جبهة المعارضة التونسية لـ"الخلاص الوطني" تحتاج إلى خلاص

  • 5/4/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يكثر الحديث في تونس هذه الأيام، عن تحولات وشيكة من شأنها دفع التصعيد السياسي الراهن بين الرئيس قيس سعيد وخصومه، إلى درجة يُنتظر أن تحتدم فيها المواقف والمزايدات التي قد تحيد عن المسار الطبيعي لتطور الأحداث، وتركيبة المعادلات التي تحكم المشهد العام في البلاد. ويبني الكثيرون هذا الحديث، الذي ترافق مع سيل لا ينتهي من الاستنتاجات والتقديرات، على حدثين اثنين مازالا يُسيطران على الوضع السياسي وسط ضجيج لا يهدأ من الأصوات الصاخبة التي طغت فيها المبالغات القائمة في جزء كبير منها على افتراضات فاقدة لأركان الموضوعية. ويتعلق الحدث الأول بإعلان خصوم الرئيس سعيد عن تشكيل “جبهة الخلاص الوطني”، خلال مؤتمر صحافي تحدث فيه أحمد نجيب الشابي، رئيس الهيئة السياسية لحزب الأمل، الذي سعى للنفخ في تركيبة هذه الجبهة، وتضخيم أهدافها دون أن يأخذ بعين الاعتبار حقيقة موازين القوى وتوازناتها. والحدث الثاني، مرتبط بالأول، وهو يتعلق برد الرئيس سعيد على هذه الجبهة، حيث اختار استحضار اللاءات الثلاث الشهيرة لقمة الخرطوم العربية “لا صلح لا اعتراف لا تفاوض”، في موقف بدا مسنودا بفائض من القوة المستمدة من الدعم الشعبي الذي مازال يحظى به. وفي مؤتمره الصحافي الذي تضمن رسائل لا تخلو من الاستفزاز لسياسة الرئيس سعيد، أعلن الشابي الأسبوع الماضي، عن تأسيس جبهة حزبية وسياسية تحت اسم “جبهة الخلاص الوطني”، بهدف “إنقاذ البلاد وإخراجها من الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها”. وقال إن هذه الجبهة تضم في صفوفها خمسة أحزاب هي حركة النهضة الإسلامية، وحزب قلب تونس، وائتلاف الكرامة، وحراك تونس الإرادة، وحزب الأمل، وخمسة من مكونات المجتمع المدني، هي مواطنون ضد الانقلاب، واللقاء الوطني للإنقاذ، وتوانسة من أجل الديمقراطية، ومبادرة اللقاء من أجل تونس. تكاد مُجمل القراءات تُقر بأن راشد الغنوشي سيعمل على تحويل وجهة هذه الجبهة نحو مربعات أخرى، مُنفصلة تماما عن أهدافها المُعلنة وأضاف أن الجبهة تهدف أيضا إلى “توحيد القوى وحشدها لسد الفراغ السياسي الموجود الآن لخلق قوة توازن للدفع نحو عقد حوار وطني عبر تقديم حلول عقلانية نابعة من توافق وطني تونسي عريض للخروج من الأزمة المركبة والمتراكمة”، على حد تعبيره. وأوضح بلغة تخللها استفزاز لا يأخذ بعين الاعتبار نتائج وتداعيات ذلك، أن هذه الجبهة تهدف إلى “إنقاذ تونس من الدمار والتفكك من خلال إعطاء الأولوية للإنقاذ الاقتصادي المستعجل ووضع خارطة طريق تونسية تشاركية بديلا عن الخارطة الأحادية “. ويقصد بالخارطة الأحادية، خارطة الطريق التي أعلنها في وقت سابق الرئيس سعيد، ليتجلى بذلك الاستفزاز الذي استدعى أن يُقابله استفزاز مماثل عبّر عنه قيس سعيد من خلال مسارعته إلى الرد على هذه الجبهة بمفردات فيها الكثير من التحدي من خارج القاموس السياسي التونسي. وعمد في هذا الصدد، إلى العودة إلى مخرجات قمة الخرطوم العربية التي عُقدت في أغسطس من العام 1967، ليقتبس منها لاءاتها الثلاث الشهيرة، حتى يقطع بذلك الطريق أمام خصومه الذين مازالوا يُراهنون على إمكانية تحقيق ثغرة أو ثغرات يتسللون منها لتغيير المشهد. وأكد سعيد في تحديه الذي عبر عنه بحضور وزير الداخلية، توفيق شرف الدين، وقادة أركان الجيوش الثلاثة، أنه “لن يتصالح أو يعترف أو يتفاوض إلا مع من يقبل بإرادة الشعب”، وذلك في تصعيد سياسي غير مسبوق جاء بعد يومين فقط من الإعلان عن تشكيل “جبهة الخلاص الوطني”. وقال بصوت عال ”.. لا صلح ولا اعتراف ولا مفاوضات مع أناس لفظهم التاريخ، هذه لاءات ثلاث فليحفظها التاريخ، لن نُفرط في الوطن.. ولا حوار إلا مع الصادقين الشرفاء، ولا اعتراف بمن حملوا السلاح ضد الدولة ومن يُقايض الوطن بالسلطة، ولا مفاوضات إلا مع من يقبل بإرادة الشعب”. ولم يُفاجأ هذا التصعيد، أغلب المُتابعين لخطابات الرئيس سعيد، لكن ما أثار استغرابهم هو لجوء المعارضة إلى حلول لا تخرج عن سياق مقاربات سبق أن عرف مثلها المشهد الحزبي والسياسي خلال السنوات القليلة الماضية، وذلك في عملية استنساخ لتجارب انتهت بالفشل. وهذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها المعارضة التونسية إلى تشكيل مثل هذه الجبهات والائتلافات الحزبية، غير أن الرسالة التي أرادت المعارضة إيصالها هذه المرة، تبدو مغايرة لما سبقها لجهة تركيزها على “وحدة أهدافها” متجاهلة عن قصد خلافاتها السياسية والأيديولوجية. ونحسب أن المعارضة لم تُفلح في تمرير مثل هذه الرسالة، لأنه يصعب تجاوز تلك الخلافات التي تُبقى تماسكها هشا، ما يعني أن الجبهة المُعلن عنها ستكون في حاجة إلى الخلاص والإنقاذ أكثر من غيرها، لأنها وببساطة تحمل في تركيبتها عناصر التفكك والانقسام، وهي بذلك قابلة للانفجار في كل لحظة. جبهة "الخلاص الوطني" ليست سوى فقاعة جديدة من الفقاعات الفارغة التي تلاشى صداها بسرعة والدليل على ذلك، جاء على لسان أحمد نجيب الشابي نفسه الذي بدا عاجزا عن تجاهل حجم التباينات الحادة بين أطراف مكونات هذه الجبهة، حيث لم ينف وجود “تخوفات من الانقسامات، والسقوط في ثقافة التناحر”، على حد قوله، في هذا الوقت الذي تتداخل فيه الحسابات مع الشعارات. وتشير التسريبات لما يتردد داخل الأروقة الخلفية لمكونات هذه الجبهة، إلى أن تلك التخوفات مشروعة، وهي مقترنة بخشية أخرى لا يمكن أن نشيح النظر عنها، مُرتبطة أساسا بالسيناريو الأكثر واقعية الذي قد ينتهي به مصير هذه الجبهة الذي لن يكون أفضل من مصير الجبهات التي سبقتها. وفي سياق هذه التسريبات، يُعتقد على نطاق واسع أن هذا السيناريو له صلة مباشرة بمناورات راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية الذي يسعى من خلالها لتحويل هذه الجبهة إلى مجرد واجهة جديدة له لتوظيفها في وقت لاحق لصالح مخططاته الإخوانية. وتكاد مُجمل القراءات التي تناولت هذا السيناريو تُقر بأن راشد الغنوشي الذي طالما مارس مثل هذه المناورات على أرضية الخداع والمكر السياسي، سيعمل على تحويل وجهة هذه الجبهة نحو مربعات أخرى، مُنفصلة تماما عن أهدافها المُعلنة، حتى يتسنّى له تحريك المشهد بما يُساعده على التموقع من جديد. ولعل هذا الإقرار الذي تُجمع عليه غالبية القوى الفاعلة في البلاد التي ترى أن الغنوشي كثّف في الآونة الأخيرة من حضوره الإعلامي، يُعد واحدا من عدة أسباب دفعت الاتحاد العام التونسي للشغل إلى أخذ مسافة واسعة عن هذه الجبهة، وذلك في موقف تجاوز فيه النأي بالنفس إلى الرفض القاطع لها. وتجلى هذا الموقف بكل وضوح في تصريحات لأمينه العام، نورالدين الطبوبي، أكد فيها أن “جبهة الخلاص الوطني” المُعلن عنها “تُلزم أصحابها، والاتحاد العام التونسي للشغل لن يكون مع من يتسلق المواقع بحثا عن التموقع، وهو ضد من يظهرون في كل مرة في نسخة جديدة وبألوان جديدة”. وذهب في هذه التصريحات إلى اتهام مكونات هذه الجبهة بـ”التملق لحركة النهضة للاستفادة مما تبقى لها من شعبية للتموقع في المرحلة القادمة”، مُعتبرا في نفس الوقت أن “فشل هذه الجبهة مُعلن من تركيبتها التي تضم مكونات حزبية تُواجه نفورا كبيرا من الشعب”. وعلى هذا الأساس، تبدو المسألة هنا غير مرتبطة بصعوبة التسويق لهذه الجبهة التي تؤكد التطورات المُحيطة بها أنها ليست سوى فقاعة جديدة من الفقاعات الفارغة التي تلاشى صداها بسرعة، بمقدر ما تتصل بسلسلة الخيارات المتاحة لكسب الرهان في نهاية المطاف حتى لا يعود المشهد في البلاد إلى حيث كانت نقطة البداية.

مشاركة :