فاز إمانويل ماكرون بفارق 17 في المئة وهي نسبة أنقذت فرنسا من التفكك وقتل السلم الاجتماعي، فلو فازت مارين لوبان وفرضت رؤيتها لالتحم الشعب الفرنسي من شتى الأصول والأديان في صدامات تافهة تهبط به إلى مصاف الدول المتخلفة التي لا تزال ترفع السلاح في وجوه بعضها البعض دفاعا عن الدين والطائفة، وتزهق الأرواح وتدمر البنى التحتية وتكلف البلاد ثرواتها. ورغم خسارة لوبان، إلا أن 41 في المئة من أصوات الناخبين ليست بالقليل وهي مؤشر خطير وامتداد لما قام به دونالد ترامب في الولايات المتحدة من ازدراء للآخر المختلف على عكس القيم التي تروج لها الإدارة الأميركية من العلمانية والديمقراطية وحرية المعتقد، وقد قام بفعل شنيع عندما فصل أبناء المهاجرين غير الشرعيين عن آبائهم، وربما كانت لوبان تنوي أن تحذو حذوه. وتكمن خطورة هذا التوجه في أنه يجلب نتائج كارثية فورية وعلى المدى البعيد أيضا. فاليوم بات المجتمع الغربي أقل قوة مما سبق وسطع نجم روسيا وتحالفت الصين والهند معها أي أن ثلث سكان العالم تحالف معها في وجه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة نتيجة للاستعلاء وبث النعرات وتدمير البلاد البعيدة. إن موقف لوبان مستغرب بالنظر إلى أن فرنسا هي موطن العلماء والفلاسفة، فكيف تنحو إلى ممارسات تجرّ الويلات على الوطن، فهناك مثال صارخ على الأثر الهدام للتمييز الديني والطائفي ممثلا بإيران التي دمرت دولا كثيرة عندما مارست الفظائع من منطلق ديني وطائفي، وبات شعبها يعاني من الفقر وانتهاكات حقوق الإنسان، والأشد غرابة هو أن الدول الغربية اعتادت على إثارة النعرات الدينية في الخارج وليس على أرضها لأنها تدرك أن هذا الأمر يدمر المجتمعات. إن لوبان هي النقيض لشخصية إنجيلا ميركل التي قادت ألمانيا باقتدار ولم تشر من قريب أو بعيد إلى الأديان، فالثقافة الألمانية لا تتناول مثل هذه الأمور، كما أن المهاجرين المسلمين في ألمانيا ينعمون بمستوى معيشي مرتفع وذلك لانشغال الدولة بالتنمية وتحقيق متطلباتها، ولا تزال ألمانيا هي الوجهة المفضلة للمهاجرين من شتى أنحاء العالم، وصحيح أن النازيين الجدد يكنّون كراهية للأعراق الأخرى، ولكن الوضع مختلف عندما يتبنى رئيس دولة هذا التوجه ويساعد على تقنينه وفرضه كتشريعات ملزمة. وحتى النازيون الجدد كحزب لم يسلموا من انتقام فلاديمير بوتين منهم على إثر إساءاتهم للمواطنين من أصل روسي. فالتمييز مرفوض بأي شكل وفي أي زمان ومكان. إن التغيير الثقافي لا يكون بالفرض والإلزام بل بالجذب، فعندما يلمس الإنسان فوائد مباشرة للثقافات الأخرى فإنه يتقمصها لاشعوريا، أما استخدام القوة فهو يغير السلوك إلى حين ولا يغير العقول ولكي تكسب الدول ولاء جميع مواطنيها عليها توفير الفرص المتساوية للجميع لكي ينصبّ التنافس على الفوز بها على أسس ومعايير واضحة ليس الدين والأصل العرقي من بينها. ويبقى الأمر الأهم هو أن تستوعب الدول العربية الدرس لاجتثاث الخطاب الديني من جذوره لأن الأديان قنبلة موقوتة يفجرها الغرب وقتما يشاء للحفاظ على مصالحه. ولو كان العرب واعين ومدركين بشكل كاف لما تجاوبوا مع الأوامر الغربية لتبني الجماعات الإسلامية التي دمرت بلاد العرب واستنزفت ثرواتهم منذ عشرات السنين ولم يكن ذلك بالأمر الصعب لو أن العرب كانوا يفهمون الأبعاد طويلة الأمد لمثل هذه التوجهات وقاموا بتحصين بلادهم وعدم السماح بهذه الممارسات التي تقتل السلم والأمن الاجتماعي ولم تكن هذه اللعبة خافية على أحد لأن التمويل والتسليح كان يأتي من الغرب أو حلفائه من أذناب العرب.
مشاركة :