سجّل قطاع السلع الأساسية شهراً جديداً من المكاسب خلال أبريل 2022، مع تحقيق مؤشر بلومبيرج للسلع الفورية، المختص في متابعة العقود الآجلة لـ23 من أبرز السلع الأساسية، للمكاسب المستمرة للشهر الخامس على التوالي والوصول إلى مستويات قياسية جديدة. وقال أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع لدى ساكسو بنك، لقد تركّزت هذه المكاسب في قطاعات الزراعة والطاقة، مع تراجع أداء المعادن الصناعية والثمينة على خلفية تمديد العمل بتدابير الإغلاق في الصين وآثارها السلبية على معدلات النمو والطلب، فضلاً عن المخاوف الناجمة عن دور التوالي السريع لزيادات أسعار الفائدة في الولايات المتحدة في إضعاف الآفاق الاقتصادية، التي لا تبدو مبشرة بالفعل، وإلى جانب ذلك، وصل الدولار الأمريكي لأعلى مستوياته منذ عدة أعوام مقابل العديد من العملات الأخرى، وأبرزها تحقيق أعلى مستويات مقابل الين الياباني منذ عقدين وأعلى قيمة مقابل اليورو منذ خمسة أعوام. وكان أحد أبرز المستثمرين في هونغ كونغ قد وصف الوضع الحالي في الصين على أنّه الأسوأ منذ ثلاثة عقود، لا سيما في ضوء ما تُسببه السياسات للوصول إلى «صفر إصابات بكوفيد - 19»، التي اعتمدتها بكين وتزداد شدة يوماً بعد يوم، من تباطئ في النمو وزيادة لمعدلات الاستياء في أوساط السُكّان. وكنتيجة لذلك، تشهد سلاسل التوريد العالمية مجموعة جديدة من التحديات مع تزايد حالات التكدس في الموانئ الصينية، بينما يتراجع الطلب على السلع الأساسية، بدءاً من النفط الخام ووصولاً إلى المعادن الصناعية، بشكل ملحوظ. وبرغم شُح التفاصيل المتوفرة في هذا الصدد، استجاب المكتب السياسي في الصين يوم الجمعة لهذه المخاوف المتزايدة بإطلاق وعود بشأن تعزيز الحوافز الاقتصادية للارتقاء بمعدلات النمو. وأشار الرئيس الصيني شي في بداية الأسبوع الجاري إلى أنّ البنية التحتية تُشكل أحد أبرز مجالات التركيز، منوهاً إلى أنّها ستكون مصدراً رئيسياً لزيادة الطلب على المعادن الصناعية في حال تنفيذها، ويُعزز هذا من رأينا بشأن قُرب انتهاء المنحى التنازلي هذا في ضوء التراجع الأخير في الأسواق. ومن جانبه، كان الذهب في طريقه لتسجيل أول خسائره الشهرية على مدى ثلاثة أشهر، في خطوة تُعزى في المقام الأول إلى التشديد الكبير المتوقع في سياسات الاحتياطي الفدرالي وقوة الدولار الأمريكي. وتصدّر الفضة هذا التراجع بتسجيل هبوط لأدنى مستوياته على مدى شهرين ونصف لحوالي 23 دولارا للأونصة، مدفوعاً بالضعف المرتبط بالصين عبر جميع مفاصل قطاع المعادن الصناعية. ويأتي هذا بعد أن تجاوزت نسبة أسعار الذهب إلى الفضة عتبة المقاومة عند 80 أونصة من الفضة مقابل أونصة واحدة من الذهب. ومن شأن التركيز المتجدد على مبادرات التحفيز الصينية، كما ذُكر أعلاه، أن يُسهم في استقرار أداء الفضة ويحد بالتالي من آثاره السلبية على الذهب. الذهب والنحاس ويضيف هانسن، «نميل إلى التركيز أساساً على الذهب المُتداول بالدولار؛ وقد نجح زوج الذهب - الدولار الأمريكي، بحسب الجدول الوارد أدناه، في التعويض عن 5.5 % «فقط» من قيمته للعام الجاري. ولكننا سنكون أمام صورة أفضل في حال أضفنا إليه أداء مؤشر ستانرد آند بورز 500 والسندات الأمريكية ذات آجال الاستحقاق الطويلة. وكانت تداولات الذهب بالدولار قد تفوقت من حيث الأداء على هذين القطاعين الاستثماريين الرئيسيين بواقع +15 % و+23 % منذ بداية العام، وأمّا بالنظر إلى تداولات الذهب العملات الأخرى، يبدو الأداء أفضل بكثير نظراً لأثر الدولار القوي.، ونجح المستثمرون في أوروبا، لا سيما أولئك الباحثين عن ملاذ آمن في خضم ارتفاع التضخم والتدهور الحاد في التوقعات الاقتصادية، في تحقيق عائدات أفضل بنسبة 24 % و+21 % في تعاملات الذهب بالمقارنة مع مؤشر يورو ستوكس 50 وسندات اليورو الحكومية. ونؤكد على توقعاتنا الإيجابية بالنسبة للذهب، مستندين بذلك على ضرورة التنويع بعيداً عن الأسهم والسندات المتقلبة وتحوّل التضخم إلى جزء لا يـتجزأ من المشهد، فضلاً عن المخاوف الجيوسياسية المستمرة. وبعد نجاحه في إيجاد الدعم عند مستوى 1875 دولار للأونصة خلال الأسبوع الجاري، فإنّ إغلاق التداولات أسبوعياً بما يتجاوز 1920 دولار للأونصة قد يُسفر عن تجدد الاتجاه التصاعدي مدفوعاً بالزخم الجديد وعمليات الشراء الفني. وأنهى النحاس اتجاهه التصاعدي منذ أدنى المستويات المسجلة في عام 2020، ما أسفر عن تراجع لما يقرُب من أدنى مستوياته خلال ثلاثة أشهر عند حوالي 4.40 دولارات للرطل، قبل أن يتحسن الاتجاه العام مدفوعاً بتعهدات الصين بالعمل لتحقيق أهدافها للنمو عند 5.5 %، علماً أنّ أداء الاقتصاد الصيني ما زال أدنى من هذا المعدل بشكل ملحوظ، ونرى أنّ التوقعات الاقتصادية ما زالت داعمة للأسعار برغم تدهور التوقعات على المدى القصير وارتفاع المخزونات في المستودعات الخاضعة لرقابة سوق الصرف خلال الأسابيع الأربعة الماضية. ويُرجّح أن تُسهم المطالبات بعزل روسيا من خلال الحد من الاعتماد على صادرتها من النفط والغاز إلى تسريع مساعي تحوّل العالم إلى الطاقة الكهربائية، وهي مهمة تتطلب توافر كميات كبيرة من النحاس لتتحقق. وإلى جانب ذلك، تباطأ الإنتاج في تشيلي، التي تُنتج 25 % من النحاس في العالم، خلال الأشهر القليلة الماضية؛ وفي ضوء الطابع المعارض لأنشطة التعدين في الحكومة المنتخبة حديثاً، بات من الصعب الحفاظ على مستويات الإنتاج الحالية أو حتى زيادتها. وفي جانب الزراعة، وصلت العقود الآجلة لزيت فول الصويا في شيكاغو إلى مستويات قياسية حيث أدى الحظر الشامل الذي تفرضه إندونيسيا على صادرات زيت النخيل وتقنين زيت عباد الشمس في المتاجر الكبرى في أوروبا إلى زيادة الإمدادات العالمية من زيوت الطعام، وستبقى القيود على تصدير زيت النخيل المُستخدم في كُلّ شيء، بدءاً من الطبخ وصولاً إلى مستحضرات التجميل والوقود، لغاية استقرار الأسعار محلياً؛ وبالنظر إلى استهلاك إندونيسيا لحوالي ثُلث إنتاجها، نتوقع استئناف الصادرات بمجرد إعادة مليء المخزون واستقرار الأسعار. وكان قطاع الزيوت الصالحة للأكل، والذي ارتفع بنسبة 56 % خلال العام الماضي بحسب مؤشر أسعار الغذاء التابع للأمم المتحدة، أكثر المتأثرين بالتقلبات المناخية والحرب في أوكرانيا، التي تُعد أضخم مُصدري زيت عباد الشمس في العالم، الأمر الذي يدفع المنتجين إلى اعتماد سياسة التحوّط الغذائي التي قد تدفع الأسعار لمزيد من الارتفاع بشكل عرضي. لجأ المضاربون مؤخراً إلى زيادة استثماراتهم في العقود الآجلة للمحاصيل في الولايات المتحدة إلى مستوى قياسي جديد، علماً أنّ تباطؤ عملية الزراعة وتراجع ظروف المحاصيل تضعنا أمام سيناريو عصيب وداعم للأسعار. وكشفت وزارة الزراعة الأمريكية في تحديثها الأسبوعي الأخير، الذي يصدر يوم الاثنين من كُلّ أسبوع، عن تحقيق أنشطة زراعة الذرة لتقدم بنسبة 3 %، لتصل نسبة الاستكمال فيه إلى 7 %، في أبطأ وتيرة يُسجّلها القطاع منذ قرابة العقد متأخراً عن النسبة المسجلة في العام الماضي عند 17 %. وتراجع القمح الشتوي، المصنف جيد - ممتاز، بواقع 3 % إلى 27 %، ليكون الأقرب من نوعه إلى أسوأ المستويات المُسجلة على الإطلاق. وتُعزى التأخيرات والظروف الأخرى المؤثرة في مواعيد الزراعة إلى الطقس شديد البرودة والرطوبة أو لمزيج بينهما. وتبرز ضرورة حصاد محاصيل كبيرة من الحبوب هذا العام في أمريكا الشمالية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي أسهم في تراجع الشحنات الواردة عبر البحر الأسود، والتي تُشكل 25 % من صادرات القمح العالمية، بينما تزداد الشكوك حول قدرة أوكرانيا على إنتاج المحاصيل هذا العام.
مشاركة :