يا ليلة العيد آنستينا رباح آل جعفر بعيداً عن الحزن أحاول أن أكتب عن الفرح. بينما القلب يغالبه الأسى على أهلٍ لنا وأصدقاء ماتوا قبل أن نشبع من رؤيتهم. قل لي ما المعنى أن تفقد في كل مرة عزيزاً على قلبك. تتفقد مكانه على مائدة الإفطار فلا تجده. تسأل عنه صباح العيد لكنه غائب. لا ترى له صورة ولا تسمع له صوتاً. أين يذهب هؤلاء الأعزاء؟. ما الذي سقط من قلوبنا؟ ما الذي تركناه هناك؟ لماذا يموت الوجه الجميل؟ ولماذا تذبل الوردة الجميلة؟ كيف ضاع من أقدامنا الطريق؟ ولماذا الأشياء النادرة تتحول إلى ذكرى.. والذكرى قصيرة العمر؟!. حزنتُ وتألمت. ولا أنسى كيف اهتزَّت أعماقي يوم وقفت آخر مرة عند سرير عزيز أبكاني فراقه. كان ينظر في عينيَّ طويلاً. يريد أن يقول لي شيئاً في لحظة وداع أخيرة. لكنه لم يقل. أو لم يستطع أن يقول. وفي عينيه كلام كثير. أصوات في أصداء، لقد ضاع المعنى وضاقت العبارة. تذكرت متأثراً قول أحمد شوقي: ألـومُ معذِّبـــي ، فألومُ نفســي فأُغضِبُـها ويـرضيـهـا العــذاب ولـو أنَـي استطعـتُ لتبـتُ عنه ولكنْ كيفَ عن روحي المتاب؟!. في ليلة العيد كانت أم كلثوم تطربنا من أجهزة الراديو بأغنيتها “يا ليلة العيد آنستينا”. الله يا سيِّدي الله. وفي تحيّة العيد وجوابها، تقول لصاحبك بحفاوة: أيّامك سعيدة. ثم يأتي العيد في كل عام مرتين ولا تأتي السعادة. ومن يشرب بحراً من الأكدار لا يقول إنه شرب ماء!. وبرغم أن العيد فرح وبهجة، فإن المكان الجميل الذي يجد الناس راحتهم في زيارته أيام العيد هو المقبرة. إنهم يلثمون الشواهد كأنهم يلثمون خدود الحبيب، ويبحثون بين القبور عن فردوسهم المفقود. لقد هان عندهم الزمان وهان المكان إلا هذا المكان. فيذهبون ويبكون على كل ذكرى، وكل حجر، وكل حبيب، ويعلمون أن أحداً لا يسمعهم هناك. وشاعرنا الكبير شوقي يقول “وتهون الأرض إلا موضعا”. كأن هذه الأحجار حائط المبكى. يبكون عندها وحولها. أو كما قال الشاعر القديم: أقبّلُ ذا الجدارَ وذا الجدارا!. في الأيام الخوالي كانت مدينتنا حديثة مثل باقي المدن لا تطفئ الأنوار ليالي العيد. وكنَّا ونحن أطفال نجد متعة عظمى عندما نسهر حتى مطلع الصبح حين يبدأ القراء بالتمجيد لصلاة العيد والتلاوات في المآذن بأنغام المقام.. وكان هناك من ينام مبكراً يحلم بالعيديات من “الدراهم” يدسُّها في جيبه، ويفكر طول الليل ماذا يشتري؟. كانت النفوس صافية والتعايش سهلاً، بلا زعل ولا أحقاد، لا الذي في القلب ولا الذي وراء القلب. وكان هناك ما يُبقي على المودة والمحبة بين الناس. وكان أهل حديثة يخرجون ثاني أيام العيد من المدينة بثيابهم الزاهية على الدراجات الهوائية، أو سيراً على الأقدام في “يوم الزيارة”. وكانت هذه “الزيارة” تعني أنهم ينزلون في وادي الشيخ حديد عند أطراف المدينة. فينقل الباعة بضائعهم في عربات صغيرة لم تكن تحمل أكثر من النساتل والشكر لمه وشربت زبيب والألعاب البسيطة وبعض التوابل والبهارات. ثم انقرضت هذه التقاليد مع الأسف، واندرست الأمكنة، وامتلأت الوديان مثلما البساتين بالشوك والعاقول. أكانت تلك الأيام جميلة؟ ربما!. أكانت مجرد صرخة لنا في واد؟ أكانت أوهاماً وأمنيات؟ كل الصرخات في الوديان بلا صدى!. هل أنا حزين؟ نعم حزين.. ولا أمل!.
مشاركة :