هند السديري تكشف عن أسباب التطرف النسائي

  • 4/24/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

شكلت ظاهرة التطرف في العالم إشكالية كبيرة بما تطلبته من جهود مضنية لمناهضتها من قبل الدول والمجتمعات، فضلا على ما نجم عنها من تشكيل مساحة كبيرة من انبثاق الرؤى والدراسات المنهجية والأكاديمية وغير المنهجية التي تصبو إلى مراودتها وتفسيرها وتأويل أسباب تجليها في المشهد العالمي. إن المعالجات الأمنية وحدها لم تكن تكفي لمحو هذه الظاهرة أو على الأقل للحد من تفشيها وتغلغلها في البنى الاجتماعية نظرا لما تحدثه من آثار تدميرية وتخريبية على كافة المستويات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، ولذلك فإن دول العالم اليوم تعمل جاهدة للخلاص النهائي من هذه الظاهرة، بيد أن المعالجة الفكرية المنهجية مثلت أداة فعالة في ترويض هذه الظاهرة على المستوى النسقي أولا الذي تشكله قراءة الركائز التي تعتمد عليها هذه الظاهرة وتحليلها ، فضلا على التعامل مع عناصرها القيادية من أجل استيفاء الحلول للتخلص من التطرف وما ينجم عنه من تعصب وكراهية وفقدان للوعي الإنساني الحضاري. وقد عانى العالم العربي – وما يزال – من وجود هذه الظاهرة، كما مرت المملكة العربية السعودية بمراحل متتابعة من المعاناة من هذه الظاهرة، حتى تسنى لها القضاء على التطرف والحد من تغلغله في النسيج الاجتماعي وللمملكة تجربة كبيرة في هذا المجال. Women and Radicalism in Saudi وفي كتابها: الصادر عن دار كامبريدج سكلرز التي تهتم بالنشر الأكاديمي ( الطبعة الأولى – أبريل 2022) تشارف الكاتبة والباحثة الدكتورة هند بنت تركي السديري ظاهرة التطرف والراديكالية من وجهة جديدة لم تقترب منها البحوث والدراسات من قبل والتي ركزت على الجانب الذكوري ، حيث يبحث الكتاب موضوع التشدد والتطرف الديني في المملكة في شقه النسائي، وهو مجال من البحث يذهب إلى ظاهرة داخل الظاهرة ربما لم يتطرق لها المعنيون بقراءة الظاهرة من قبل، لكن الكتاب يقدم لنا ذلك برؤية منهجية متتابعة تركز على البعدين التاريخي والاجتماعي لاستيفاء هذه الظاهرة من كافة جوانبها. يقع الكتاب في أربعة فصول مع مقدمة و خاتمة ويبدأ بتأصيل العمل الحركي للمرأة وينتهي بعام 2017 مع الجهود التي بذلتها المملكة للسيطرة و معالجة التطرف وكيف نجحت في ذلك من خلال جهود فعالة على كافة المستويات الأمنية والفكرية والحوارية والاقتصادية والاجتماعية، استطاعت بها المملكة أن تحد من هذه الظاهرة وأن تؤسس لتجربة نوعية بارزة في معالجتها والقضاء عليها. كما يناقش الكتاب التطرف النسائي وأسبابه و بواعثه وتأثره بالأوضاع الدولية وانعكاسها على المجتمع المحلي أيضا ، ويستعرض تاريخيا نشأة هذا التطرف وبدايته الخفية وعلاقة بعض الجماعات الاسلامية بالتطرف النسائي وتأثير هذا التطرف على المجتمع و خاصة التعليم ، وينتهي الكتاب بعرض سياسة المملكة في محاصرة التطرف بأشكاله وجهودها و ذلك في الفصل الأخير من الكتاب . تاريخية التطرف: يعود الكتاب بالزمن ليؤرخ لظهور التوجه إلى التطرف، والذي حدث قبيل حادثة الحرم و حركة جهيمان العتيبي رابطا بين هذه الحادثة وبين أحداث تاريخية سابقة وبعضها موغل في القدم ، وأيضا يتطرق الكتاب بوعي منهجي جلي إلى رصد وتحليل العوامل النفسية التي ساعدت على ظهور التطرف، حيث يرتكز الكتاب على حقائق تاريخية و شهود عيان لبعض الأحداث سجلوا شهاداتهم التي تلامس هذه الظاهرة وتبين بعض الحقائق المهمة حول نشوئها وبداياتها واسباب انتشارها وأيضا يستند الكتاب على كتابات بعض المنغمسين والمنغمسات بالتطرف. ولا يكتفي الكتاب بالتأريخ، ولكن يغوص عميقًا في الأحداث الدولية وانعكاساتها على المجتمع المحلي ، بالإضافة إلى التغيرات المجتمعية المحلية و تأثرها ببعض الحركات الإسلامية الذي أفرز بالتالي التطرف والتشدد الذي استمر لأكثر من أربعة عقود من الزمن وبدت آثاره في أبسط الأشياء اليومية مثل: التحية والهندام وليس فقط في الأحكام الدينية. ويشير الكتاب إلى أن هناك تركيزا من قبل الباحثين على قطاع التعليم كونه أحد مصادر التطرف، ولكن- فيما ترى المؤلفة - لم يكن الوحيد وإن كان الأكثر تأثيرًا ولم يغفل الكتاب هذا الجانب، حيث قامت المؤلفة باستشرافه بحثيا، ورصد أسبابه ومكوناته والآثار الناجمة عنه في هذا المجال، وهو الأمر الذي أوضح جملة من الحقائق ضمن الخلفيات المؤسسة لهذه الظاهرة. الجهادية النسائية: وعبر فصول الكتاب المتعددة التي تتقصى هذه الظاهرة وتفسرها بشكل علمي، بوصفها ظاهرة لها جذورها التاريخية وربما الدينية نظرا لظهور الفرق والجماعات عبر مراحل التاريخ الإسلامي، لا لأسباب دينية فحسب، ولكن لأسباب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وربما كان هذا أمرا حادثا في مختلف المجتمعات في العالم نظرا لاختلاف طبائع الشعوب والأمم ، واختلاف التقاليد والقيم الثقافية باختلاف الأمم والشعوب، ومن هنا يتناول الكتاب ظاهرة "الداعية" مقدما جملة من الأسئلة حول هذه الظاهرة : متى بزغ نجمها ؟ و ما هي عوامل انتشارها ؟ والهالة الاجتماعية التي أحاطت بها؟ كما يتطرق الكتاب الى الجهادية النسائية وارتباطها بتنظيم القاعدة ثم داعش وبداياتها ، والعوامل التي ساعدت على ظهور هذا المنحنى . ويستعرض الفصل الأخير أسماء أشهر الجهاديات مع دراسة عميقة لأسباب انخراطهن في هذا الطريق الخطر والتضحية بأبنائهن وأسرهن، كما يستعرض الكتاب هذه الأسباب ويخلص إلى اختلافها عن أغلب الأسباب التي قد تكون سببا في التحاق رعايا الدول الأخرى في ركاب "الجهاد". الكتاب وثيقة للتاريخ وللأجيال التي اكتوت بنار التطرف وخاصة التي ولدت خلاله واعتقدت أن هذا هو واقع الحال وأيضا لإيضاح الحقائق التاريخية ولتلافي ظهورها مرة أخرى ونشر الدمار. هذا الكتاب مهم في ظل فقر المكتبة العربية والدولية عن دراسات تبحث موضوع شائك و مهم ويمس حياة وأمن الجميع مثل التطرف، هذه الظاهرة التي عانت منها أغلب المجتمعات في عالمنا الراهن. والباحثة الدكتورة هند بن تركي السديري أستاذة آداب اللغة الإنجليزية بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن وعميدة القبول بجامعة الفيصل وباحثة في مجال تاريخ المرأة السعودية وتمكينها، صدر لها من قبل " المرأة السعودية الحديثة: الصعوبات والتحديات والانجازات" و:" دور منصات التواصل الاجتماعي في دعم حرية التعبير لدى المرأة السعودية" وكتب مترجمة منها: "التاريخ: الاستفادة منه أم استباحته" لمارجريت ماكميلان و" اكتشاف المستقبل العالمي وصياغته" لباري هجز وإيفان بلبراند و" الأدب العربي الحديث" لبول ستاركي.

مشاركة :