أعطت تقييمات حديثة للبنك الدولي بشأن الاقتصاد الليبي نظرة أكثر تشاؤما، في ظل العراقيل والتحديات التي برزت في الآونة الأخيرة باعتبارها تعطل أي مسار للخروج من الوضع الضبابي الذي يحاصر أي مساع للتنمية المتوقفة منذ أكثر من عقد. وحذّر البنك من مواجهة البلد تحديات اقتصادية هائلة نتيجة استمرار تفكك مؤسسات الدولة والصعوبات الاجتماعية مع توتر الأوضاع السياسية بعد فترة وجيزة من توقع صندوق النقد الدولي استمرار ارتفاع الأسعار ومعدل التضخم في البلاد. جيسكو هنتشل: ليبيا تحتاج إلى مؤسسات موحدة وإصلاح طال انتظاره ويرى خبراء أنه رغم التقدم المحرز بشأن التسوية السياسية، إلا أن المسار الاقتصادي يواجه العثرات بسبب محاولة شخصيات بارزة تجنب أي خسارة للنفوذ، أو تعديل أوضاعها للاستفادة من المنظومة الجديدة. ويقول خبراء البنك في التقرير إن ليبيا بحاجة إلى “استثمارات عاجلة في البنية التحتية والمساعدة الاجتماعية للفئات الضعيفة، بما في ذلك حملة تطعيم ضد الجائحة أكثر فاعلية وانتظاما”. ونقلت وكالة الأنباء الليبية الرسمية عن المدير الإقليمي للبنك لمنطقة المغرب العربي ومالطا جيسكو هنتشل قوله إن “ليبيا تحتاج بشدة إلى مؤسسات موحدة وإدارة جيدة وإرادة سياسية قوية وإصلاحات طال انتظارها”. وأشار إلى أن “أداء الاقتصاد المحلي في 2020 كان الأسوأ في السنوات الأخيرة في ظل مشكلات قطاع النفط وجائحة كورونا”. وألقت الأزمة السياسية المتجددة في ليبيا بظلال قاتمة على قطاع النفط الذي يشكل محورا رئيسيا في إيرادات البلاد، بعدما اعتبر محللون أن تراجع الإنتاج يفوت فرصة ثمينة لتحصيل المزيد من الأموال في ظل ارتفاع الأسعار في السوق العالمية. وتتولى المؤسسة الوطنية للنفط إدارة قطاع النفط والغاز الليبي الذي يدر غالبية إيرادات البلاد، وهي من المؤسسات الرئيسية التي تعتبرها القوى العالمية حيوية للحيلولة دون تعمّق الانقسامات في ليبيا. ورغم أن البنك ملتزم “بدعم ليبيا من خلال المساعدة الفنية والخدمات التحليلية، إضافة إلى تمويل الصناديق الائتمانية والمنح”، إلا أنه يؤكد أن النمو في القطاعات غير النفطية ظل ضعيفا يعوقه الصراع المستمر وسوء الخدمات. والاثنين الماضي توقع صندوق النقد الدولي استمرار ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم في ليبيا هذا العام ليصل إلى 3.7 في المئة، لكنه أكد إمكانية نزوله إلى حدود 2.4 في المئة خلال العام المقبل. وتشير توقعات الصندوق إلى أن نمو الناتج المحلي الليبي سيبلغ 3.5 في المئة خلال العام الجاري على أن ينمو ليصل إلى 4.4 في المئة في 2023 وينزل إلى حدود 3.6 في المئة عام 2027. وأكثر ما يتخوف منه المانحون الدوليون في ظل الوضع الراهن هو أن موثوقية البيانات الليبية، خاصة في ما يتعلق بالحسابات والتوقعات متوسطة الأجل، منخفضة على خلفية الحرب وضعف القدرات. وبحسب العديد من التقارير الدولية تسببت الحرب الروسية – الأوكرانية في تفاقم المشاكل الغذائية لدى خمس دول عربية، من بينها ليبيا التي ارتفعت فيها الأسعار بنسبة 30 في المئة. Thumbnail وخلال الأسبوع الأول من الحرب حلقت أسعار القمح والدقيق وارتفع معها قلق التجار من انقطاع المخزون واضطروا إلى زيادة الأسعار في السوق المحلية. ووفقا لبرنامج الأغذية العالمي وقبل أزمة أسواق الغذاء الدولية جراء الحرب في أوكرانيا كان نحو 12 في المئة من الليبيين أو 511 ألفا يحتاجون إلى المساعدة في 2022. وتعاني ليبيا منذ سنوات أزمة اقتصادية حادة نتيجة الخلاف السياسي والحروب التي شهدتها بينما تتعاظم بشكل يومي الأزمة المالية في البلاد المتمثلة في ندرة السيولة المالية لدى البنوك الحكومية والخاصة نتيجة احتفاظ التجار بأموالهم في خزائنهم في البيوت خوفا من الأوضاع الأمنية أو وقوع حروب جديدة تحجب عنهم أموالهم في البنوك. وتشير بعض التقديرات إلى أن الدين العام الليبي تجاوز 71.4 مليار دولار، ما يزيد على حجم الناتج المحلي الإجمالي السنوي. ويتوقع محللون أن يواصل الصعود مع استمرار غموض مستقبل الاقتصاد. ومنذ مطلع فبراير الماضي تشهد ليبيا أزمة سياسية حادة على خلفية تكليف مجلس النواب فتحي باشاغا بتشكيل حكومة بدلا من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة الذي رفض التسليم إلا لحكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب ينهي كل الفترات الانتقالية في البلاد. وتلك الأزمة دعت مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز إلى إطلاق مبادرة في الثالث من مارس الماضي تنص على تشكيل لجنة من مجلسيْ النواب والدولة لوضع قاعدة دستورية تقود البلاد إلى الانتخابات في المستقبل القريب. ورغم أن جهود توحيد السلطة النقدية في ليبيا قطعت خطوة مهمة في ديسمبر 2020 بإقرار توحيد سعر صرف الدينار، بعد سنوات من الشد والجذب بين البنكين المركزيين المتنافسين في طرابلس وشرق البلاد، إلا أن توحيد المركزي لا يزال يواجه مخاضا عسيرا. وتظهر المؤشرات أن قرابة 80 مليار دولار من احتياطات البلاد من العملة الصعبة تبخرت منذ بداية الأزمة، بعدما كانت عند مستوى 130 مليار دولار.
مشاركة :