شكّل «افتح يا سمسم» مدرسة للدوبلاج، وحقق هذا البرنامج نجاحا كبيرا في تعليمه الأطفال اللغة العربية الفصحى بشكل مبسط، وكذلك مسلسل «سندباد» الكرتوني في عام 1974، قبل غزو الدبلجة باللهجات الإعلام. قديما، كانت رسوم الكرتون الموجهة إلى الأطفال مصدرا من مصادر التعلم اللغوي الذي يضيف إليهم جملا وعبارات فصيحة؛ حيث لم نكن نتعجب حين يقول طفل: «ماذا دهاك؟» أو «اغرب عن وجهي»، لكن اليوم، ومع الهجمات الشرسة للدبلجة باللهجات العامية التي غزت عالم أفلام الكرتون أصبح الوضع مختلفا، وخفت وهج الفصحى إلى حد كبير، الأمر الذي يثير تساؤل المهتمين إن كانت هذه البرامج قد أسهمت في تمزيق اللغة العربية الفصحى وتضييق الخناق عليها أم لا. وربما أشهر من سن هذه السنة شركة «ديزني» العالمية التي دبلجت عددا كبيرا من أفلامها الكرتونية إلى العربية باللهجة العامية، ومع كسر الاعتماد على اللغة العربية الفصحى، أخذت المدبجلين العرب العزة بالإثم، فتلونت الشاشة التلفزيونية بلهجات لبنانية ومصرية وخليجية، وأصبح الأطفال أمام أعمال كرتونية بمزيج مختلط من اللهجات والكلمات المغرقة في المحلية. وترى رزان عرقسوس، وهي شابة سعودية تم ابتعاثها إلى إيطاليا لإكمال دراساتها العليا في مجال الفن، وحصلت على درجة الماجستير في تخصص «التصميم»، وبتخصص دقيق في مجال التواصل المرئي والـ«مالتي ميديا»، أن مستوى الدبلجة باللغة العربية الفصحى الموجه إلى الطفل تدنى بشكل كبير جدا خلال السنوات الأخيرة، مشيرة إلى أن ذلك دفعها إلى الخوض في هذا المجال. ورزان عرقسوس واحدة من مجموعة شباب يعملون في استوديو «لايت آند كولور» الذي تم إنشاؤه عام 1996 في روما، وبدأ بالعمل على الأفلام الوثائقية، ومن ثم تحول عمله إلى أفلام الرسوم المتحركة عام 2010. وترى رزان عرقسوس أن «لغة الجيل الجديد العربية الفصيحة تقريبا في طور الانتهاء، وقد لاحظت هذا من خلال مشروع الماجستير؛ حيث ارتبط هذا بتغيير الدبلجة في أفلام الرسوم المتحركة بعد عام 2000 تقريبا، وظهور مسلسلات جديدة مدبلجة باللهجات أو بالدمج بين العامية والفصيحة، وبالتالي أردت التركيز كثيرا على تنمية اللغة الصحيحة لدى الأطفال، فاخترت أن تكون الشخصيتان عربيتين، ولا ينتميان إلى دولة معينة أو حتى دين معين، أما بالنسبة إلى الاسم فقد اختير بعد عمل استطلاع بسيط لأصدقائي في وسائل التواصل الاجتماعي». وتتابع: «كان مشروع تخرجي عن ثقافة أفلام الكرتون في المجتمع السعودي، وناقشت فيه 11 مسلسلا كرتونيا - ما بين جيل الثمانينات والتسعينات إلى الألفية الجديدة - من عدة نواحٍ مثل الألفاظ المستخدمة في الحلقات، اللغة العربية والدبلجة، مستوى المشاغبة والأفعال السيئة». وتعتقد عرقسوس أن كلاسيكيات أفلام الكرتون التي كانت تعرض في التسعينات من القرن الماضي ربما تبدو غير مفهومة لشريحة كبرى من الأطفال حاليا، لكون آذانهم لم تعتد على سماع اللغة العربية الفصحى مثل أقرانهم من الجيل السابق. لكن يبقى السؤال: إلى أي مدى تسهم رسوم الكرتون في إثراء لغة الطفل؟ وهو ما تجيب عنه فاطمة الجهني، وهي معلمة لغة عربية للمرحلة الابتدائية، بقولها: «الأطفال يقضون ساعات مطولة أمام برامج الكرتون، مما يمنحهم قدرة تعبيرية من واقع ما يسمعونه ويحسونه في هذه البرامج، وإن كنا نتحدث عن الدبلجة بالعربية الفصحى، فبالتأكيد هي تسهم في زيادة الحصيلة اللغوية للصغار». وتتابع الجهني: «الجيل الحالي مهووس بالتقنية والتواصل الكتابي عبر الشبكات الاجتماعية، والمصيبة أن معظم هذه الكتابات يكون باللهجة العامية، بما تحمله من أخطاء إملائية وكسور لغوية، إلى جانب ما يجده الصغار معروضا على الشاشات من برامج ورسوم كرتونية انفصلت تماما عن الفصحى وغاصت في اللهجة العامية؛ كل ذلك يدك أسوار لغة الضاد ويهدد مستقبلها». يشار إلى أن قناة «الجزيرة للأطفال» وقعت اتفاقية مع شركة «والت ديزني» العالمية، قبل 3 سنوات، لشراء مجموعة من أبرز برامج وأفلام الأطفال، وعرض أعمالها على القناة، وذلك بعد أن تعيد دبلجة بعض الأفلام والمسلسلات إلى اللغة العربية الفصحى، التي اشتهرت سابقا بالدبلجة العامية المصرية، وهي خطوة رآها الخائفون على مستقبل اللغة العربية الفصحى بمثابة طوق النجاة الذي ينقذ الفصحى من الانتشار الواسع للدبلجة باللهجات العامية. وعند الحديث عن الدبلجة، فلا يفوت التذكير بأن هذا المصطلح ليس عربيا، فقد تم استلاف المصطلح من كلمة «دوبلاج» الفرنسية، وهي تشير إلى تسجيل أو استبدال الأصوات في فيلم أو مسلسل في مرحلة ما بعد الإنتاج، وعلى الرغم من أن الدبلجة تقترن بإحلال لغة محل أخرى صوتيا فإنها تعني من جملة ما تعني إحلال صوت محل آخر من اللغة نفسها، للحصول على أداء أكثر إقناعا أو ذي نكهة تعبيرية مميزة. وحول استعمال اللغة الفصحى في أعمال الأطفال، تقفز تجربة العمل الخليجي المعرب «افتح يا سمسم»، الذي شكل مدرسة للدبلجة باللغة العربية الفصحى، في اختيار اللهجة التي ينبغي أن يدبلج بها القسم الغربي من البرنامج، وحقق هذا البرنامج نجاحا كبيرا كان مردوده على الأطفال واللغة العربية كبيرا جدا خلال فترات عرضه. وعند الوقوف على أبرز تجارب الدبلجة العربية الموجهة إلى الأطفال، لا يمكن تجاهل مسلسل «سندباد» الكرتوني، الذي يعتقد أنه أول عمل تلفزيوني كرتوني بالمعنى التقني والفني للدبلجة، وذلك في عام 1974. وقد حقق نجاحا كبيرا جدا في السبعينات من القرن الماضي، ثم انطلق بعده عدد كبير من الرسوم الكرتونية المدبلجة للغة العربية الفصحى، التي شهدت أوج ازدهارها في الثمانينات حتى منتصف التسعينات، إلى أن بدأ غزو اللهجات العامية بشكل تدريجي، واستمر بصورة أكبر حتى وقتنا هذا.
مشاركة :