سكان «وادي خالد» حائرون بين إطعام أطفالهم أو اصطحابهم إلى الطبيب

  • 5/6/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

مع زيادة مصاعب المجتمعات المهمَلة في لبنان إثر الأزمة، تعمل منظمة أطباء بلا حدود على تأمين التطعيم الروتيني للأطفال في منطقة وادي خالد، التي تعكس أحد أدنى معدلات التحصين في البلاد. تقول (عهد)، وهي تمسك بطفلها البالغ من العمر عاماً واحداً بقوة خوفاً من أن يؤذي نفسه على الشرفة المفتوحة في منزلهم غير المكتمل: «الحقيقة هي أنني يجب أن أختار بين إطعام أطفالي أو أخذهم إلى الطبيب». تعيش (عهد) وعائلتها في وادي خالد، إحدى أكثر المناطق فقراً وإهمالاً في محافظة عكار في شمال لبنان على الحدود مع وسط غرب سورية. إن هذه العائلة هي واحدة من بين العديد من العائلات في وادي خالد التي كانت قبل فترة طويلة من تفاقم الأزمة في لبنان بالكاد تستطيع تأمين الضروريات المعيشية، ونتيجة للوضع المتدهور تضطر الآن إلى تلبية احتياجات أساسية على حساب أخرى. تقول (عهد): «يعمل زوجي أحياناً في الأراضي الزراعية، ودخلنا بالكاد يغطي احتياجاتنا الأساسية من مأكل ومشرب وكهرباء». وتضيف (عهد): «تشعر بالعجز الشديد بسبب عدم قدرتك على تأمين الضروريات الأساسية لأطفالك، مع العلم أن باستطاعة جرعة واحدة من اللقاح تأمين الوقاية طويلة الأمد من المرض لطفلي». لطالما ضم لبنان مجتمعات مكافحة من أجل تأمين لقمة العيش، بعيدة عن الأنظار موجودة في الضواحي شبه المتهدمة، والقرى النائية، وسط تجسيد لبنان بصورة الرفاهية. ويبعد هذا كل البعد عن الواقع والخطاب العام الحالي وسط أزمة البلاد. ينحدر سكان وادي خالد من جذور بدوية، وهوية قبلية، يستمرون في الحفاظ عليها حتى اليوم، وهم لم يحصلوا على الجنسية اللبنانية حتى أواخر التسعينات، بسبب الحوادث التاريخية والسياسية خلال فترة قيام دولة لبنان الكبير عام 1920. ولايزال نحو 1600 ساكن في المنطقة لا يمتلكون إلى الآن الجنسية. يعتمد هذا المجتمع بشكل أساسي على الزراعة، فضلاً عن التجارة بين لبنان وسورية. تقول (عهد): «في أفضل الحالات، يمكن أن يصل الدخل الشهري لعائلتنا إلى نحو 350 ألف ليرة لبنانية، وهو ما يساوي اليوم 24 دولاراً أميركياً بسبب انخفاض قيمة العملة. سأرسم لك صورة أوضح، يبلغ سعر رغيف الخبز اليوم 13 ألف ليرة لبنانية، وهذا السعر في ارتفاع مستمر. في السابق، كانت 10 آلاف ليرة لبنانية تكفي لـتأمين ثلاث وجبات. أما اليوم، بالكاد يمكن أن تكفي لشراء وجبة واحدة. ولهذا، غالباً ما يخلد أطفالي إلى النوم على معدة خاوية». اختيار الطعام على حساب الرعاية الصحية دفعت الاحتياجات المتزايدة للمجتمعات في لبنان الناس إلى إعطاء الأولوية لشراء الطعام، على حساب الوصول إلى الرعاية الصحية، في بلد تنتشر فيه خصخصة الرعاية الطبية بشكل كبير. ولتجنب إنفاق المال، يؤخّر الكثير من الأشخاص طلب الرعاية إلى حين تدهور حالتهم الصحية ووصولها إلى درجة حرجة. وفي هذه المرحلة، يكون قد فات الأوان لاتخاذ تدابير الرعاية الوقائية، وتكون الحاجة إلى العلاج في المستشفى ملحة. يقول رئيس بعثة أطباء بلا حدود في لبنان، مارسيلو فرنانديز: «مع زيادة نسبة الفقراء اللبنانيين، من المرجح أن تُهمل المجتمعات التي تعيش على حافة الفقر الرعاية الوقائية، أو تحاول علاج الأمراض بنفسها». ويضيف فرنانديز «ما نشهده في وادي خالد هو مثال حي على ذلك، والأشخاص الذين يعانون الظروف الهشة هم الأكثر تضرراً». وصول محدود للرعاية وتتسم منطقة وادي خالد، التي تبلغ مساحتها 40 كيلومتراً مربعاً وتضم أكثر من 22 قرية، بوصول محدود إلى الرعاية الصحية الأساسية. فهي تفتقر إلى مراكز رعاية صحية أساسية عامة، ويضطر الناس إلى قطع نحو 40 كيلومتراً للوصول إلى مستشفى عام. علاوة على ذلك، يعاني الناس عوائق أخرى منها كلفة النقل التي تستمر في الإرتفاع. برنامج التطعيم الروتيني يظهر أحد أكثر الأمثلة الملموسة عن الوضع الصحي في وادي خالد من خلال النظر إلى عدد الأطفال الذين لم يتلقوا التطعيم الروتيني، وهذا أمر مقلق للغاية في بلد يعاني من تفشي مرض الحصبة بشكل منتظم، ولايزال يكافح من أجل ضمان عدم ظهور أي إصابات بشلل الأطفال. وتقول في هذا الصدد، رنا حمود، ممرضة تعمل في عيادة أطباء بلا حدود: «لا توجد أرقام رسمية حول نسبة تغطية التحصين في وادي خالد. ولكن يشير عدد الأطفال الذين يصلون إلى عيادتنا من دون تلقي لقاح التهاب الكبدB عند الولادة، إلى انخفاض نسبة تغطية التطعيم الروتيني في المنطقة». وكجزء من تقديم أطباء بلا حدود لأنشطة الرعاية الصحية الأساسية في وادي خالد، تدعم الفرق الطبية برنامج التحصين التابع لوزارة الصحة العامة من خلال توفير التطعيم الروتيني. ونجحت المنظمة منذ عام 2021 في تطعيم أكثر من 5000 طفل بشكل كامل. وتقول (عهد): «بفضل منظمة أطباء بلا حدود تمكن أطفالي من استكمال برنامج التطعيم الروتيني. فبالرغم من إدارة منظمات إنسانية محلية أو دولية المرافق الصحية القليلة المتوافرة في المنطقة، إلّا أن معظمها لا توفر الرعاية الصحية بشكل منتظم». وتتابع: «لا تكمن الصعوبة في غياب العديد من المرافق الصحية فحسب، بل في بُعدها أيضاً. وتعتبر تكاليف النقل باهظة للغاية، حيث أحتاج إلى 10 آلاف ليرة لبنانية في كل مرة أزور فيها العيادة، وهو أمر لا يستطيع الناس تحمّل كلفته هنا». وللمساعدة في حل مشكلة تكاليف النقل وتسهيل الحصول على التطعيمات الروتينية، يزور الأطباء القرى في جميع أنحاء وادي خالد، لإجراء حملات تطعيم أسبوعية. كما تنظم الفرق الطبية للتوعية الصحية، جلسات توعية صحية أسبوعية بغية التصدي للمفاهيم الخاطئة، وتشجيع الناس على تلقي التطعيم الروتيني. «وادي خالد» مثال على الوضع الصحي في لبنان يعد التطعيم من الخدمات الطبية الأساسية التي يضطر اللبنانيون إلى التخلي عنها، بسبب غياب نظام لتقديم الخدمات الصحية بالشكل المناسب، لاسيما في المناطق اللبنانية المهملة. وهذا الوضع يزداد سوءاً مع تفاقم الأزمة اللبنانية. فمنذ عام 2020، أفادت دراسات بأن استخدام لبنان للتطعيم الروتيني قد انخفض بنسبة 31% على المستوى الوطني. ويعود سبب ذلك إلى إجراءات الإقفال المرتبطة بتفشي «كوفيد-19» وحواجز كلفة النقل ونقص التطعيمات في القطاع الخاص، حيث يكافح لبنان لاستيراد الإمدادات الطبية والأدوية. ويقول فرنانديز: «نحن أمام واقعين هنا. أولاً، ستسفر زيادة عدد الأشخاص الذين يتم إدخالهم إلى المستشفيات في حالات كان من الممكن تجنبها من خلال الرعاية الوقائية، عن ضغط إضافي على النظام الصحي المنهار. ثانياً، بالرغم من أن المرضى تمكنوا من تفادي دفع التكاليف لبعض الوقت عن طريق تأخير الحصول على الرعاية الطبية، إلّا أنهم سيجدون أنفسهم في النهاية مجبرين على دفع رسوم الاستشفاء في بلد لا يستطيع فيه معظم الناس تحمل كلفة التأمين الصحي الخاص، فضلاً عن الصندوق الوطني للتأمين الصحي المتفكك بسبب الظروف الراهنة في لبنان». • منذ عام 2020، أفادت دراسات بأن استخدام لبنان للتطعيم الروتيني قد انخفض بنسبة 31% على المستوى الوطني. ويعود سبب ذلك إلى إجراءات الإقفال المرتبطة بتفشي «كوفيد-19»، وحواجز كلفة النقل ونقص التطعيمات في القطاع الخاص، حيث يكافح لبنان لاستيراد الإمدادات الطبية والأدوية. • تتسم منطقة وادي خالد، التي تبلغ مساحتها 40 كيلومتراً مربعاً، وتضم أكثر من 22 قرية، بوصول محدود إلى الرعاية الصحية الأساسية. فهي تفتقر إلى مراكز رعاية صحية أساسية عامة، ويضطر الناس إلى قطع نحو 40 كيلومتراً للوصول إلى مستشفى عام. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news Share طباعة فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App

مشاركة :