في ظل احتياطات الغاز والنفط الكبيرة في الجزائر، يدور الحديث عن الدور الذي يمكن أن تلعبه في تأمين إمدادات الطاقة لأوروبا. بيد أن خبراء يؤكدون على أهمية التوقيت وإيجاد رؤية أشمل لتعزيز التعاون بين أوروبا وشمال أفريقيا. يجب توفير البنية التحتية والاستثمارات اللازمة لتطوير حقول النفط والغاز في شمال أفريقيا لزيادة الانتاج والتصدير إلى أوروبا مع عزم الاتحاد الأوروبي تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الغاز والنفط الروسي، تبرز منطقة البحر المتوسط كأحد أهم المناطق التي قد تساهم في تعزيز أمن الطاقة لأوروبا، خاصة الجانب الجنوبي من البحر المتوسط الذي يذخر باحتياطيات كبيرة من النفط والغاز، إذ توفر الجزائر قرابة 10 بالمائة من واردات الاتحاد الأوروبي. وشهد الشهر المنصرم إبرام شركة النفط والغاز الإيطالية العملاقة "إيني" صفقات لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من مصر وتوريد كميات إضافية من الغاز الجزائري تصل إلى 9 مليارات متر مكعب سنويا عبر خط الأنابيب العابر للبحر المتوسط. يشار إلى أن مصر والجزائر تمتلكان أكبر احتياطيات مؤكدة من الغاز في منطقة شمال أفريقيا. ويدرك مسؤولو الاتحاد الأوروبي صعوبة وحساسية الاعتماد على دولتين فقط في توفير احتياجات الاتحاد من الغاز، فرغم أن مصر والجزائر محوران هامان في أمن الطاقة الأوروبي، إلا أنهما ليسا الحل السحري الوحيد. "التوقيت" وعند الحديث عن النفط والغاز من منطقة شمال أفريقيا، يجب أن يتطرق النقاش إلى أن حقول الهيدروكربون والبنية التحتية تتطلب أكثر من عام لتطويرها، فيما يُتوقع أن يكون موسم الشتاء القادم شديد الصعوبة بالنسبة لأوروبا. وفي مقابلة مع DW، قال نديم أبيلامة، المسؤول عن برنامج منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وكالة الطاقة الدولية، إن المنطقة "في الوقت الحالي غير قادرة على توفير البديل لواردات الطاقة الروسية بشكل كامل، على الأقل عندما يتعلق الأمر بالنفط والغاز". وأضاف "لكن يمكن (لبلدان منطقة شمال أفريقيا) المساهمة بشكل كبير إذ حقق المنتجون استفادة قصوى من البنى التحتية الحالية مثل محطات الغاز الطبيعي المسال في الجزائر ومصر وأيضا خطوط الأنابيب في الجزائر وليبيا". قضايا إقليمية بدوره، يرى ماركو جيولي، الباحث في كلية بروكسل للحوكمة، أنه في ظل تزايد احتياجات أوروبا للغاز والنفط ، فإن هناك "فرصة معقولة أمام الجزائر للاستفادة من التنافس الأوروبي في ضوء ما ستقدمه الدول الأوروبية من تنازلات سياسية واقتصادية ومواقفها بشأن قضية الصحراء الغربية". وأضاف في مقابلة مع DW أنه قد "بدأ ظهور بوارد على ذلك". بيد أن تعزيز العلاقات التي تعود لعقود بين بلدان شمال إفريقيا ودول الاتحاد الأوروبي لن يكون بالأمر السهل. ففي حالة إيطاليا والجزائر، ترجع العلاقات إلى ما قبل نيل الاستقلال، فيما كان أنبوب نقل الغاز "ترانسميد" الذي يضخ الغاز الجزائري إلى السواحل الإيطالية منذ عام 1983 أول خط أنابيب يجري إنشاؤه في المياه العميقة في العالم. واتسمت العلاقات بين البلدين بالقوة بصرف النظر عن حقبة رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني. وقد أثار قرار الجزائر الأخير بتوقيع اتفاق مع إيطاليا، غضب إسبانيا إذ يرى مراقبون أن مواقف مدريد الأخيرة بشأن أزمة الصحراء الغربية كانت سبب الاتفاق. يشار إلى أنه في نوفمبر/ تشرين الثاني، قامت الجزائر بإغلاق أحد خطي الأنابيب اللذين ينقلان الغاز إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، على خلفية التوترات مع المغرب. فيما رأت جهات إسبانية قدرا كبيرا من الانتهازية في موقف إيطاليا الذي استغلت توتر العلاقات بين الجزائر ومدريد. ورغم تباين الرؤى، إلا أن هناك بعدا لا يمكن تجاهله، يتمثل في أن قدرة البلدان المصدرة على اختيار شركائها وضخ المزيد من الغاز في إطار تعاون أوسع قد يشمل مجالي السياسية والتكنولوجيا. وفي مقابلة مع DW، قال فرانسيس غيلز، الباحث البارز في مركز برشلونة للشؤون الدولية، إن "الشركات الإسبانية لا يمكنها منافسة الشركات الإيطالية في تقديم نفس المستوى من المعرفة التقنية في الاستكشاف وإنشاء محطات الغاز الطبيعي المسال ومد خطوط الأنابيب تحت الماء". وأضاف غيلز، الذي عمل في السابق كمراسل لصحيفة "فاينانشيال تايمز" في منطقة شمال إفريقيا، أن فرنسا واليابان والولايات المتحدة لعبت أيضا دورا في صناعة النفط والغاز في الجزائر، مضيفا أن هذه الدول ستمضي قدما في هذا الدور، فيما يمكن أن تكون ألمانيا لاعبا رئيسيا محتملا. وفيما يتعلق بألمانيا، قال غيلز إن برلين لديها سمعة جيدة في الجزائر منذ مساهمتها في مصانع الجرارات والمحركات في سبعينيات القرن الماضي، مضيفا أن الوقت الحالي يوفر فرصة لأن تُقدم ألمانيا والجزائر على "استئناف النقاش بشأن الغاز والطاقة المتجددة". تغييرات جارية ورغم الاهتمام الأوروبي بالجزائر، إلا أن هناك دولا أخرى في منطقة البحر المتوسط باتت أيضا في بؤرة الاهتمام وسط تغييرات كبيرة مع إعادة دمج تركيا – بمساعدة أمريكية - في منظومة الطاقة في المنطقة خلال الأشهر الماضية. فضلا عن الاكتشافات الهامة قبالة سواحل إسرائيل وقبرص ومصر خلال العقد الماضي. وقال نديم أبيلامة، المسؤول عن برنامج منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وكالة الطاقة الدولية، إن الاكتشافات الجديدة أدت إلى "عودة مصر كمصدر هام للغاز الطبيعي". لكنه أشار أيضا إلى أن المصدرين في شرق البحر المتوسط سيتعين عليهم الاعتماد على محطات الغاز الطبيعي المسال، على خلاف المصدرين في غرب البحر المتوسط الذين يمكنهم الاعتماد على خطوط الأنابيب الحالية. ورغم الخلافات السياسية والقضايا المتعلقة بالبنية التحتية، فإن التقارب الثقافي والعلاقات الدبلوماسية طويلة الأمد قد تساعد على تعزيز مساهمة بلدان البحر المتوسط في أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي. إمكانات كبيرة للجزائر وبالتزامن مع مساعي أوروبا للابتعاد عن الغاز الروسي، تبرز الجزائر "كمنقذ" للقارة الأوروبية، حيث تحتل المركز الـ11 عالميا من حيث احتياطات الغاز الطبيعي المؤكدة فضلا عن أنها تأتي في المرتبة الثالثة من حيث احتياطي الغاز الصخري بعد كل من الصين والأرجنتين. ولهذا ترغب الشركات الأمريكية في تعزيز تواجدها في الجزائر والاستفادة من احتياطيات الغاز الصخري، فيما تتطلع ألمانيا إلى مشاريع الطاقة المتجددة حيث جرى تكليف وكالة التنمية الألمانية بالتحقيق في إمكانيات الهيدروجين الأخضر في الجزائر. وفي مقابلة مع DW، قال الناطق باسم الوكالة إنه في "عام 2021 قدمت وكالة التنمية الألمانية دراسة عن إمكانيات توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة المتجددة في الجزائر بحلول عام 2050". وأضاف أن الدراسة أشارت إلى "إمكانية إنتاج الجزائر الكثير من الكهرباء من الطاقة الشمسية اللازمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر". وأشار إلى أن الجزائر أصبحت في وضع جيد أيضا للاستفادة من خبرتها في مجال النفط والغاز وخطوط أنابيب الغاز، ما قد يساعد في نقل الهيدروجين الأخضر بعد إحداث بعض التعديلات الفنية. ويمكن أن تؤدي زيادة استثمارات الاتحاد الأوروبي في المشاريع الخضراء في منطقة البحر المتوسط إلى زيادة إنتاج الكهرباء لصالح الاستخدام المحلي، مما يمهد الطريق أمام تخفيض الاستهلاك المحلي للغاز في هذه الدول لصالح زيادة الصادرات. بيد أن تطوير مصادر الطاقة المتجددة يتطلب استثمارات كبيرة من القطاع الخاص، ما سيشكل ضغطا كبيرا على الجزائر لضمان وجود بيئة استثمارية جذابة بما يشمل تغييرات وإصلاحات تنظيمية لتعزيز تواجد الشركات الأجنبية التي تتخذ من الجزائر مقرا لها. سيرجيو ماتالوتشي / م ع
مشاركة :