اختتمت مؤسّسة الفكر العربي أمس مؤتمرها «فكر 14»، الذي انعقد بالشراكة مع جامعة الدول العربية في القاهرة، لمناسبة الذكرى السبعين لتأسيسها، تحت عنوان «التكامل العربي: تحدّيات وآفاق». غير أن دورة هذه السنة اعتمدت منهجية مغايرة في طرح الأفكار ومناقشتها، كمحاولة لإخراج البحث من الحدود الضيقة للتنظير المعتاد خلال المؤتمرات، وداخل الغرف المغلقة، إلى حيز أكثر فاعليةً وإنتاجية ومشاركةً. وقدمت المنهجية المؤتمر كنموذج تطبيقي للفكرة التي يحملها عنوانه، أي «التكامل العربي»، فاعتمدت تقنيات مبتكرة وأسئلة مبسّطة تمّ تحديدها بعد نقاش فكري مستفيض لطرح أسئلة إشكالية تحتاج إلى أجوبة علمية ودقيقة. ووضعت هذه الأسئلة إطار النقاش للتوصل إلى أسئلة واقعية لمعالجتها والإجابة عنها في المؤتمر المقبل، قبل أن يتم اختزال الأسئلة الـ43 التي كانت محور النقاش في اليوم الأول إلى 10 أسئلة في اليوم الختامي، ثم اختير خمسةٌ منها، ورفعت إلى مؤسّسة الفكر العربي. واعتمدت المؤسسة نموذج المقهى العالمي، أو ما يعرف بـ «Patches and Nodes»، وهي آلية تعتمد تقسيم المشاركين إلى عدد كبير من مجموعات العمل الصغيرة، تضم كلّ مجموعة بين 8 و10 مشاركين لمناقشة الأسئلة والتوصل إلى خلاصات، لكن، نتيجةً لكثافة الحضور ارتفع عدد المجموعات من 13 إلى 53. ووزع المشرفون على الورشة أجندة عمل تضمّنت مدخلاً إلى النقاشات التي تناولها المشاركون، وطرحت الأسئلة التالية: تخيّلوا مستقبل الوطن العربي كما تحلمون به، وابتكروا رؤية ملموسة لهذا المستقبل، وأتت الأسئلة الخمسة المنتخبة مزيجاً ما بين «المتخيل والرؤية». وعليه، اعتبر المشاركون أنّ أزمة التكامل العربي سياسية، وأن المطلوب هو تعزيز الاستثمار والبحث عن الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في الدول العربية. وبدا لافتاً خلال ورش العمل مشاركة الشخصيات الرسمية في المجموعات، وأبرزها الأمير خالد الفيصل الذي أعرب في المجموعة التي شارك فيها عن إيمانه بشراكة المجتمع بفئاته كافّة مع الدولة، خصوصاً في المشاريع التنمويّة، لأنه لا يُمكن إلقاء كل العبء على الدولة، ولذلك لا بُدّ من أن تُؤمن الدولة بالمجتمع، ومن أن يُؤمن المجتمع بالدولة. وثمّن الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، خلال الجلسة، دعوة الفيصل إلى عقد المؤتمر واختياره عنوان التكامل العربي، في ظل التحدّيات غير المسبوقة المحيطة بنا. ورأى أن انعقاد المؤتمر بحضور هذا الحشد يشكّل فرصة لإحياء هدف التكامل باعتباره الهدف الحضاري، آسفاً لأن حركة التطوّرات السياسّية قادت إلى عكس ما يتمنّاه كثر، وبدل أن تشقّ طريقها نحو الإصلاح تحوّلت نزاعاً يدمّر بنية الدولة. وفي ختام المؤتمر، تحدث الأمير خالد الفيصل، شاكراً كل من ساهم في الإعداد له، وكرر التهنئة لبيت العرب، جامعة الدول العربية في ذكراها السبعين. كما قدم الشكر للرئيس عبدالفتاح السيسي لرعايته المؤتمر وإلقاء كلمة في حفلة الافتتاح. وفي سياق متصل، كرّمت المؤسّسة الفائزين بجوائز الإبداع العربي في دورتها التاسعة، والفائز بجائزة أهمّ كتاب عربي في دورتها السادسة، والفائزين بجائزة «مسيرة عطاء»، والأمناء العامّين لجامعة الدول العربية، في إطار مؤتمرها السنوي الرابع عشر «فكر14». وحضر التكريم رئيس جمهورية مصر السابق المستشار عدلي منصور، الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، رئيس المؤسّسة الأمير خالد الفيصل، الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية في دولة الإمارات العربية المتّحدة، الأمير بندر بن خالد الفيصل، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، رئيس مجلس الوزراء اللبناني السابق فؤاد السنيورة، النائب بهية الحريري، وحشد من الشخصيات الديبلوماسية والسياسية والفكرية والثقافية والإعلامية. وتحدّث المدير العام للمؤسّسة هنري العويط فأكّد أن «المؤسّسة دأبت على تكريم المبدعين العرب، ويشرّفها أن تكرّم شخصيات عربية مرموقة أسهمت في إثراء الوطن، عبر مسيرة مليئة بالعطاءات المتميّزة، وأن تكرّم أيضاً، لمناسبة ذكرى تأسيس جامعة الدول العربية السبعين، روّاد العمل العربي المشترك، الأمناء العامين لجامعة الدول العربية». ثم ألقى الأمير بندر بن خالد الفيصل كلمة، ثمّن فيها «مشاركة الجميع في تكريم نُخبةٍ من فرسان الإبداع، لقاء ما بذلوه من جهودٍ مخلصة وإبداعاتٍ مُتميّزة في خدمة الوطن ورُقيّ الأمّة العربيّة»، مشيراً إلى أن جوائز مؤسّسة الفكر العربيّ للإبداع انطلقت من المؤتمر السنويّ الأوّل في القاهرة سنة 2002، من أجل تحقيق هدفين متلازمين هما: تكريم المبدعين، وتحفيزُ الموهوبين. وأشار إلى أن الجائزة اليوم تبادر إلى تكريم روّاد العمل العربيّ المشترك في الذكرى السبعين لقيام جامعة الدول العربيّة، ولا تزال الجائزة تطمح إلى المزيد من تفعيل أهدافها لخدمة الأمّة العربيّة. وقدّم الأمير خالد الفيصل الدروع التكريمية للفائزين بجائزة «مسيرة عطاء» وهما الرئيس عدلي منصور، والشيخ سيف بن زايد آل نهيان. كما سلّم دروعاً تقديرية لروّاد العمل العربي المشترك الأمناء العامين لجامعة الدول العربية وهم: نبيل العربي، وعمرو موسى، والشاذلي القليبي ممثّلاً بالأمين العام المساعد عبداللطيف عبيد. ثمّ كرّم الأمير خالد الفائزين بجوائز الإبداع العربي بفروعها السبعة، وفاز بجائزة الإبداع العلمي الدكتور صلاح صبري أحمد عبيّة (جمهوريّة مصر العربيّة) عن أبحاثه في مجال التكنولوجيّات النانوفوتونيّة المبتَكَرة ذات التطبيقات الصديقة للبيئة. وفاز بجائزة الإبداع التقني البروفسور ناصر بن محمد العَقيلي (المملكة العربيّة السعوديّة) عن تطويره طلاء بمواصفات مُتميِّزة باستخدام مادّة المطّاط المُسْتَخْلَصة من إطارات السيّارات المُستهلَكة، وفاز بجائزة الإبداع الاقتصادي اتّحاد لجان العمل الزراعيّ (فلسطين) عن برنامج تطوير واستصلاح الأراضي الفلسطينيّة. وفازت بجائزة الإبداع المجتمعي الحملة التوعويّة «ما صحيح» للحدّ من الإشاعات (سلطنة عُمان)، كما فاز بجائزة الإبداع الإعلامي موقع «ريمكس فلسطين» التفاعلي (المملكة الأردنيّة الهاشميّة)، وفازت بجائزة الإبداع الأدبي رؤى بنت عبدالحميد الصغير (تونس) عن روايتها «ذاكرة الرصيف»، ونال جائزة الإبداع الفنّي كتاب «اللحن الثائر» لجمعيّة عِرَب للموسيقى (الجمهوريّة اللبنانيّة). كما فاز بجائزة أهمّ كتاب عربي الدكتور محمد نور الدين أفاية (المملكة المغربية) عن كتابه «في النقد الفلسفي المعاصر: مصادره الغربيّة وتجلّياته العربيّة». وكان المكرّمون ألقوا كلمات في المناسبة، فأشاد منصور بمؤسّسة الفكر العربي «التي تعمل من أجل التنمية الفكرية العربية».
مشاركة :