوطني للأحرار في بداية حملته الانتخابية السابقة بالاعتماد على تخصيص ميزانية لتسويق منتجه السياسي، فكانت النتيجة إيجابية، مع وجود بصمة بارزة لفاطمة الزهراء عمور لكونها متخصصة في مجال التسويق، وهي التي تمت مكافأتها على هذا الانتصار بمنصب وزيرة السياحة والاقتصاد التضامني في الحكومة الحالية. لكن البحث عن ميزة أخرى مثيرة للمشهد السياسي في المغرب تؤدي إلى مواجهة تحديات استراتيجية، هي أكثر تعقيدًا من التسويق التجاري، فالبحث لمنتج ما يهم أطيافاً معينة من المجتمع، خصوصاً في الظرف الذي يمر به المغرب حاليا، من غلاء المحروقات والمواد الاستهلاكية مع سنة زراعية مختلفة عن سنوات سابقة بعدما ضرب الجفاف نسبة مهمة من الاراضي قبل ان يتم تدارك الموسم بأمطار ربيعية مهمة. مغامرة تشغيل الشباب ◙ برنامج "فرصة" يقدم الدعم اللازم للشباب ليكونوا رافعة اقتصادية واجتماعية في المغرب يعتبر ملف تشغيل الشباب بالمغرب موضوعا ذا أولوية، ويحظى بأهمية كبرى في السياسات العمومية، على رأس اهتمامات الحكومة الجديدة، ويأتي برنامج “فرصة” ليقدم الدعم اللازم للشباب ويضمن اندماجهم في سوق الشغل، حتى تتمكن هذه الفئة من الاضطلاع بدورها كرافعة اقتصادية واجتماعية للتنمية في المملكة. وكان من المفروض أن يتحمل مسؤولية تنفيذه وزير التشغيل، الذي ينتمي إلى حزب الأصالة والمعاصرة الشريك الحكومي، لكن رئيس الحكومة ارتأى أن يدفع بعمور، نحو واجهة التنفيذ والتسويق لهذا البرنامج. تخصصت عمور بتفوق في الرياضيات سواء في ثانوية ليوطي بالدار البيضاء، أو عندما التحقت بفرنسا لاجتياز الأقسام التحضيرية في الرياضيات، والحصول على دبلوم المدرسة الوطنية العليا، لهذا يطالبها الكل بالتوظيف الجيد للمعادلات الرياضية في طريقة تدبير الأموال العمومية بما يخدم السياسات العمومية، خصوصا وأن البرنامج مفتوح في وجه الجميع دون شروط، ولهذا يرى المنتقدون أنه لا داعي لتلك الميزانية أساسا مادام الأمر يتعلق بمشروع يمسّ فئة الشباب الذين يبحثون عن فرصة شغل، ولن يتوانى هؤلاء الشباب في تقديم مشروعهم للجهات المسؤولة بوصلة إشهارية على كافة وسائل الاعلام الرسمية وغير الرسمية ولا حاجة لمثل ذلك القرار. حضور ما يسمى بالمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي سيكون البصمة المميزة لعدد من وزراء حكومة عزيز أخنوش، ولعنة سياسية تطاردهم أيضا، آخرها استدعاؤهم من طرف وزير التعليم شكيب بنموسى للتشاور معهم حول إصلاح التعليم، وفي حفل إطلاق برنامج” فرصة”، لكن الحكومة خرجت تدافع عن نفسها بأن هذا الحضور له علاقة بترويج البرنامج في فضاء يسكنه الشباب، وليست كما عبّر المنتقدون من المعارضة وغيرها بأنها محاول للتغطية عن عجزها التواصلي وضعف مبادراتها المعزولة. كثيراً ما كانت عمور تؤكد أن الفضل في النجاح يرجع إلى كل الفريق الذي يشتغل معها في سبيل بلوغ الهدف المنشود، لكن عدداً من البرلمانيين استهجنوا استعانتها بشركات خاصة لمهمة جد معقدة، تتطلب تقنيات وخبرات حديثة ومؤثرة، تاركة الإدارة الموضوعة تحت تصرف الحكومة، والمكونة من القطاعات الوزارية، والكتاب العامين، والمدراء المركزيين، ورؤساء الأقسام، والولاة، والعمال، والمدراء الجهويين والإقليميين، وغيرهم من المراكز الجهوية للاستثمار، والوكالات الحضرية، والأنابيك، والمحافظة، والأبناك العمومية، بالإضافة إلى أجهزة أخرى للدولة شريكة مع الحكومة في مجال التنمية الاقتصادية. حتى الأحزاب المشاركة في الحكومة لم تستوعب طريقة تسويق هذا البرنامج، فهشام المهاجري النائب البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة عبّر عن استغرابه الشديد من استعانة عمور بشركات خاصة عن طريق الشركة الوطنية للهندسة السياحية، من أجل مواكبة وتتبع برنامج “فرصة”، مقابل 250 مليون درهم، وذلك بدل هيكلة إدارية عمومية تكلف ميزانية البلاد ملايين الدراهم. ◙ عمور رفعت ورقة الكفاءة في وجه كل المنتقدين لعملها، ونجاحها في تدبير مشاريع واسعة النطاق مثل مهرجان "تيميتار" بأغادير والمهرجان من أجل التسامح يصفها المحيطون بها بالحيوية الممتلئة بالحماس وروح المسؤولية والشغف في تطوير عملها وطرق اشتغالها، لهذا لم تستسغ عمور ما قالته المعارضة وما ردده عدد من المتابعين، من أن سياسة التسويق عبارة عن محاولة لاستغلال المال العام، وتعبئة مواقع التواصل الاجتماعي لمهاجمة كل من ينتقد الحكومة، خصوصا بعدما اتهمت المعارضة الحكومة بـ”تسييس” برنامج “فرصة”، وبـ”تهريب” برنامج ملكي إلى الشركة المغربية للهندسة السياحية عوض تسليمه إلى القطاع الحكومي المكلف بالتشغيل والاندماج الاقتصادي، وردت بأن افتقار الشركة إلى الكفاءة والقدرات المطلوبة لقيادة هذا البرنامج، هو سبب تكليفها بالبرنامج وليس شيئا آخر. فرس الرهان الصعب تم اتهام عمور بالفشل في تدبير القطاعات التي تقع تحت مسؤوليتها، فقطاع السياحة والصناعة التقليدية والمهن المرتبطة بهما تضررا كثيرا من تداعيات جائحة كرورنا، وكانت له تداعيات كثيرة اجتماعيا واقتصاديا، كما أن العديد من المدن السياحية التي تنتعش فيها الصناعة التقليدية تترقب منذ توليها منصبها الوزاري القرارات والحلول التي تمكّن من تجاوز هذه الوضعية، لكن عمور رفعت ورقة الكفاءة في وجه كل المنتقدين لعملها، ونجاحها في تدبير مشاريع واسعة النطاق مثل مهرجان ”تيميتار“ بأغادير والمهرجان من أجل التسامح، اللذين تولت تسييرهما منذ إحداثهما إلى غاية سنة 2012، وإدارتها المتميزة لمجموعة ”معلني المغرب” قبل ذلك. لقد حددت الوزيرة الجريئة هدفها منذ تعيينها بطرح مخطط استعجالي يحافظ على الوظائف بالدرجة الأولى ويساعد في الاستعداد لاستقبال السياح وليس تعويض خسائر القطاع، وهو ما كان السبب في لقاء المهنيين بعدد من الجهات، ومحور اجتماعات متعددة مع الفيدرالية الوطنية للسياحة التي قالت إنه لا بد للوزيرة من التفاعل مع العديد من المقترحات في هذا الشأن. حملات وإقصاء ◙ المحيطون بعمور يصفونها بالحيوية الممتلئة بالحماس وروح المسؤولية والشغف في تطوير عملها وحول جدل إقصاء بعض القطاعات من إجراء الإعفاء من الضريبة المهنية المستحقة خلال العامين الماضيين، رأت عمور أن قطاع الفندقة يحتاج المساندة الكبيرة وهذا لا يعني أنه لن تتم مساندة القطاعات الأخرى مستقبلا، بل أن الأولوية في هذه الظرفية لقطاع الفندقة، وعكس ما هو تمت إشاعته لم نقم بمساعدة المجموعات الفندقية الكبيرة بل توجهنا إلى الفنادق الصغيرة ودور الضيافة وغيرها. يشير تعليق وسائل التواصل الاجتماعي المحيط بمثل هذه القرارات، والأداء المالي اللاحق للشركات التي أدارتها الوزيرة، إلى قوة وخطر الارتباط الوثيق بين العلامة التجارية والفكرة السياسية، وسيتم تفسيرها على أنها تتخذ موقفًا سياسيًا يصب في خانة الحزب الذي يقود الحكومة، بدل تحفيز البحث بتركيز سياسي وتبني مجموعة متنوعة من وجهات النظر حول تقاطع السياسة والتسويق. تم تسليط الضوء على التداخل بين التسويق والسياسة فيما يتعلق تدبير الحكومة الحالية في عدد من القطاعات، فالمعروف أن رئيس الحكومة مرتبط بالعلامات التجارية لشركاته التي قال إنه فك ارتباطه بها للتفرغ لمهمته السياسية، بالتوازي مع ذلك يلحظ ما تقوم به اليد التسويقية للحزب بشكل عام في الترويج للمنتج الحكومي من خلال القنوات الرقمية بما في ذلك فيسبوك ويوتيوب وإنستغرام، حيث أن الأساليب الأساسية التي تم استخدامها في الحملة الانتخابية وقبلها ليست جديدة. والغرض هو تطبيع الناس مع هذا النوع من الأداء الحكومي وكأنه شركة، حيث أن الفرضية بسيطة، خذ علاقة ترويجية بين المنتج والمستهدف وحوّل الاتجاهات التي تنتج إلى استراتيجية سياسية قابلة للتطبيق في المستقبل على عدد من البرامج والسياسات. في إطار التسويق الرقمي وتقاطع السياسي والتسويقي تم تقديم عمور نموذجا ناجحا في كيفية تطبيق نظريات التسويق على المجال السياسي من حيث تطويرها لاستراتيجية تواصل جديدة بوأت حزبها المرتبة الأولى في الانتخابات الماضية، لكن في الميدان هناك من يرى أنه كان من الأولى البحث عن آليات سريعة وفعالة للتواصل مع أصحاب المهن المتضررة في القطاع السياحي والخدمات المرتبطة بهذا القطاع الذي يعيش الآلاف من المهنيين المرتبطين به وضعا صعبا. ليس هناك مجال للصدفة في هذا الاختيار فعمور لها علاقة بمشاريع اقتصادية لأخنوش الذي اختبر كفاءتها لسنوات، عندما التحقت بالمجموعة الوطنية ”أكوا“ كمديرة للتسويق مكلفة بنحو عشرين علامة تجارية، جعلت خلالها من العديد من العلامات، مثل ”أفريقيا“ و“أفريقيا غاز“، علامات رائدة في فئاتها، أمام العملاقين ”شال“ و“توتال“. ما يعيبه منتقدو عمور تمريرها لصفقة بقيمة 23 مليون درهم لتسويق برنامج ”فرصة“ للشركة التي تكلفت بالحملة الانتخابية لحزب الأحرار، ولجوئها إلى شركتين إحداهما مقربة جدا من الحزب، حسب موقع لوديسك الإخباري، بصفقة بنحو 4 مليون درهم من المال العام لإعداد مشروع قانون، وكأنه لا يوجد خبراء في القانون في المديريات التابعة للوزارة. العادة التي سارت عليها السياسة في العقود الماضية أن الحكومة الجديدة تخضع لتشذيب أغصانها وفروعها التي لم تعد تؤدي وظيفتها، وهذا ما سيكون عليه الأمر مع حكومة أخنوش، ومن المتوقع أن يتم تعديلها في الأشهر المقبلة، في ظل تطوير المنتج السياسي دون طغيان العامل التسويقي الذي يُنظر إليه على مستويات عليا على أنه أمر بالغ الأهمية، ما يعني إشراك كل الفاعلين والمتدخلين وهذا ما يُعاب على الوزيرة الحالية التي تبنت وجهة نظر أكثر شمولاً للتسويق، فهل ستعود عمور الى وظيفتها الأساسية كمديرة تسويق في شركات رئيس الحكومة وتدع السياسة لأهلها؟

مشاركة :