تعقد الحكومة الليبية الجديدة المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا الخميس اجتماعها الأول منذ منحها الثقة مطلع الشهر الماضي، وسط استياء ليبي من استعانة حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة بمجموعة ضغط أميركية، بقصد الاستقواء بها في مواجهة حكومة "الاستقرار". وعين البرلمان الذي يتخذ من الشرق مقرا له باشاغا في مارس، لكن الدبيبة رفض التنازل عن السلطة، مما أدى إلى وجود حكومتين متنافستين. ولم يتمكن باشاغا وحكومته من دخول العاصمة طرابلس، حيث يحظى الدبيبة بدعم بعض الجماعات المسلحة، وقال مرارا إنه لن يحاول فعل ذلك بالقوة. وقال المتحدث الرسمي باسم حكومة باشاغا عثمان عبدالجليل، في بيان مساء الأربعاء، "مجلس وزراء الحكومة الليبية سيعقد اجتماعه الأول في مدينة سبها الخميس، لمناقشة عدة بنود أهمها البرنامج الحكومي وإعداد مشروع الميزانية العامة للدولة". وأكد عبدالجليل في بيانه المنشور عبر الصفحة الرسمية للحكومة على فيسبوك، أن اجتماعهم في سبها يأتي "قبيل مباشرة الحكومة عملها من مقرها بالعاصمة طرابلس"، مشددا على التزامها "بانتهاج الخيار السلمي لاستلام مهامها وفقا للقانون". كما دعا عبدالجليل "كافة وسائل الإعلام المحلية والدولية إلى تغطية المؤتمر الصحافي الذي سيعقد عقب انتهاء الاجتماع عند الساعة 03:00 مساء بتوقيت ليبيا". ويأتي هذا، فيما عبّر ليبيون عن استيائهم من عقد حكومة الدبيبة صفقة مع مجموعة ضغط في الولايات المتحدة، من أجل دعم رؤيتها بخصوص المرحلة الانتقالية وعقد الانتخابات، وأيضا تسهيل عقد الاجتماعات مع البيت الأبيض وإدارة الرئيس جو بايدن. وتحدث تقرير نشره موقع "بوليتيكو" مساء الثلاثاء عن وثائق مقدمة إلى وزارة العدل تظهر تعاقد الحكومة في طرابلس مع "مجموعة بوديستا"، التي ستعمل معها كمقاول من الباطن لشركة الاستشارات طلال العماري، وذلك "للضغط من أجل انتخابات نزيهة واستقرار في ليبيا". كما ستساعد المجموعة على إجراء لقاءات بين حكومة الوحدة ومسؤولي "الكونغرس" ووسائل الإعلام الأميركية، "لتعزيز العلاقات بينها وبين قادة الأجهزة التنفيذية والتشريعية" بالولايات المتحدة، وذلك بغية "الحفاظ على المكاسب السياسية للحكومة، ودفع الاستقرار في ليبيا، لتعزيز الاتفاق على أساس دستوري لانتخابات تجرى في العام الجاري"، وذلك وفق الوثائق. اتهام الدبيبة باستخدام أموال ليبيا لبقائه في السلطة أكبر فترة ممكنة اتهام الدبيبة باستخدام أموال ليبيا لبقائه في السلطة أكبر فترة ممكنة وأشار التقرير إلى توسط الولايات المتحدة بين الفرقاء الليبيين في محاولة للتوصل إلى اتفاق بشأن إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، "إلا أن المفاوضات اختتمت الاثنين دون اتفاق"، وذلك في إشارة إلى اجتماعات المسار الدستوري التي استضافتها العاصمة المصرية القاهرة، بمشاركة ممثلي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، ورعاية الأمم المتحدة. كما سلط الضوء على تزامن إخفاق المفاوضات مع إغلاق "محتجين على حكومة الدبيبة" أكبر حقل نفطي في البلاد، حيث أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط الاثنين الحالة القاهرة في حقل الشرارة، بعد ضغوط مارستها مجموعة من الأفراد على العاملين هناك، ما اضطرهم إلى إيقاف تدريجي للإنتاج. وحسب الوثائق المنشورة على "بوليتيكو"، ستعمل نائبة رئيس مجموعة "بوديستا" للسياسة العالمية والاتصالات إليزابيت ديماري ورئيسة موظفي المجموعة هيلين هاجرتي، مع حكومة الوحدة في تلك المهمة. واستغرب سياسيون ليبيون في شرق البلاد إقدام حكومة الدبيبة على هذا الإجراء بالنظر إلى انتهاء مهامها، فور تكليف البرلمان حكومة جديدة، وقالوا إن "حكومة الوحدة تنفق أموال الليبيين لبقائها في السلطة أكبر فترة ممكنة، في حين يعاني الشعب من قسوة المعيشة أمام تصاعد الأسعار". وتعمل الحكومة المكلفة من مجلس النواب من ديوان رئاسة الوزراء في بنغازي (شرق) وديوان الجنوب دون استلام وتسليم رسمي من حكومة الدبيبة، رغم تعهد فتحي باشاغا أنه لن يمارس مهامه إلا من العاصمة طرابلس التي قال إنه سيدخلها دون حرب. والثلاثاء جدد الدبيبة خلال الاجتماع العادي الخامس لمجلس الوزراء، رفضه تسليم السلطة إلا لحكومة تكلف من قبل برلمان جديد يأتي عبر الانتخابات المقبلة. وأكد الدبيبة "استمرار حكومة الوحدة الوطنية في تأدية عملها بشكل طبيعي إلى حين التسليم لحكومة شرعية منتخبة"، معتبرا أن الحديث عن تسليم المهام لحكومة أخرى هو "عبث وتضييع للوقت وبيع للوهم"، في إشارة إلى تداول ناشطين وصفحات إخبارية عزم باشاغا دخول طرابلس عبر المعبر البري قادما من تونس. وعلى خلفية ذلك شهدت العاصمة الليبية استنفارا أمنيا وانتشارا مسلحا، خاصة أن أنباء دخول باشاغا لطرابلس جاءت بعد يوم على اجتماعه في تونس مع قادة كتائب مسلحة من غرب ليبيا. وأصدرت حكومة باشاغا بيانا مساء الأربعاء نفت فيه "الأنباء المتداولة بخصوص عزم باشاغا دخول العاصمة طرابلس باستخدام القوة". وجدد المكتب الإعلامي للحكومة المكلفة من مجلس النواب في بيان عبر صفحة الحكومة على فيسبوك، تأكيده أن "الحكومة الليبية تتبع الإجراءات السلمية، لضمان إتمام عملية التسليم والاستلام ومباشرة مهامها من طرابلس وفقا للقانون". ودعا البيان "كافة وسائل الإعلام والمدونين إلى تحري الدقة والمصداقية للأخبار قبل نشرها". ويأتي ذلك بالتزامن مع تعمق الأزمة المتعلقة بالسلطة التنفيذية في ليبيا بين الدبيبة وباشاغا، بعدما أغلق زعماء قبائل في وسط وجنوب ليبيا حقولا وموانئ نفطية رئيسية، احتجاجا على استمرار الدبيبة في منصبه وعدم تسليمه السلطة لحكومة باشاغا. ولا يمكن التكهن بنتائج هذا الصراع ونهايته أو بمستقبل العملية السياسية والأمنية في ليبيا، التي تبقى مفتوحة على أكثر من سيناريو، والأسوأ هو انزلاق البلاد مرة أخرى نحو الفوضى والاقتتال.
مشاركة :