بقلم | بندر بن عبدالله بن تركي ال سعود بداية، أود أن أنوه لأهمية هذا القرار التاريخي الفريد الاستثنائي، الذي اتخذه قائدنا خادم الحرمين الشريفين، سيدي الوالد المكرم الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، ومتعه بالصحة والعافية، وسدد على طريق الخير خطاه، بإعلان يوم التأسيس الموافق للثاني والعشرين من شهر فبراير من كل عام إجازة رسمية بالدولة. وحتى لا يختلط الأمر على البعض، يُقصد به يوم تأسيس الدولة السعودية الأولى، على يد الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن. وبالطبع يختلف عن يومنا الوطني المجيد، الذي يحل في الثالث والعشرين من كل عام، تخليدا لذكرى توحيد بلادنا الطيبة المباركة هذه على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، طيب الله ثراه. وصحيح، هو قرار تاريخي ذكي فريد، غير أنه مع هذا، غير مستغرب من قائد قافلة خيرنا القاصدة، سيدي الوالد المكرم الملك سلمان، الذي أصفه دائما في كل مشاركاتي في الصحافة والإعلام وفي كل مؤلفاتي، كما يعرفه الجميع، بأنه مستودع تاريخنا وإرثنا الحضاري والثقافي وذاكرة الوطن التي لا تشيخ أبدا ولا تصل إليها يد النسيان. فمقامه السامي الكريم أعرفنا بتاريخنا، وأعرفنا بسيرة قادتنا الأبطال المؤسسين: الامام محمد بن سعود، الامام تركي بن عبد الله والملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، وأكثرنا شبها بهم، وأحرصنا على السير على خطاهم المباركة في خدمة رسالة بلادنا السامية العظيمة. أما دلالة هذا القرار التاريخي الاستثنائي، فهي بالطبع أكثر من أن يتحدث عنها الإنسان في مجلدات، ناهيك عن مداخلة سريعة كهذه. ففي المقام الأول: القرار تأكيد على هذا الاستمرار التاريخي لدولة أمجاد قوية راسخة رسوخ طويق، عمرها اليوم ثلاثة قرون. كما أنه اعتراف بجهد المؤسس الأول الامام محمد بن سعود، الذي أسس الدولة السعودية الأولى، وعرفان وامتنان لجهوده في خدمة دولة التوحيد، وجهد كل الذين تولوا قيادة قافلة خيرنا القاصدة من بعده وتضحياتهم الى يومنا هذا، في عهدنا الزاهر الميمون هذا، بقيادة حامل راية دولة التوحيد خادم الحرمين الشريفين، سيدي الوالد المكرم الملك سلمان بن عبد العزيز، يؤازره ويشدد عضده ولي عهده القوي بالله الأمين، أخي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع. كما ينطوي هذا القرار التاريخي أيضا من وجهة نظري المتواضعة، على تنبيه مهم تصحيحا لمفاهيم البعض الذين يتحدثون عن دولة سعودية رابعة، ذلك المفهوم نفسه الذي صححه ولي العهد الامير محمد في أكثر من مناسبة مؤكدا: (نحن امتداد للدولة السعودية، ولسنا دولة جديدة). فمعلوم أن كل دولة سعودية، تأسست لإحياء دولة سعودية سابقة لها، فحتى الدولة السعودية الأولى، لم يتم تأسيسها من فراغ، ولا هي نبت طارئ ظهر على مسرح التاريخ فجأة هكذا، بل هي ترسيخ لإرث عمره ستة قرون. كما يُعد هذا القرار التاريخي من ناحية أخرى، دعوة مهمة للمهتمين بتاريخنا، لا أقول لإعادة كتابته، فهو مكتوب ومدون وموثق، بل لإعادة قراءته بتمعن شديد وتحليله لإظهار أدق ما انطوى عليه من تفاصيل، وبالتالي إضافة شيء جديد لفهم أوسع لتاريخنا وأشمل، بدلا من الانكفاء على اجترار ما سبقنا إليه الآخرون. وفي قرار سيدي الوالد المكرم الملك سلمان، بإعلان يوم التأسيس (22/2/1727) إجازة رسمية بالدولة، أوضح مثال وأصدق على إعادة قراءة التاريخ ببصيرة ثاقبة وفكر متقدم. وأود الحقيقة قبل أن أختتم مداخلتي هذه أن أشير حسبما أرى إلى حقيقة جوهرية في تقديري ضمن حقائق هذا القرار التاريخي المهم، تتمثل في دور الاعتراف بدور المرأة السعودية التي غيرت مشورتها وجه التاريخ، كما فعلت السيدة موضي بنت سلطان أبو وهطان زوجة الامام محمد بن بن سعود. وأود أن أشير هنا إلى إنها ليست بنت وطبان أو بنت أبي وطبان كما يعتقد البعض. بل بنت أبو وهطان من آل كثير من آل فضل من طي. إذ اضطلعت بدور تاريخي بحق عندما نقلت خبر قدوم الشيخ محمد بن عبد الوهاب الدرعية ونزوله عند آل سويلم، الى زوجها الامام محمد بن سعود وحثته على السير إليه حتى يظهر للناس توقيره، ليعلموا أنه مكرم عند أميرهم فيسلم من أذاهم. فقد كانت امرأة ذات عقل و دين ومعرفة. وبالمقابل، يقال الشيء نفسه عن الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، أخت الملك عبد العزيز التي حثته على استعادة ملك آبائه وأجداده والسير على خطاهم المباركة في أداء رسالة دولتهم السامية العظيمة في حماية الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة والعناية بها والاهتمام بضيوف الرحمن ورعاية شؤون المسلمين حيثما كانوا، وآزرته بكل ما تملك من حسن رأي وتدبير حتى آخر لحظة من عمرها المبارك، ولهذا كان الملك عبد العزيز يقدرها كثيرا ويزورها يوميا. ويمكنني القول إنه الدور نفسه الذي مكَّن قائدنا الملك سلمان المرأة من الاضطلاع به في خدمة بلادها في كل المجالات وتنميتها. وعلى كل حال، كما أسلفت: الحديث يطول عن ذكرى التأسيس، وعن أبطاله الغر الميامين الذين ضحوا بدمائهم الزكية وأرواحهم الطاهرة حتى نتفيأ نحن ظلال خيرهم الوارفة، في دولة قوية راشدة ناهضة، تشرئب أعناق الناس في كل بلاد الدنيا للقدوم إليها.. ولهذا فمسؤولينا التاريخية اليوم عظيمة للالتفاف حول قيادتنا الرشيدة وتعاوننا وتآزرنا لاستمرار قافلة خيرنا القاصدة على خطى آبائنا المؤسسين وأجدادنا الى الأبد.. ولعلنا نستطرد الحديث في هذا الموضوع الشيق في مقال آخر إن شاء الله.. يهتم بإرثنا التاريخي والحضاري والثقافي الذي نفاخر به الأمم من شرقي الدنيا الى غربيها، ومن شماليها حتى جنوبها.
مشاركة :