@SaudAlgosaibiكلنا نعيش على هذه الأرض إلا أنه ليس لدينا آلة زمن لتعرف كيف وصلنا وما كان فعل الأجداد ومعيشتهم وكيف أثرت معطيات زمنهم على وقتنا الحالي. فهو جزء من تراثنا وثقافتنا والتي امتدت وعبر آلاف السنين أيا كان المعتقد وأيا كانت تلك الهوية. وكلنا نسمع عن العرب البائدة إلا أننا بذات الوقت لا نعلم من هم إلا أنهم وبلا شك جزء من نسيج تاريخنا القديم بتقاليده وعاداته وقصصه. وتلك المدافن بالظهران من أهميتها أنها تعبر عن أحد أقدم ذكر للعرب، والحديث فيها لا سيما من المحافظة عليها هو تأصيل للهوية العربية وتاريخها القديم والذي يسبق حتى عصر بناء أهرامات مصر وبرج بابل.إلا أننا تعودنا وربما من واقع الفضول أو التنمية أن نطمس كل أثر قديم أو من نعتدي عليه وهو تقليد ليس عندنا بحسب بل بكل أنحاء الأرض. فهو إما من هواية أو من طمع في مال أو من مد سكاني وتخطيط عمراني. ومقابر الظهران أحد أبرز دلالات الاستيطان البشري في المنطقة الشرقية وهو نداء للمحافظة على إرث وطني قومي لا نتمنى أن يزول كما في المنطقة غيره.مقابر الظهران اكتشفت سنة 1940 م من قبل أحد علماء الآثار إلا أنه بسبب أعمال النفط وما تلاها من مد حضري لمنطقة الظهران والخبر المجاورة لها، كما في عين السيح تلاشت أغلب معالمها وذهب جزء منها وإلى غير رجعة. ودعوني هنا أتوقف لأسرد ملخصا بعض ما جاء في أهم مجلة للآثار في المنطقة «أطلال» في عددها الثامن الصادر سنة 1984 م من الإدارة العامة للآثار والمتاحف بوزارة المعارف السعودية عن تلك المدافن والمعثورات فيها.ذكر التقرير أن هناك آلاف المدافن والتي كانت في مواقع أعمال شركة الزيت العربية الأمريكية من الظهران والتي دمرت بفعل نشاطاتها. كما ذكر التقرير أن تلك المدافن كانت تصل وإلى منطقة عين السيح (العزيزية) من مدينة الخبر. ويحدد التقرير أن منطقة المدافن تمتد على مساحة 16 كيلو مترا مربعا منها ما شق عليه طرق. وأقف هنا لذكر أن جزءا كبيرا من منطقة عين السيح الواردة بالتقرير استخدم رملها في البناء من قبل مقاولي تلك الفترة وهي الآن منطقة عامرة بها العديد من المخططات السكنية. كما أود أن أنوه أن بتلك الفترة لم تكن هناك أنظمة رادعة تحمي الآثار كما هو حال اليوم. كذلك أن الفكر الخاص لتطوير المواقع الأثرية ومن استغلال سياحي لها لم يكن موجودا كما نشاهده اليوم ومن خلال مشاريع عملاقة أيضا.ويتابع التقرير أن في عام 1975م قامت الإدارة العامة للآثار والمتاحف بمعاينة مستوطنات الألف الثالث قبل الميلاد بالمنطقة الشرقية، وحددت عدد 8750 مدفنا عثر عليها بالظهران منتشرة على مساحة بلغت كيلو ونصف متر مربع أو 250 هكتار. ويشير التقرير بالإضافة أن وجدت آثارا عبيدية أقدم منها بالشمال الشرقي من مدينة الخبر من الخبر وفي جنوب الغربي وكذلك غرب عين السيح من مدينة الخبر وأشار التقرير أن الأخير هو الأحدث منها.من المعثورات أثناء التنقيب في الظهران عثر على قبور في اتجاه الغرب وأوانٍ حجرية وجرار. كذلك وجدت أوعية مزخرفة بخطوط وأوانٍ عديدة. كذلك عثر على أدوات برونزية ونحاس. وأيضا من المعثورات علي قشر بيض النعام وسلال طليت بالقار. كما عثر بالموقع على قطعة عاج من ناب فيل وحجر العقيق المزين وخواتم وأسوار وأقراط بالإضافة إلى أختام متنوعة. ويفيد التقرير أن أغلب المعثورات في المدافن عمرها بين 2800 إلى 1400 سنة قبل الميلاد، أي أن أغلبها يعود إلى 4600 سنة مضت وأن أقدمها عمرا يأتي بالقرب منها بعين السيح ومواقع أخرى بالخبر من الحضارة العبيدية ويزيد عن ذاك التاريخ. واختتم التقرير بموجز عن تتابع الحضارات بالساحل الشرقي من حضارة ديلمون وبابل وآخر من خلال المعثورات والى عهود إسلامية.إن العلم يبدأ من حيث الاكتشاف، ونتمنى يوما من الأيام نقف ونشاهد معالم تلك المدينة العربية من الظهران بعد أن علمنا عن المدافن والتي خلفت آثارها بين الرمال ولا تزال تنتظر مدافنها الاكتشاف.
مشاركة :