غياب العروض اليومية أضعف الحركة المسرحية في الأردن

  • 4/23/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يتميز المسرح الأردني عن غيره من الحركة المسرحية العربية بعروضه الرمضانية التي اعتاد عليها الجمهور المحلي وكانت تمثل بالنسبة إليه مادة دسمة ترافق مائدته للإفطار، فتوفر له جرعة مكثفة من الترفيه والتثقيف لم تعد متاحة له منذ نحو عامين. وغابت عروض المسرح الرمضاني منذ عام 2020 بسبب الآثار المترتبة على انتشار جائحة كورونا، ولم يسعفها الزمن للاستعداد للموسم الرمضاني الحالي، حيث تقتصر العروض هذا العام على عملين مسرحيين، إذ تحضر المسرحية الأردنية “نص ساعة على الفحم” للفنانين أمل الدباس وتامر بشتو، والمسرحية المصرية “جميلة ومغاوري” للفنانين طارق جلال ونجلاء عامر، وسط غياب تام لأي أعمال مسرحية مماثلة كانت تزدحم في الموسم الرمضاني ما قبل عام 2020. ورأى فنانون عرب وأردنيون أن المدة الزمنية بين إعلان الحكومة السماح للمنشآت الفندقية وصالات مسرح بتنظيم عروضها الفنية الجماهيرية بعد السيطرة على تداعيات جائحة كورونا، وبين حلول شهر رمضان الفضيل، لم تكن كافية للتحضير وتجهيز الأعمال للموسم الرمضاني المسرحي. ويقول الفنان زهير النوباني إن عدم وجود مسرح يومي في الأردن من الأساس أسهم في ضعف الحركة المسرحية وعدم ديمومتها، وبالتالي كان متوقعا ألا تكون الأعمال الكوميدية الناقدة والساخرة حاضرة عند السماح بعودة الفعاليات الجماهيرية بعد زوال آثار جائحة كورونا. ويضيف أن “المسرح يحتاج إلى حراك كبير ومنتجين يؤمنون بالفعل الفكري للمسرح وتأثيره على الناس، وبالتالي فقدنا هيبة المسرح وتحولت القضية إلى أزمة جديدة يعاني منها الفن الأردني”. من جانبها تقول الفنانة أمل الدباس التي تعرض مسرحيتها “نص ساعة على الفحم” إن “صنعة المسرح الرمضاني تعتمد أساسا على الجمهور، ونحن لم نكن على يقين قبل شهر من بداية شهر رمضان، بأنه سيسمح لنا بتقديم أعمال فنية للجمهور في الشهر الفضيل، وأي عمل فني يحتاج إلى فترة من التحضير وإجراء البروفات وتسويقه حتى يصل إلى الناس بشكل مناسب”. وتوضح الدباس “كنت أحضر مع الزميل تامر بشتو والكاتبين وفاء بكر ومحمد صبيح لعمل مسرحي يناقش القضايا والهموم والمشاكل التي يعاني منها الأردنيون بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية وتأثيرات جائحة كورونا، وعندما سمحت الحكومة بتنظيم الفعاليات الجماهيرية، قررنا تكثيف العمل وإضافة بعض المحاور الدولية التي لها علاقة بالمواطن، ومنها الحرب الروسية – الأوكرانية بهدف تقديمه في شهر رمضان حتى نعيد للمسرح الرمضاني وجوده”. ويعلل الفنان السوري محمد خير الجراح تراجعه عن تقديم عمل مسرحي كوميدي رمضاني في الأردن لسببين، أولهما التأخر في الإعلان عن السماح بتنظيم الفعاليات الجماهيرية في الفنادق، وثانيهما ضيق الوقت بسبب انشغاله بتصوير أعماله الرمضانية. ☚ العروض لهذا العام تقتصر على المسرحيتين الأردنية "نص ساعة على الفحم" والمصرية "جميلة ومغاوري" وقال الجراح “قدمت سابقا عملين مسرحيين في الأردن على عامين متتاليين، وكانت تجربة ناجحة مع الجمهور الأردني التواق إلى هذا النوع من الأعمال الفنية الناقدة الساخرة”. وعلى صعيد آخر استثمرت الخيم الرمضانية المعنية بتقديم حفلات الطرب والموسيقى قرار عودة الفعاليات الجماهيرية، واختارت برامج فنية أردنية وعربية لجذب الجمهور إليها، ويشارك فنانون أردنيون وعرب من لبنان ومصر في إحياء هذه السهرات الغنائية. وتنظم وزارة الثقافة يوميا أمسيات مجانية في الفضاء المفتوح تحت عنوان “رمضانيات”، تتعاون فيها مع وزارات التنمية الاجتماعية والشباب والسياحة والآثار في مختلف محافظات المملكة، تضمنت عروضا فنية غنائية ومسرحية وفلكلورية، وبازارا للمنتجات اليدوية والمنزلية. ويعلق على ذلك الكاتب الصحافي طلعت شناعة، قائلا “بلا شك أن الاتفاق على تقديم مغنين ومؤدين وفرق استعراضية أسهل لأصحاب الخيم الرمضانية من التعاقد مع فرق مسرحية، كون المغني يقدم عرض ‘وان مان شو’ وهو معتاد على تقديمه لوحده مع فرقة موسيقية تحفظ أعماله وأعمال كبار الفنانين، بعكس الأعمال المسرحية الساخرة والناقدة التي تكتب وتقدم فقط في موسم واحد”. وبين أن ضيق الوقت هذا العام أسهم في تراجع حضور المسرح الرمضاني اليومي الذي يصفه بالميزة الفنية الأردنية. ويضيف “تفرد المسرح الرمضاني في الأردن بكونه المسرح العربي الوحيد الذي يقدم وجبة مسرحية على موائد الإفطار لسنوات عديدة، وظهر من خلاله نجوم كثر على الساحة الفنية”. وخارج السياق الرمضاني لطالما اقتصر تقديم العروض المسرحية للفرق الأردنية على المهرجانات السنوية التي تقيمها مديرية الفنون والمسرح، أو التي تنظمها الفرق نفسها، اعتمادا على الدعم المالي الذي تحصل عليه من المؤسسات الرسمية (وزارة الثقافة وأمانة عمان الكبرى) وبعض البنوك والشركات المحلية، مثل مهرجان المسرح الأردني، مهرجان عمون المسرحي، مهرجان مسرح الطفل، أيام عمان المسرحية لفرقة الفوانيس، ليالي المسرح الحر لفرقة المسرح الحر، وعشيات طقوس المسرحية لفرقة طقوس. وهي مهرجانات غابت هي الأخرى وأجلت أو عقدت على نطاق ضيّق بسبب الجائحة فأثرت في حياة المسرحيين الذين يعيشون من هذه المهنة. ولبحث أسباب الغياب وآثاره على الحركة المسرحية شارك نحو 60 فنانا وفنانة مسرحية في لقاء مع السلطات الرسمية ممثلة في وزارة الثقافة الأردنية وناقشوا في مداخلاتهم التحديات التي تواجه الحركة المسرحية، بالإضافة إلى عدد من المقترحات من شأنها الارتقاء بالمسرح تأليفا وإخراجا وتقنية وسبل تطويره. حيث عرض المخرج حكيم حرب جملة من النقاط أعدها مجموعة من المسرحيين، منها ما يتعلّق بالمهرجانات والعروض المسرحية والمشاركات الخارجية وآلية الترشيح، وترخيص فرق المهرجانات المسرحية المستقلة وترويج الأعمال المسرحية وتوثيقها وبثها. وخلال اللقاء دعت وزيرة الثقافة هيفاء النجار إلى ضرورة إيجاد نشاط مسرحي يتجاوز المهرجانية، ويفيد من تراث المحافظات الغني بخصوصيته الحكائية وتراثه الوطني، مؤكدة على أهمية إيجاد مسرح في كل مدينة وقرية ينهل من التنوع والقيم التي يمتاز بها الأردن. وزارة الثقافة تنظم يوميا أمسيات مجانية في الفضاء المفتوح تحت عنوان "رمضانيات" وشددت على أن الوزارة تنظر إلى الحركة المسرحية الأردنية برؤية نقدية واقعية بحوار جوهري يركز على العديد من المفاصل والتحديات التي تواجه المشهد المسرحي. وأضافت أن دراسة الواقع الثقافي تعد ضرورة وطنية، مطالبة بفعل أكاديمي وجدية وقاعدة معلومات وحركة نقدية موازية للفعل المسرحي بشكل شمولي يتصدى لها مجموعة من المسرحيين لتسليط الضوء على التحديات التي تواجه العمل المسرحي وسبل تطويره ليحقق حضوره العربي والعالمي. وأشارت إلى أن “المسرح لا ينبغي أن ينفصل عن قضايانا الوطنية والمصيرية، لأنه يدون حكاياتنا وقصصنا، ويسجل روايتنا وسرديتنا الوطنية”، لافتة إلى أنه يمثل كذلك خندقا مهما للدفاع عن قضية القدس، ومنصة للوعي وشاهدا ومعبرا عن القضايا الإنسانية في العالم. ونبهت النجار إلى ضرورة التفاعل بين الوزارة والجامعات وكليات الفنون، وأن يكون الفعل المسرحي مرجعية الإبداع في المئوية الثانية، كما ركزت على “الاهتمام والاحتفاء بوحدتنا ضمن التنوع والتعدد الذي نعيشه في الأردن”. وفي هذا الإطار قالت إن الحالة الوطنية تستدعي المشاركة كاملة، واعدة أن يكون صوت الفنان المسرحي ضمن الاستراتيجية الوطنية للثقافة. وأكدت على ضرورة وجود المسرح بالمعنى التقني، لافتة إلى أنه يعد وسيلة للتربية والتثقيف، ولأهمية مسرح الشباب الذي يستلهم تجارب الرواد ويبني عليها لرسم ملامح المستقبل.

مشاركة :