توجو: قضايا بيئية في الشعر العربي الحديث بشمال أفريقيا

  • 4/22/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تبدأ صباح اليوم الدورة الأولى من الندوة الأدبية الدولية في توجو (SYLITO) وتستضيفها العاصمة التوجولية لومي، خلال يومي 22 و 23 أبريل 2022، حول موضوع: “مساهمة الأدب الأفريقي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة “.يشارك أشرف أبو اليزيد بقراءة تحمل عنوان “القضايا البيئية في الشعر العربي الحديث لشمال إفريقيا” مع استشهادات لأعمال الشاعرات والشعراء يوسف الأزرق، رضا أحمد، أحمد أنيس، مفتاح العماري، نسيبة عطاء الله، بختي ضيف الله، رضوان العجرودي وحميد بخيت. الندوة تنظمها رابطة كتاب أفريقيا (PAWA) ورابطة الكتاب التوجوليين (AET) وتستضيفها جامعة لومي. بينما يرى نقاد كثيرون أن الشعر العربي الحديث قد ترك الشأن العام ليعبر عن شؤونه الخاصة، أجد هذا الحكم مفتقدا للوجاهة؛ إذ نحن في عصر يتماس فيه الخاص والعام، ويتماهيان، حتى كاد أن يتطابقا. وإذا كان الرمز مستخدما للتعبير الموازي عما هو مضمر ومخفي ومتوار، فإن انحسار الرمز يعني أن الشاعر العربي المعاصر قد ترك خوفه من الإعلان عما هو مضمر، وصار أكثر التصاقا بالتعبير الحر غير المؤطر أو المقيد. لذلك، لا يمكن أن نعد شاعر اليوم في الأوطان العربية بمعزل عن قضايا العالم كله، وقد باتت تلك القضايا تحاكم أمسه، وتشكل يومه، وتؤثر على غده. لذا غدا الاحتباس الحراري – على سبيل المثال – ليس شأنا علميا، أو شأنا يخص منطقة جغرافية بعينها، بل هو أمر يؤثر على الجموع، ويستدعي اهتمامهم، وردود أفعالهم، وليس الشعراء ببعيد عن ذلك كله. وإذا تحدثنا عن القضايا البيئية، فإننا نتدرج في التعامل معها وفق عدة مراحل: الوعي بمقومات البيئة وحضورها في القصيدة العربية المعاصرة تمثل المشكلات البيئية وتجسدها لدى الشاعر العربي المعاصر لقد تمثلت لدي مجموعة من المؤلفات الشعرية المعاصرة، لأجيال عدة وأقطار الشمال الأفريقي، وجدتها خير عينة منتخبة لقراءة حضور القضايا البيئية في الشعر العربي المعاصر بالشمال الأفريقي. حضور مفردات البيئة: اختارت الشاعرة رضا أحمد عدة بيئات جغرافية، منها (الغابة) لتتجول فيها، مستحضرة مفردات الغابة وخريطتها وكائناتها، خاصة في قصيدتها (هذه الغابة تخصني): بحرٌ / ريشة / مخالب / أشواك / قنفذ / فراشة / تمساح / المياه الضحلة / الأرانب / أنياب / طين / أزهار / الأشجار / الحطابون / العصافير …. هذا المعجم الثري لمشاهد الغابة، بما ستدعيه من الألفة والوحشة معا، يضع قلب وعقل الشاعرة على المحك، “بعظامها التي تكلست في قصيدة وأثارت حفيظة النقاد كونها خشنة كفظاظة الرجال وخفيفة كبلور يغطي صوبة أزهار)، وهي صورة عصرية بامتياز. فنحن نحتاج الصوبات لكي نحمي الأزهار، التي يهددها المناخ. كما لو أن الحياة كلها تحتاج مثل هذه الصوبة الجماعية لننجو. تقول رضا أحمد في الديوان نفسه (الاعتراف خطأ شائع): الطريق إلى البيت بعيدة وتلك الصحراء تلوّح لي لأمضي، تدوّن شيئًا في كفيها وترشه في عيني؛ أمل خائب تسلق مخاوفي القديمة، سقط وذاب في الشمس” ليست هذه الحالة الشعرية إلا معادلا موضوعيا للتصحر، إنه لا يهدد الشاعرة في قصيدتها وحسب، وإنما يهدد الحياة ويفقدها الأمل. (رضا أحمد | الاعتراف خطأ شائع | الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2021) يقول الشاعر الليبي مفتاح العماري: “الأشجار التي تحجّر عطرها / كيف نسميها حديقة؟ / كان علي جمع الحطب / لا انتظار الريح) هنا ينقلنا الشاعر مباشرة، مع مفتتح ديوانه (تحطيب سكان الريح) إلى العلاقة بين الأخضر ممثلا في الأشجار والحدائق، إلى العوامل البيئية الجارفة لها، أعني التصحر والتعرية التي تجلبها الريح. حتى أن شجرة البرتقال الوحيدة في فناء البيت “تتخيل مطرا” وتطرح “فاكهة مضللة”. حتى أن “الغابة المكتظة “ظلال تتكسّر، ولا أثر لفأس” وبقدر شاعرية الصورة فإن قسوتها تشي بأن الطبيعة أدت مهمتها القاسية بنجاح. مما يستدعي صور مذابح الأشجار، التي تتحول إلى جماد في الحياة حولنا، يقول العماري: لأن أمه غابة بثلاث جهات تتعارك ظل بابُ الحوش مثل طفل يعبث بقذيفة؛ ريحًا لا تهدأ لهذا اكان الباب تاريخا حافلا بالحكايات، هضم نصف شاحنة من رفات الأشجار ليكون بارا بمتاهته.” اليوم كلنا فتحنا بابا خشبيا سنتذكر، مع الشاعر، كم شجرة ماتت، كي تعطي حياة لهذه الأبواب الخرساء. وكأن الشاعر يدعونا إلى حماية الأشجار حتى لا نفتح أبوابا للمتاهات التي يلقينا في باطنه التصحر. (مفتاح العماري | تحطيب سكان الريح | الهيئة العامة للثقافة | بنعازي | 2021) لكن ظاهرة بيئية تشهدها مدن شمال أفريقية كثيرة تمثلت في هجرات غيرة من طبيعة المدن، خاصة تلك المطلة على الأنهار، كما يصف الشاعر أحمد أنيس في ديوانه (من شرفة الأجداد ) فهو يقول: “هنا؛ حيث نجحتْ مدينةٌ صغيرة ، متجاهلةً الحقول المتاخمة، في سرقة صفات الكبار/ كوزموبوليتان على ضفاف النهر/ وكما يليق بمواليد النهر / كبرتُ هنا على الهامش؛ / النهر كان السطر / كان المتن / ونحن أعشاب على الضفاف /ننتمي لكل مُهمَّشي النهر / الذين يأتيهم الموت / دون أن يذهبوا للحرب.” هكذا تهاجر الأيدي الزارعة أرضها، لتأتي تغتال الحقول على جانبي النهر، لتنشيء مدنا عشوائية، لا شك أنها تجلب الدمار للمهمشين الأحياء هناك، لذلك “يأتيهم الموت – دون أن يذهبوا للحرب”. كما أن إقامة الأبراج السكنية، بعد هدم كل ما هو تراثي، يكمل مشهدا متخما بالآفات: “يقولون إنَّ اليوم ذكرى جدي يقولون أيضًا إنهم سيهدمون بيت أمي بُرْجٌ ما سيصعد على أنقاضه!“ (أحمد أنيس / من شرفة الأجداد / روافد للنشر والتوزيع/ القاهرة / 2018) هناك ما يشبه الاتفاق على أن الريح عدو لكل ما هو أخضر، إنها رسول التصحر. لكن السبب واضح كالشمس، لقد قطعنا الأشجار التي كانت تقف في وجهها، فإذا بالريح كالمارد ينطلق ليقتلع كل أثر للحياة. يقول الشاعر الجزائري بختي ضيف الله في ديوانه (م لم تقله الفراشة): أيتها الريح العنيدة / اهدئي … / لأكمل الفصل الأخير / ثم اغضبي لترسمي فكرك فوق الأرض / واحفري / عميق حقدك القديم … / لتقتلي ما شئت من نبات / تحت التراب يحبو مثل الصغير / واتركي لي حبة القمح / فإن الأرض لا تعترف اليوم / سوى بطفلها !/ يشمها / يضمها / تباهي الشمس به / وحيدا / يعانق السماء.” (بختي ضيف الله / ما لم تقله الفراشة/ شمس للنشر / موريشيوس / 2020) لقد ركضنا، حتى كدنا نهلك الأرض تحت أقدامنا، وهي أمنا الأولى والأخيرة. “لم تعد ثمة حقيقة إلا الأرض”، فهل نحميها اليوم؟ إن هذا الخراب الشامل للبيئة يدفع الإنسان للهرب، نازحا من وطنه، حتى لو ابتلعه البحر في هجرته غيرر الشرعية، يقول الشاعر المغربي يوسف الأزرق، في ديوانه (يُحفظ في مكان بارد): “فالأمواج الهائجة سئمت من إنقاذ القوارب المتوجعة” إن المسؤول عن هذا الخراب “متأهبون لقطف مزيد من الدموع / التي تكبر بخجل في عشب المقبرة /هؤلاء المتوجون بالجحود والمصممون على بتر قامة الورد … يرمون كل شيء في حفر عميقة تحت شتاتهم.” (يوسف الأزرق / يُحفظ في مكان بارد/ مؤسسة الموجة الثقافية / الصويرة / 2020) في القرآن الكريم “وجعلنا من الماء كل شيء حي)، ولا نعتقد على الأرض عنصر أهم من الماء للحياة، حياة الإنسان والزرع والضرع، لذلك أعجبني ما قالته الشاعرة نسيبة عطاء الله: “حين تنكسر الغابة في صحن مجازي، وتزمجر الأرض .. كل الحقائق تتبنى الماء” (نسيبة عطاء الله / في ضيافة جودو / دار خيال للنشر والترجمة / الجزائر / 2020) هذا الكوكب من المفردات “الغاباتية” نجدها في عالم الشاعر التونسي رضوان العجرودي في ديوانه (فرح يختفي في المرآة)، بل لعلها مجرة من القاموس الشعري للغابة: “وضعتني أمي في “فاجو” أصفر وضعتني أمي في ” ڨاجو” أصفر تحت شجرة لوز كان الحصاد قطعت حبل س رتي بأسنانها كنت أقصر من سنبلة، أما ا لن فأنا أطول من شجرة اللوز تلك . أطعمتني ترابا كي تصقل معدتي مثل جَدْ ي وعلمتني إشعال النار وحلب الشاة وذبح الدجاجة . ماذا سوف أخبرها، ولحيتي مثل تيس، أني أنقذت سكينا من قمامة فذبحني . أنقذت حبلا من بئر فأصبح أفعى وعضني . الطفل الذي أطلقته للعدم صار شيخا يا أمهُ ويحمل عصا يحلم أن يسقط يوما في حفرة، لينبت، كثيرا مثل سنبلة وطريا مثل حبة لوز. يضع الطفل رأسه على ركبتك وينام.“ إن تكاثر المفردات من الطبيعة عبر الديوان نفسه يمثل ما يشبه النوستالجيا لعالم ينقرض أو يكاد، عالم يتوق الشاعر إليه فيه الوديان، والغابات، وفيه النهر، والعصافير… في قصيدته (الطوفان) نعرف كيف انحسر الحلم: “كنت جدولا صغيرا أعبر بين شجرتين أسير هادئا إخوتي سواقٍ رقيقة تصل إلى النعناع وكرم العنب مراكب ورقية تطفو على سطحي هكذا بسلاسة ابتسامة أم حلمت أن أكبر وأن أصير نهرا أن أقفز من شلال أن أحمل مركبا خشبيا بين ضفتين أن يسبح العشاق في صدري أو حتى أن أخفي جثة في قاعي الآن أنا بركة آسنة على مقربة من مدينة قذرة تقفز على سطحي الضفادع وداخلي جثث عمال يحفرون ساقية تصل إلى حقل العنب.“ إن ما آل إليه مصير الشاعر ليس إلا قراءة في ما أصاب العالم. إنها قصيدة توجز (التلوث) الذي حول نهرا حالما إلى “بركة آسنة” ، وجعل مدينته “قذرة”، وأوقف السواقي بما تعني حرفيا ومجازيا لتصبح مجرد حفر هلك فيها العمال وهم يسعون إلى حقل العنب! (رضوان العجرودي / فرح يختفي في المرآة / دار الفردوس للنشر والتوزيع / تونس / 2020) ولعلي أختتم بتلك القطعة اهديها للبشر جميعا، وجاءت في ديوان الشاعر السوداني حميد بخيت (أسرار الخروج): “الأرضُ في ابتداء الزّمان، وقتَ كان السّؤالُ يلّح عليك، أغرتك السماء بزرقتها… فركضتَ ركضتَ تجاه انتهاء الزوايا، مثلك كانت تركض… لم تعثر عليها توقفتَ عند ابتدائك حينها لم تعد ثمة حقيقة إلا الأرض.“ (حميد بخيت / أسرار الخروج/ دار الريم / الخرطوم / 2018)

مشاركة :