تحدث الكاتب والمفكر التونسي أنس الشابي لـ(الاتحاد) عن رمضان في ذاكرته الذي يعني بالضرورة تونس قبل نصف قرن، حيث كانت الحياة غير ما هي عليه الآن، كما كانت وسيلة الترفيه في رمضان تتمثل في قاعات السينما المؤقتة التي لا تفتح إلا في خلال الشهر الكريم، وقبلها كانت حوانيت عطارة أو مخازن، بحيث يقع تأهيلها لتصبح قاعات للفرجة، ويضيف: «أذكر أن أفلام طرزان وزورو ولوريل وهاردي وشمشون الجبار ومستر إكس والأفلام الهندية والكوبوي وغيرها من الأفلام كانت تعرض نهاراً، وكلما كانت هنالك معركة إلا ويقطع بث الشريط ويطالبنا صاحب القاعة بمعلوم آخر، وكان يساوي 20 مليماً وشعاره الذي يرفعه «المغروم يجدّد»، فيبقى من لديهم المقابل ويطرد البقية، وفي الليل كانت تعرض أفلام عربية لكبار السن، وأذكر مثلاً (تاكسي الغرام) وأفلام فريد الأطرش ومحمد فوزي وكوكا، التي على ما أذكر كانت تمثل في فيلم (عنتر وعبلة)، وغيرها من الأفلام التي كانت تعرض دفعة واحدة ولا يقع قطع بثها إلا عند إبدال البكرة، وكان ذلك امتيازاً ليلياً لكبار السن، وفي الليل كان هنالك المقاهي التي تتحول إلى قاعة حفلات تسمى «كافي شانطا»، أي مقاهي للغناء يقابلها بالفرنسية (CAFE-CHANTAN)، وتقام بها حفلات الغناء والرقص الشرقي والبدوي، وكان أكبر الفنانين في تونس نجومها كفرقة المنار وعلي الرياحي وإسماعيل الحطاب ومامية وغيرهم. وعن مدى الارتباط بين الزمان والمكان في شهر رمضان يقول الشابي: بطبيعة الحال الزمان هو غير الزمان اليوم، التقنيات الحديثة قضت على التواصل الاجتماعي، الذي كان موجوداً فالحفلات يشاهدها الإنسان وحده والأفلام كذلك، وغاب ذلك التواصل بالتعليق والتنكيت، وأذكر أن القاعة كانت تضج بالتصفيق عندما تحتدم المعارك بين الأبطال، أما المكان فلكل مدينة أو قرية خصوصيتها، فما هو موجود في العاصمة أيامها والآن هو غيره في غيرها. وعن طقوس الكتابة والإبداع في رمضان يشير المفكر التونسي إلى أنه بالنسبة له ليس هنالك أي تغيّر بحكم السن، فالنهوض باكراً والنوم باكراً، أما الكتابة ففي كل وقت حالما تختمر الفكرة في الذهن وتجتمع خيوطها يقع تنزيلها على الورق سواء كانت مكتملة أو لا، ولعلّ الصباح هو أفضل الأوقات للهدوء الذي عليه المدينة، فشعبنا يطيل السهر ويقوم متأخراً بحيث تنعدم ضوضاء السيارات وغيرها بما يوفر فرصة أستغلها أحسن استغلال.