تقرير خارجية أميركا عن حقوق الإنسان في الكويت

  • 4/25/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لم تأت على البال قراءة تقرير وزارة الخارجية الأميركية عن حقوق الإنسان في الكويت بشكله الكامل، لكنني وجدت التقرير جاهزاً في صحيفة الكويت تايمز Kuwait Times، في عددها الصادر يوم الخميس الموافق 14 أبريل الجاري، والتقرير عبارة عن كتيب لا تقل كلماته عن ستة آلاف كلمة، منشور بحروف صغيرة أتعبت نظري، وشعرت بأن من يقرأه يجب أن يتحلى بالهدوء فلا ينزعج من استنساخ التقرير في معظم أجزائه مما تنشره الصحافة المحلية، بالإضافة إلى حالة التعجب من التراخي في ملاحقة الفاسدين بعد رصدهم، وهي حالة نشارك التقرير في ملاحظاته عن هذا التقصير. يبدأ التقرير بالإشارة إلى القضايا التي يتناولها، التعذيب وتحقير الكرامة الإنسانية، وشدة الإجراءات التي يفرضها رجال الأمن، والتضييق على اللقاءات السلمية، والحد من حق التعبير وحرية القول، مع إشادة بإجراءات حكومية تعاقب مرتكبي هذه المخالفات، المعضلة الكبرى، وقد أبرزها التقرير، هي خلو قضايا الفساد من العقوبات، وهذا الوضع هو لب المشكلة، وأهم النقاط التي يتمتع فيها التقرير بالتوافق مع المزاج العام. كما يشير التقرير إلى نزعة العداء تجاه الوافدين، لاسيما مع انتشار كورونا في اقتباسات متناثرة عن إخراج عزاب من مناطق تقطنها العائلات، أو إحلال عائلات كويتية بدلاً من العزاب، ووقف رخص القيادة عن الوافدين، ثم يتطرق إلى تجارة توريد البشر وتعطيل المعاشات وحجز جوازات الهاربين من عمال المنازل وتعرضهم إلى تعسفات بعض الأُسر وتهديدهم بالملاحقة والإبعاد. وتتضمن لائحة الشكوى حرمان العمال المخالفين من حقوق العمل، وعدم توافر الطعام وانعدام الاعتبارات الإنسانية. هناك تفاصيل عن خداع العمال من قبل المتعهدين وهم تجار البشر، وسبب مواجهات حول من يدفع لإعادتهم إلى بلدانهم، ويعتمد التقرير الأميركي على ما سجلته لجنة حقوق الإنسان في مجلس الأمة حول اتهامها لبعض الأجهزة في الداخلية ووزارة الشؤون بممارسة تجارة البشر، ويشكو التقرير من عدم وجود آلية تراقب معاملة العمالة المنزلية التي تتعرض لسوء السلوك أو حالات الاغتصاب. كما يعتمد التقرير الأميركي على ما تنشره منظمات المجتمع المدني الكويتي من معلومات حول قضايا فيها قتل وانتقام لأسباب خاصة مثل زواج دون موافقة، بالإضافة إلى تأكيد حماية الأطفال من سوء المعاملة. ويتحدث التقرير عن البدون البالغ عددهم تسعون ألفاً وفق إحصائيات الأمم المتحدة، وينتقد التقرير منع القضاء من التعامل مع ملفاتهم، الأمر الذي يعقد التحاقهم وانصهارهم داخل المجتمع، بالإضافة إلى صعوبة تقديم وثائق من قبلهم تثبت ترابطهم بالكويت. وينتهي التقرير الواسع مشيراً إلى قرار المحكمة بإدانة وكيل مساعد في وزارة الإعلام بالسجن عشر سنوات مع الأشغال الشاقة لاختطافه واعتدائه على شخص «بدون»، هذا في جانب الإيجابيات. ومن يتمعن في محتوى التقرير الأميركي حول الكويت لن يجد فيه عنصراً جوهرياً فيه اعتداءات على آدمية الإنسان، لأن الكويت لا تعرف الاستبداد ولا الدكتاتورية، ولا زوار الليل أو شياطين ينشطون في الصباح الباكر، ولا استعمال الآليات المظلمة في التنصت على الناس وكشف أسرارهم، كما يتحدث التقرير عن إجراءات الملاحقة للمطلوبين، ويعترض على الخشونة التي ترافق عملية القبض عليهم. ولدي بعض الملاحظات: أولها: انني سعيد بمضمون النقد الذي عبرت عنه لغة التقرير، الذي لم يجد في الكويت ما اعتاد أن يجده في متابعة لأحوال الدول النامية، ومعظمها لا تعبأ بمبدأ حقوق الإنسان،ولا تتوقف عند الشفافية ولا يزعجها غياب القانون أو تحقيره، وفوق ذلك فإن الولايات المتحدة حليف استراتيجي للكويت تحملت المأمورية التاريخية في تحريره، ووقعت وثيقة الشراكة الأمنية، فمن حق هذا الحليف المشارك أن يتابع ما يدور في بلدنا، ومن حقه أيضاً أن يحرص على توطين القيم العالية التي يبتغيها الدستور الأميركي حول الحرية وحكم القانون، ولا أشك أنه وجد في الكويت ما يريحه، ويعرف شريكنا الأميركي أن تراثنا في الكويت صاغته صفات إنسانية عالية قبل النفط، عندما كانت المعيشة عرق وكفاح بين البحر والبر، ولم يدخل تاريخنا ما يمكن تفسيره كصراع طبقي أو تعال عنصري أو تفرقة لمسببات مذهبية أو طائفية. وسيجد لدينا الحماس لنشر هذه القيم النبيلة في كل بقاع هذه الدنيا، فأهم منابع الاعتزاز في الكويت هي ديمومة المودة وأبدية التعايش مع حقوق الإنسان وحكم القانون والترابط بين خطوط المجتمع. وأرجو من الشريك الأميركي مستقبلاً، وعند إعداد التقرير، أن يلاحظ حالتين نادرتين يصعب تواجدهما في موقع واحد، وفي بلد واحد، الأولى أن عدد الوافدين في الكويت وصل إلى ضعفي المواطنين، وهي نسبة مخيفة في أبعادها الأمنية، وليس من الحكمة أن يصل عدد الوافدين إلى هذه النسبة، لكن الحقيقة أن الحياة تسير طبيعية ولم تفرز هذه الحقيقة أية إشكالات أثرت في حياة الوافدين، ولم تصدر من المجتمع الكويتي احتجاجات مدوية حول تقليص الأعداد كما نراها في بلدان أخرى، والواقع أن الكويت تتعامل مع هذا الملف برقة وبسماحة نادراً أن تتواجد في مختلف القارات، وفوق ذلك نعترف بأننا مهما وضعنا من إجراءات لتقليل أعداد الوافدين، بما في ذلك إغراءات الرحيل، فإن الحقيقة أنهم لا يريدون ترك الكويت، إحدى منارات الحرية القليلة في العالم النامي، ويفضلون البقاء على العودة إلى أوطانهم. والحالة الثانية، أن الكويت في التزام دائم لحل القضايا بالوسائل السلمية وتقبل التوسطات السياسية، مع إيمان بدورها، ولم تجد مبرراً للتعامل مع تهديدات صدام حسين بأسلوب المواجهة، عندما اشتدت الأزمة عام 1990، وتحملت مأساة الغزو، الأمر الذي خلق تبدلات في قناعاتها جاءت من حصيلة الغزو وتوجت بالتحالفات الرادعة، والواضح من تقرير الخارجية الأميركية أن هناك دعوة نحو التوسع المرن في التجنيس، ويمكن الرد على تلك الإشارات بأن الغزو لقن الكويتيين فنون الحذر والحيطة، وعلمهم ضرورات الحاجة إلى بناء مصدات تعرقل الوصول غير الشرعي إلى الأراضي الكويتية.. هناك ملفات تطرق لها التقرير حول المرأة، وفي الكويت أبحر ملف المرأة إلى مسافات طويلة وعميقة نحو المساواة، وأصبحت الكويتية تدير ملايين الدولارات في مؤسسات مالية وبنوك، وتملأ المكتبات بإنتاج أدبي غزير، وتجلس في مقاعد الوزراء كوزيرة منذ ثلاثة عقود، ويتحدث التقرير باستغراب حول عدم تجنيس أبناء المرأة الكويتية المتزوجة من غير كويتي، ويمكن التوضيح بأن هذا الملف تتم دراسته ولا شك بأنه يحمل معه حساسية لابد أن تزال وفق قواعد يمكن الالتزام بها في ضوء التسهيلات، التي تقدم تدريجياً لهؤلاء الأبناء في مسار يدنو نحو إغلاق الموضوع نهائياً. اعترف بأن التعليق على محتويات التقرير أمر مجهد، خاصة بعد أن قرأته كاملاً غير مبتور، كانت توقعاتي أن شيئاً جديداً قد يطرح في التقرير يساعد الكويت للاستهداء به لحل بعض الملفات، كما أتمنى أن يرافق التقرير المستقبلي عن حقوق الإنسان في الكويت شيء من التفهم الأميركي للاستثناءات الكويتية، مثل الأعداد الضخمة للوافدين، لاسيما العمالة الهامشية والتكلفة التي تتحملها الكويت مالياً واجتماعياً وأمنياً، وأن يدرك الناقد الأميركي أن الكويت لم تتعاف نفسياً وسيكولوجياً من تركة الغزو، فما زالت حالة السندروم Invasion Syndrome تعيش في الفضاء الكويتي، ولعل مرور الزمن يخفف من نزعة الحذر التي خلقها الغزو.

مشاركة :