حالة من الجدل أثارها مسلسل انحراف، للمخرج رؤوف عبد العزيز، ويقوم ببطولته النجمة روجينا، فالعمل يشبه الحياة نفسها، في قلقها، في تنوعها، في عدم تسلسلها، في تقلباتها في معطياتها وفى عدم خضوعها للمنطق العام فى السير على وتيرة واحدة العمل يتحدث عن نفسه والصورة تتحدث عن نفسها فى العمل بكل مستوياتها وتدرجاتها، المخرج سيد الموقف نجح في تقديم عملًا واقعيًا، راعي فيه المتعة والاثارة واحترم ذائقة المشاهد وعقله في الوقت ذاته اقترب من النفس البشرية والغوص في أعماقها وطرح قضايا إنسانية تحاكي أحداث المجتمع من دون الانفصال عنه. وقد اخضع المخرج المعاني كلها للغة الكاميرا وابتعد عن تراكم الأحداث والعلاقات، وركز على الانفعالات والأحاسيس داخل الشخصية نفسها، وهذا ما ظهر جليا في كل الحكايات التي عرضها المسلسل خلال الحلقات السابقة، فكان ذكيًا وموفقًا ولصيقًا بمضمون أحداث المسلسل، الصورة لم تكن مجرد خلفية إضافية للأحداث تتحرك فيها الشخصيات، ولكن الصورة تحمل ابعاد فلسفية بكل ما يحمله العمل من معانى ورموز وإيحاءات. كما أعطى المخرج إحساسًا بجو الرهبة والقلق والمجهول وصنع صورة تفرزها ألف عين، وبألوان متنوعة متغيرة رؤوف عبد العزيز نجح في تقديم مشاهد تمتاز بالبساطة في الشكل، لكنه ضمنها شحنات فكرية عميقة، حركة الكاميرا السلسلة وما تصنعه من دلالات نفسية استطاع رؤوف من خلق جو درامي سيكولوجي يصاحبه دلالات رمزية مع توظيف ممتاز للإضاءة، وأحيانًا أخرى تحمل دلالات فكرية استطاع من خلالها تقديم مستويات جديدة ومبتكرة في لغة الدراما، في مجملها، أفكار تناسب وتقوّي المضمون والسرد الدرامي، بل وتساهم في تجسيد حالات القلق والتوتر والحرمان التي تعيشها شخصيات العمل حقا رؤوف عبد العزيز له الدور الأساسي والبارز في تحليل الشخصيات وخلق حالات وعلاقات متباينة بين المشهد والآخر، إضافة إلى خلقه لذلك الإيقاع المشوق ومساهمته في تصاعد الحدث الدرامي. المخرج يتمتع بروح التجديد المطلوبة، هناك تطوير وخلق أساليب جديدة ساحرة، صنعها وترجمها رؤوف بلغة اخراجية خاصة وأفكار برة الصندوق مبتعدًا بذلك عن أي افتعال أو تعقيد، كما إنه، وبأسلوبه الجديد هذا، قد حطم ذلك الأسلوب التقليدي التتابعي في الإخراج، ونجح في السير على نهج الفكر الجديد للدراما، والذي يعتمد أساسًا على هدف إيجابي وأسلوب فني اختاره لتجسيد أحد مناهج الفن الحديث الفكرية، وهو تعرية السلبيات والتنبؤ بالأخطار التي تهدد كيان المجتمع، وهذا ما ظهر جليا في مسلسل انحراف من تسلط الأضواء على نماذج وشخصيات ظهرت في المجتمع، يكشفها ثم يدينها، وليس هذا إلا اثباتًا من رؤوف عبد العزيز على حبه وحرصه على بلده، وطموحه في أن يرى مجتمعه خاليًا من هذه السلوكيات والانحراف كسيبل لمخاطبة المتفرج. أما بالنسبة للنجمة روجينا فقد استطاعت في لحظه تنقل المشاهد بين احاسيس مختلفة، وقدمت دورها بسلاسة تبدو على ملامحها، وهو ما يعكس بالضرورة صدقا فنيا لافتا للانتباه، وكأنها عاشت التجربة حقا، بل وتعرف جيدًا كيف يمكن أن تكون الحالة النفسية للشخصية التي تقدمها تمتلك هذه الموهبة. وفي النهاية نجد أن مسلسل "انحراف" جميع العناصر الفنية والتقنية تجانست لخدمة الموضوع بشكل مدروس ومنطقي ليخرج لنا عملًا قويًا ذو مستوى فني وتقني ممتاز، استطاع ـ أن يجد له مكانًا هامًا وبارزًا في الموسم الدرامي هذا العام.
مشاركة :