احترار المناخ يزيد الصراع على القطب الشمالي

  • 12/8/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لمشاهدة الجرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا تتمثل أهمية القطب الشمالي في أمرين، أولهما الطرق البحرية الجديدة بين أسيا وأوروبا من ناحية، وبين أوروبا والولايات المتحدة من ناحية أخرى، والتي ستساهم في تخفيض التكاليف وزمن الرحلات البحرية، وثانيهما الثروات الهائلة التي يختزنها باطن المحيط، وبخاصة من النفط والغاز. ويعد القطب الشمالي من المناطق الغنية بموارد الطاقة منذ أن اكتشف الاتحاد السوفييتي أول حقل نفطي وغازي ضخم في 1962 في مدخل بحر كارا في سيبيريا الغربية، بينما اكتشف الأميركيون في عام 1968 حقل بترول ضخماً في ألاسكا على بعد 250 ميلاً من القطب الشمالي. بداية الصراع الصراع على القطب الشمالي بدأ منذ سنوات عدة مع بدايات تغير مناخ الأرض وارتفاع درجات الحرارة وبداية ذوبان ثلوج القطب، الأمر الذي سيسهل الوصول إلى ثروات المحيط المتجمد الشمالي الهائلة من مصادر الطاقة وغيرها، وأكد علماء الجيولوجيا والبيئة أن الاحترار العالمي سيؤدي في غضون المئة عام المقبلة إلى حدوث تغيرات كارثية، خاصة في المناطق الشمالية المجاورة للقطب الشمالي مثل الولايات المتحدة وروسيا وغيرهما، حيث تقلصت المساحة السطحية لجليد القطب الشمالي خلال العام 2015، ويشير خبراء المركز الوطني الأميركي للمعطيات الخاصة بالثلوج والجليد، إلى أن هذه المساحة باتت من المعتاد بـ 2 مليون كيلومتر مربع. احتياطيات الطاقة يرتبط ذوبان الجليد بصورة وثيقة بارتفاع درجات الحرارة في العالم وفي مناطق ما وراء القطب نتيجة التغيرات المناخية. ويقول العالم البريطاني جيرمي ويلكنسون، إن النتائج التي نشرها الخبراء تؤكد أن تقلص مساحة الجليد مرتبطة فعلا بالظروف المناخية، هذا التطور المناخي والبيئي أثار شهية الكثيرين لثروات القطب الشمالي، خاصة مصادر الطاقة من النفط والغاز، والتي تقدرها جهات متخصصة بأكثر من 50% من احتياطيات العالم من مصادر الطاقة التي كان يصعب الوصول إليها واستخراجها بسبب الطبقات الهائلة المتجمدة التي تحتاج لتقنيات عالية التكلفة لإذابتها . دول القطب التطلع لثروات القطب الشمالي قديم، ويرجع لعشرات السنين، خاصة من الدول الملاصقة للقارة القطبية، وهي خمس دول، روسيا وهي صاحبة أكبر حدود على القطب، تليها كندا، والنرويج، والدنمارك (عبر غرينلاند)، والولايات المتحدة، صاحبة أصغر حدود على القطب لا تزيد على 230 ميلا، ويعامل القطب في القانون الدولي معاملة البحار المفتوحة،. وهذا لا يمنع دولاً أخرى من التطلع لثروات القطب، مثل الصين واليابان وغيرهما، لكن روسيا، صاحبة الحدود الأكبر على القارة القطبية، هي التي بادرت بالتطلع لثروات القطب الشمالي. الرحلة الروسية جاءت رحلة البعثة الروسية للقطب الشمالي في أغسطس 2007 لتعلن عن بداية السباق لاستعمار هذه المنطقة البكر وغير المأهولة من العالم والتي تشير المعلومات إلى احتوائها على ثروات هائلة من النفط والغاز والمعادن، حيث كتبت صحيفة ذي إندبندنت البريطانية في الثالث من أغسطس عام 2007، تشبّه رحلة البعثة الروسية للقطب بهبوط الإنسان على سطح القمر من ناحية الجرأة والإمكانات التقنية العالية والمكلفة، وقالت الصحيفة إنه لو نجحت روسيا في تحقيق أهدافها في القطب فسوف تضمن سيادتها على عالم الطاقة في المستقبل، حيث تؤكد المصادر احتواء باطن القطب على أكثر من 52% من احتياطيات النفط والغاز في العالم. العلم في القاع وقد بدأت رحلة البعثة الروسية في القطب الشمالي بتوغل سفينة روسية في أغسطس عام 2007 إلى أعماق المحيط القطبي الشمالي وإنزال غواصة نصبت العلم الروسي في قاعه، لتعلن للعالم بأنه جزء من أراضيها. وتشير ردود فعل الغرب على رحلة السفينة الروسية، بأنها دشنت التنافس الدولي للسيطرة على هذه المنطقة التي يعتقد أنها غنية بالنفط والغاز وغيرها من الثروات الطبيعية. وبينما كانت طائرات التجسس للناتو واميركا تلاحق تحرك البعثة الروسية، فإن كندا أعلنت على لسان رئيس وزرائها آنذاك قائلة اننا لا نعيش في القرون الوسطى حينما كانت كل دولة تغرس علمها وتقول هذه الأراضي ملكي. وحاولت روسيا من خلال التجارب التي أجرتها البعثة أن تبرهن على أن غالبية الجرف القاري جزء لا يتجزأ من أراضيها، وتقدمت إلى الأمم المتحدة بوثائق وخرائط تثبت امتداد أراضيها داخل القطب الشمالي، وإذا نالت الاعتراف الدولي بذلك فإنها ستكون صاحبة اطول جرف قاري وصاحبة اغنى احتياطات من الوقود في العالم. فهل يسمح الغرب بذلك؟. فهناك أيضا أربعة بلدان أخرى بما فيها الولايات المتحدة تنوي الدفاع عن مصالحها الاقتصادية في المنطقة. قلق واشنطن الدراسات والأنشطة الروسية في منطقة القطب الشمالي تثير مخاوف الولايات المتحدة. فقد أعرب السيناتور المتنفذ عن الحزب الجمهوري ريتشارد لوجار عن قلقه من خطط روسيا المرتبطة بالعمل في الجرف القاري للمحيط المتجمد الشمالي، مؤكدا على مصالح اميركا الاقتصادية التي قد تتضرر اذا تأخرت عن المنافسة على الثروة الطبيعية الغنية المتوفرة في المنطقة. وقال بهذا الصدد عالم السياسة الروسي (ماكسيم فاسيلييف) ان الولايات المتحدة وإن كانت تتخلف عن روسيا بعض الشيء لكنها تسعى الى الخوض في النضال من أجل إعادة تقسيم مصادر الطاقة. انطلاق السباق وكان وزير الخارجية الأميركية جون كيري، قد أعلن يوم الثلاثاء 11 نوفمبر من العام الجاري، أن السباق العالمي من أجل الموارد الطبيعية الغنية في منطقة القطب الشمالي بدأ بالفعل. وقال كيري متحدثاً حول موضوع تغير المناخ العالمي أمام طلاب جامعة أولد دومينيون في مدينة نورفولك الأميركية: لقد بدأ السباق من أجل الحق في استغلال موارد القطب الشمالي بالفعل. وأضاف كيري: أن الجميع يعرف نية روسيا لرفع علمها في القطب الشمالي، وعن أن الصين ودولا أخرى ترسل أساطيلها لاستغلال الموارد. وأشار كيري إلى أن، الأهداف الاقتصادية تؤدي إلى تنفيذ المصالح العسكرية. وأكد كيري: أن الولايات المتحدة تعتقد أن جميع الأنشطة في المنطقة القطبية الشمالية ينبغي أن تجري بالوسائل السلمية وفقاً للقانون. تثبيت الملكية روسيا تدعي أنها بادرت بالتوجه إلى القطب الشمالي والغوص في قاعه لمسافة أكثر من أربعة آلاف متر من أجل أن تثبت حقها الذي تدعيه في الجزء الأكبر من هذا القطب الذي حددت اتفاقية الأمم المتحدة للعام 1982 حق استغلاله لخمس دول فقط هي روسيا والولايات المتحدة وكندا والنرويج والدنمارك، وقد نصت الاتفاقية المذكورة في حق كل دولة من الدول الخمس في السيطرة على مساحة من الجرف القاري تبدأ من سواحل هذه الدول وتصل إلى مسافة مئتي ميل بحري في عمق المحيط المتجمد الشمالي، وبناء على هذه الاتفاقية تعتبر الدول الأخرى روسيا معتدية على أكثر من حقها، لأنها أرسلت بعثتها لمسافات بعيدة في القطب أكثر بكثير مما نصت عليها الاتفاقية. وكانت البعثة الروسية المكونة من ثلاثمئة وخمسين فرداً أبحرت في القطب على متن سفينتين من كاسحات الجليد العملاقة لمدة أسبوع كامل، وعند نقطة معينة أنزلت السفينتان مركبتي الغوص (مير 1) في قاع المحيط لمسافة 3,4 آلاف متر في رحلة غوص استمرت ثمانية ساعات، وكل هذا بهدف إثبات حق روسيا في امتداد جرفها القاري لمسافة أكبر بكثير من المئتي ميل بحري التي نصت عليها اتفاقية العام 1982، وهو ما نصت عليه الاتفاقية الدولية لقانون البحار للعام 1997 التي تمنح الدول الحق في مد جرفها القاري لأكثر من مئتي ميل إذا أثبتت اتصال الجرف الخاص بها بهذه الأراضي الأخرى، وهي الاتفاقية التي تستند إليها روسيا في إثبات حقها . موقف واشنطنالولايات المتحدة الأميركية لم يسبق لها أن أبدت اهتماماً بالقطب الشمالي ولم يصادق الكونغرس حتى الآن على الاتفاقية الدولية للعام 1982، وربما يرجع هذا لأنها أقل الدول الخمس المطلة على المحيط في مساحة الجرف القاري، حيث إنه لا يربطها بالقطب سوى الجزء الشمالي من شبه جزيرة ألاسكا التي اشترتها من روسيا في القرن التاسع عشر، والدنمارك لا تملك هناك سوى جزيرة غرينلاند، وربما الأمر يمس كندا بشكل أكبر ولكنها بعيدة عن المنطقة التي حددتها روسيا لنفسها، والأمر في النهاية لا يخلو من الصراعات السياسية التي تثير قلق ومخاوف الغرب من هيمنة روسيا على القطب وثرواته الهائلة، وهذا ما دفع الخارجية الأميركية إلى تقديم طلب للكونغرس الأميركي بسرعة التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة للعام 1982 حتى يتسنى لها التصدي لخطط روسيا (على حد تصريح الناطق باسم الخارجية توم كيسي). أوباما في القطب ورغم خبرتها الضئيلة في القطب الشمالي تعتزم الولايات المتحدة المنافسة على موارد هذه المنطقة، وفي هذا السياق، جاءت زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى ألاسكا، في سبتمبر الماضي وهي الأولى لرئيس أميركي منذ عام 1944، عندما زار الولاية الرئيس ثيودور روزفلت. الهدف المعلن للزيارة كان جذب الاهتمام إلى قضية ذوبان الجليد في القطب، لكن أوباما استخدم زيارته ليعلن عن تكثيف المساعي الأميركية لاستثمار المناطق القطبية. وأشار الرئيس الأميركي في تصريحاته إلى القضايا الجيوسياسية وتحديدا إلى موضوع المنافسة مع روسيا في المنطقة التي تحتوي في طياتها مخزونا هائلا من الثروات الطبيعية. و دعا الرئيس إلى تطوير الأسطول الأميركي من كاسحات الجليد بقدر كبير لتقليص الفجوة التي تفصلها عن روسيا في هذا المجال. وفي هذه الأثناء أشار أوباما إلى أن روسيا تملك حاليا 40 كاسحة جليد، كما أنها تبني 11 كاسحة أخرى، فيما يتكون الأسطول الأميركي من هذه السفن ذات الأهمية الاستراتيجية من 3 كاسحات، ومنها اثنتان فقط صالحتان للاستخدام. تحذير ماكين وفي هذا السياق، حذر السيناتور الأميركي جون ماكين، من سعي روسيا لإطلاق لعبة كبرى جديدة في منطقة القطب الشمالي. وقال ماكين: تسارع روسيا إلى تأمين وفرض سيطرتها على الطرق البحرية في المحيط الشمالي والتي يمكن فتحها ليس أمام السفن التجارية فحسب، بل وأمام أنشطة عسكرية واستطلاعية. كما تحدث ماكين عن الثروات الطبيعية الهائلة، بما في ذلك النفط والغاز، التي قد تتيح الفرصة في المستقبل لاستغلالها، فيما سيتحول القطب الشمالي إلى ساحة جديدة للمنافسة الجيوسياسية. وقال ماكين إن ما تفعله روسيا في القطب يشكل تهديداً لمصالح الأمن القومي الأميركي. الصين واليابان الصراع لا يقتصر على دول القطب الخمس فقط بل يمتد لدول أخرى مثل الصين واليابان اللتين تطمحان للحصول على مصادر الطاقة الهائلة في القطب قبل غيرهما، باعتبار أن منطقة القطب الشمالي تخضع لنظام البحار المفتوحة الدولية التي يمكن لأي دولة التنقيب فيها عن الثروات، وأعلنت شركات النقل البحري في كل من الصين واليابان، عن بدئها خدمة متواصلة لنقل الغاز الطبيعي من سيبيريا عبر القطب المتجمد الشمالي متجهاً صوب دول شرق آسيا، وذكرت الشركة الصينية لتطوير النقل البحري أنها بالتعاون مع شريكتها اليابانية ميتسوي أو أس كي، بصدد إنفاق نحو 932 مليون دولار لشراء ثلاث ناقلات للغاز مزودة بكاسحات للجليد، تقوم بصناعتها شركة دايو لبناء السفن والهندسة البحرية من كوريا الجنوبية، مع توقعات ببدء الخدمة في 2018. قواعد كنديةرئيس وزراء كندا ناشد موسكو إبقاء منطقة القطب الشمالي بكراً غير مأهولة لمستقبل البشرية، ولكن روسيا تعلم جيداً أنها إذا لم تبادر من الآن للحصول على حقها فسوف يصعب عليها ذلك تماماً في المستقبل، خصوصاً أن المعلومات لديها تؤكد أن حلف شمال الأطلسي يخطط لعسكرة منطقة القطب الشمالي وفرض سيطرته عليها عسكرياً، وأن كندا أعلنت رسميا أنها ستبدأ قريباً في إنشاء قاعدتين عسكريتين كبيرتين في القطب، وهذا يعني أن الغرب يسعى إلى إغلاق هذه المنطقة من الآن ليحتكر ثرواتها في المستقبل، وهو ما لا تقبله روسيا، صاحبة أكبر حدود على القطب، والتي تملك الآن بالتحديد من القوة والإمكانات التقنية العالية ما يؤهلها إلى إثبات وضمان حقها هناك. القدرة والإمكانات في قضية البحث في القطب الشمالي بالتحديد، يرى الخبراء أن الأمر يتوقف على القدرة والإمكانات والتقنيات الحديثة العالية التي تمكن صاحبها من إثبات حقه القانوني، وهو الأمر المتوافر لروسيا حالياً دون غيرها من الدول الخمس الأخرى، حيث تملك أسطولاً من كاسحات الجليد القطبية العملاقة والذرية يتجاوز، بينما لا تملك الولايات المتحدة، صاحبة أصغر حدود على القطب، سوى كاسحتان فقط تابعة لحرس الحدود، ولا تملك الدول الثلاث الأخرى هذه الكاسحات القطبية. تقديرات الثروات والحقول المكتشفة يعد القطب الشمالي من المناطق الغنية بموارد الطاقة منذ أن اكتشف الاتحاد السوفييتي أول حقل نفط في 1962 في سيبيريا الغربية، بينما اكتشف الأميركيون في عام 1968 حقل kt في ألاسكا. وقدرت هيئة المساحة الجيولوجية الأميركية أن ما يقارب ربع الاحتياطي العالمي غير المستكشف من موارد الطاقة يتركز في القطب الشمالي؛ بنسبة 22 بالمئة من البترول، و78 بالمئة من الغاز، إلى جانب احتياطيات كبيرة من الماس والذهب والبلاتين والقصدير والمنجنيز والنيكل والرصاص. ويقدر الاحتياطي الأميركي في هذه المنطقة بـحوالي 30 مليار برميل، بينما تمتلك روسيا الحصة الأكبر من موارد الطاقة في القطب الشمالي، حيث اكتشفت ما لا يقل عن 43 حقلاً للنفط والغاز في القطب الشمالي حتى نهاية عام 2013 في مقابل 11 حقلاً للولايات المتحدة، و6 حقول اكتشفتها كندا، وحقل واحد للبترول اكتشفته النرويج. المجلس القطبي العالمي المجلس القطبي العالمي هو الهيئة التي تأسست عام 1996 بموجب ما يسمى بـإعلان إتاوا لتيسير التعاون بين الدول التي تضم حدودها أراضي في القطب الشمالي. ويضم المجلس خمس دول لها سواحل ممتدة على المحيط القطبي هي كندا والولايات المتحدة الأميركية وروسيا والدنمارك والنرويج، بالإضافة إلى ثلاث دول أخرى هي فنلندا والسويد وأيسلندا. كما يضم المجلس 12 دولة تحمل صفة مراقب، والأقطار التي تمتلك أراضي داخل القطب الشمالي هي فقط التي يحق لها الاستمتاع بالعضوية الكاملة في المجلس القطبي الشمالي وإلى جانب البلدان الأعضاء الثمانية يضم المجلس ستة مراقبين دائمين، بما في ذلك دول كبرى مثل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة. والآن تمارس الصين والهند واليابان الضغوط للانضمام إلى المجلس. السويس وبنما الطريق البحري الشمالي سيشكل تحدياً جديّاً لقناة السويس وقناة بنما على المدى الطويل مع ذوبان الجليد بشكل دوري، حيث ستنخفض تكلفة ومدة العبور عبر الطريق الشمالي للانتقال من الساحل الغربي للولايات المتحدة وكندا، أو من ألاسكا إلى دول القارة الأوروبية، بدلاً من المرور عبر قناتي السويس وبنما.

مشاركة :