استعرضت دراسة حديثة، أصدرها مركز «تريندز للبحوث والاستشارات»، تحت عنوان: «دلالاتُ ومضامين نتائج الانتخابات الفرنسية»، مجموعة من دلالات نتائج الانتخابات الفرنسية، منها أنّ نجاح الرئيس إيمانويل ماكرون في تأمين فترة رئاسية ثانية تُعدّ المرة الأولى لرئيس قائم منذ العام 2002، وهي المرة الأولى التي يُعاد فيها انتخاب رئيس منتهية ولايته في ظل بلد منقسم دون أن يكون رئيس حكومته من حزبٍ مختلف، منذ بدء اختيار رئيس الجمهورية الفرنسية بالاقتراع العام المباشر في 1962. كما يعكس انتصار ماكرون إدارته الفعّالة لأزمة جائحة «كوفيد-19»، وإنعاشه للاقتصاد، وبراعته السياسية في احتلال مركز الوسط بالكامل في السياسة الفرنسية. وبينت الدراسة، التي أعدتها عائشة الرميثي الباحثة الرئيسة في إدارة الدراسات الاستراتيجية، أن نتائج الانتخابات الفرنسية كشفت عن مجتمع منقسم، إذ إن خريطة ما بعد الانتخابات أظهرت تفاوتات إقليمية صارخة، حيث تمتع ماكرون بالتأييد بصورةٍ كبيرة في باريس، والغرب، والجنوب الغربي، ووسط البلاد، بينما حازت زعيمة حزب «التجمع الوطني» ماريان لوبان على تأييد الناخبين في المعاقل الصناعية بشمالي البلاد، والجنوب المتوسطي، وأقاليم ما وراء البحار. تصويت عقابي ولفتت الدراسة إلى أن غالبية أصوات البر الرئيس ذهبت إلى ماكرون، فيما حصلت لوبان على معظم أصوات أقاليم ما وراء البحار «جزر الكاريبي الرئيسة، وجزر المحيط الهندي، وجويانا الفرنسية»، ولم يحصل، في المقابل، ماكرون سوى على غالبية الأصوات في جزر المحيط الهادي. ويمكن وصف هذا النمط من التصويت للوبان بأنه تصويت عقابي، ويُضعف الرؤية العالمية التي تتضمنها سياسة ماكرون، فمن الواضح أنّ المراكز الحضرية الكبرى، وأبناء الطبقة المتوسطة العُليا، وكبار السن صوتوا لمصلحة ماكرون، بينما مجموعات الدخل الأقل بأغلبية ساحقة صوتوا لمصلحة لوبان، ولكن سيكون من الخطأ تصور انقسام البلاد بين مناطق حضرية تؤيد ماكرون ومناطق ريفية تؤيد لوبان، فالانقسامات الأكبر في المجتمع هي انقسامات جيلية واجتماعية. تطبيع اليمين المتطرف وأكدت الدراسة أن الانتخابات الفرنسية كشفت عن اتجاه متزايد لتطبيع اليمين المتطرف في فرنسا، ورغم أنّ ظاهرة تطبيع اليمين المتطرف هي ظاهرةٌ أوروبية بل وعالمية، إلا أن الحالة الفرنسية معبرة في هذا الخصوص، حيث يتزايد التأييد الانتخابي لتيار اليمين المتطرف، ويتم تبني آرائه ولاسيما المتعلقة بوضع الإسلام والمسلمين في فرنسا من جانب حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون. كما أن الجولة الأولى من الانتخابات أظهرت وجود استياء عارم من السياسات التي اتبعها ماكرون طيلة السنوات الماضية، إذ دعم أكثر من نصف الناخبين مرشحين ينتمون لأقصى اليمين أو أقصى اليسار. وأوضحت أن الصراع بين تيار اليمين المتطرف وكتلة يمين الوسط لم ينتهي بفوز ماكرون بالرئاسة الفرنسية؛ ذلك أنّ الجولة المقبلة في الانتخابات التشريعية يونيو 2022 سوف تكون حاسمة بالنسبة لمآلات هذا الصراع، ولجهة تطبيع اليمين المتطرف وقدرة تيار ماكرون على قيادة فرنسا في السنوات المقبلة، حيث إن الانتخابات البرلمانية المقبلة سوف تُحدد تركيبة الحكومة التي سيعتمد عليها الرئيس ماكرون في خطط الإصلاح، خاصةً وأن لوبان اعتبرت أن ما حصدته من أصوات في الانتخابات الرئاسية يشكل «انتصاراً مدوياً»، وتعبيراً من جانب الفرنسيين عن رغبة في إقامة سلطة قوية مضادة لماكرون. تقوية الاتحاد الأوروبي وذكرت الدراسة أن اختيار غالبية الناخبين لإيمانويل ماكرون يعني رفضهم لمرشح يحمل اتجاهاً عدائياً للناتو والولايات المتحدة ولتيار مشكك في جدوى الاتحاد الأوروبي. كما أنّ فوز ماكرون يُسهم في دعم وحدة التحالف الغربي في مواجهة روسيا في الحرب الأوكرانية، وتقوية تجربة الاتحاد الأوروبي التي يقوم محركها على التزام فرنسي-ألماني مشترك. كما تبين أن الانقسام المجتمعي والسياسي في الداخل الفرنسي الذّي أبانت عنه الحملات الانتخابية ونتائج الانتخابات سيؤثر على نمط السياسة الخارجية الفرنسية، ومن المتوقع أن تكون غير متماسكة وضعيفة مما سيؤثر على دور باريس تجاه حلفائها أو خصومها.
مشاركة :