يختبر اقتراع المغتربين اللبنانيين، الذي يبدأ الجمعة ويتواصل حتى الأحد، القدرة على التغيير السياسي في لبنان، إذ إن نتائج التصويت تعتبر مؤشرا على توجهات الناخبين في الداخل. ودعا رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي مغتربي بلاده إلى المشاركة بكثافة في الانتخابات النيابية، “لإيصال صوتهم وإحداث التغيير”. ويشهد لبنان في الخامس عشر من مايو الجاري انتخابات نيابية، فيما يتم اقتراع المغتربين في 58 دولة الجمعة والأحد. نجيب ميقاتي: أدعوكم إلى الاقتراع بكثافة لإيصال صوتكم وإحداث التغيير وطالب ميقاتي في بيان المغتربين المسجلين في لوائح الانتخابات والمقدر عددهم بـ220 ألفا، بـ”عدم التقاعس والإقدام على الاقتراع بكثافة لإيصال صوتهم وإحداث التغيير”. وأضاف أن “الانتخابات ستتم بنزاهة وشفافية، ولم يترشح أحد منا للانتخابات كتأكيد إضافي على الحياد”. واعتبر أن “انتخابات المغتربين دليل إضافي على أن لبنان المنتشر لا ينسى لبنان (..) ويجب أن يعبّر عن هذا الاهتمام بوطنه من خلال صندوق الاقتراع”. وتجري الانتخابات في ظل أوضاع سياسية معقدة وأزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة يمر بها لبنان، فاقمها شح السلع الأساسية وفقدان العملة المحلية نحو 90 في المئة من قيمتها. وتتجه أنظار القوى السياسية التقليدية والمنبثقة عن المجتمع المدني نحو انتخابات المغتربين التي تُعقد للمرة الثانية في لبنان بعد دورة انتخابات 2018، نظرا لقدرة أصواتهم على التأثير في نتائج الانتخابات، وهو ما تجلى في الاستقطاب السياسي بين مختلف القوى، إذ يسعى كل منها لجذب أكبر قدر من المغتربين لمصلحته. وتتميز انتخابات المغتربين اللبنانيين في 2022 بالعدد الكبير للمسجلين مقارنة مع 2018، لكن ذلك يعكس تنامي موجة الهجرة في لبنان بعد حراك السابع عشر من أكتوبر 2019 والانهيار الاقتصادي. وتسعى القوى التقليدية لتحويل الاستحقاق الانتخابي إلى معركة وجود سياسية وطائفية ومناطقية وأيديولوجية، ومن جهة أخرى اعتمدت معظم قوى “التغيير” على دعوة الناخبين بالخارج والداخل إلى التصويت ضد أحزاب السلطة الحاكمة التي “هجرتهم وأفقرتهم”. وفي انتخابات 2018 كانت الأحزاب التقليدية تمسك بنسبة عالية بزمام المعركة الانتخابية في الخارج، أما في انتخابات 2022 فقد دخلت قوى جديدة على خط مخاطبة المغتربين. هل تشكل انتخابات لبنان فرصة للتغيير السياسي هل تشكل انتخابات لبنان فرصة للتغيير السياسي ولا تبدو احتمالات حدوث تغيير جذري في المشهد السياسي واردة بالنظر إلى مدى نفاذ الطبقة السياسية الحاكمة في المشهدين الشعبي والانتخابي، وكذلك لكون القوى المعارضة لا تمتلك القوة الكافية التي تؤهلها لإزاحة القوى المتنفذة. ويتوقع مراقبون أن يحدث تغيير طفيف يتمثل في حصول قوى مسيحية، مثل حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع أو حزب الكتائب، على بعض المقاعد الإضافية خصما من التيار الوطني الحر، فضلا عن حصول تحالف حزب الله على بعض مقاعد الطائفة السنية ضمن كتلته النيابية، ووصول بعض الوجوه الجديدة من المستقلين إلى البرلمان، فيما يبقى المشهد العام كما هو تقريبا. ويقول نديم حوري، المدير التنفيذي في “مبادرة الإصلاح العربي”، “ثمة أمل كبير في أن يساعد الشتات في الحد من تمثيل الأحزاب السياسية الطائفية القائمة، من خلال عدم التصويت لها”، مضيفا “بيد أنه لا يُعرف سوى القليل عن التفضيلات السياسية لهذا الشتات”. وفي عام 2018، لم يكن للناخبين اللبنانيين خارج البلاد دور حاسم في تحديد النواب الذين نجحوا في الانتخابات النيابية. إقرأ أيضا لبنان غير قادر على منع اللاجئين السوريين من الهجرة غير النظامية بحرا ويتمثل أحد التحديات التي تواجه تقييم تأثير تصويت المغتربين على نتائج الأحزاب المناهضة للسلطة في عام 2022، في مدى حدوث تغيير في توجه مؤيدي الأحزاب السياسية التقليدية في الشتات. وفي حين قد يكون من المتوقع حدوث تحول في سلوك التصويت في ضوء الوضع الكارثي الذي تشهده البلاد، فإن حجم هذا التغيير غير معروف، لاسيما وأن الديناميات السياسية بين مجتمعات الشتات اللبناني ليست مدروسة بالقدر الكافي، ولم تقم الأحزاب الجديدة المناهضة للسلطة بحملات واسعة النطاق بين مجموعات الشتات. وأفرز الحراك الشعبي في 2019 مجموعات معارضة وأحزابا ناشئة، كما جذب أحزابا تقليدية وحركات انشقت عن المنظومة السياسية على غرار حزب الكتائب. وإن كانت جميعها تطالب بتغيير سياسي، لكنها تتباين في رؤاها وأساليب عملها لتحقيق هذا التغيير، كما في موقفها من قضايا خلافية رئيسية على غرار سلاح حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد. لكن هذه المجموعات بغالبيتها تتفق على أن الانتخابات التشريعية تشكّل ساحة “لمنازلة جديدة في المواجهة المفتوحة” مع الطبقة الحاكمة، وإن كانت تعرف سلفا أن “المواجهة صعبة والأدوات غير متكافئة” لناحية القدرة على تجييش القواعد الشعبية والإعلام والقدرات المادية، وفي ظل قانون انتخابي فصلته القوى السياسية على مقاسها. وتقول الباحثة والأستاذة الجامعية ريما ماجد “واهم من يعتقد أن الدورة الانتخابية ستغير النظام”، في بلد يتحكم بالسلطة فيه “من يملك السلاح والمال والميليشيات”.
مشاركة :