حولت الحكومة الليبية الجديدة مشروع ميزانية هذا العام إلى البرلمان لمناقشته قبل المصادقة عليه وسط ترجيح المحللين صعوبة تنفيذه واقعيا، لأن الحصول على التمويل سيكون من البنك المركزي في طرابلس الذي تديره حكومة عبدالحميد الدبيبة. وعرض وزير التخطيط والمالية أسامة حماد مقترح الميزانية وقام بتسليمه لرئيس الحكومة فتحي باشاغا بعد مناقشته ومناقشة ميزانية مؤسسة النفط تمهيداً لعرضها على مجلس النواب لإقرارها. ونشر مكتب باشاغا الإعلامي في صفحته على فيسبوك الجمعة تفاصيل الميزانية التي بلغ مجموعها 94.8 مليار دينار (19.8 مليار دولار) حيث ستستأثر الأجور وحدها بقرابة نصف المخصصات. وتتضمن الميزانية أربعة أبواب تشمل بند الرواتب بواقع 8.7 مليار دولار، بينما بلغت القيمة المخصصة لنفقات الدعم نحو 5.6 مليار دولار، فيما وصلت قيمة المشروعات وبرامج التنمية وإعادة الإعمار إلى 3.7 مليار دولار، في حين بلغ حجم النفقات التسييرية قرابة 1.8 مليار دولار. وفي بيان مرفق بالميزانية أكدت وزارة التخطيط استعدادها للتعاون والتنسيق مع جميع الأجهزة الرقابية والبنك المركزي لمعالجة أي مشاكل أو عقبات قد تطرأ أثناء تنفيذ الميزانية. كما أكدت التزامها بالتعامل بشفافية في نشر تقارير متابعة تنفيذها بشكل دوري. وتبدو حكومة باشاغا التي منحها البرلمان الثقة خلال مارس الماضي في موقف معقد لأنها لم تتمكن حتى الآن من دخول عاصمة البلاد طرابلس، بسبب رفض حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة تسليم مهامها إلا لحكومة منتخبة. ويدعمها في ذلك المجلس الأعلى للدولة الذي يرى ضرورة تأجيل النظر في تغيير الحكومة إلى حين البت في قاعدة دستورية تفضي إلى إجراء الانتخابات المؤجلة منذ نهاية العام الماضي. ويعتقد المتابعون للشأن الاقتصادي الليبي أنه بسبب وجود الأموال تحت سيطرة محافظ مصرف ليبيا المركزي في طرابلس الصديق الكبير المدعوم من الدبيبة تظل فرضية تعطل صرف الميزانية واردة بشكل كبير حتى مع اعتماد هذه الميزانية من قبل البرلمان. ويرى محللون أن تحقيق ليبيا أهدافها باستعادة نمو الاقتصاد زخمه مرة أخرى سيتطلب المزيد من الاستقرار السياسي وتهيئة كافة الظروف، وخاصة ما يتعلق بتطوير مناخ الأعمال واستئناف قطاع النفط لوتيرة نشاطه بعد أن تعطل في الفترة الماضية. أهم بنود الميزانية ● 8.7 مليار دولار مخصصات الرواتب ● 5.6 مليار دولار مخصصات نفقات الدعم ● 3.7 مليار دولار للمشاريع وبرامج التنمية ● 1.8 مليار دولار حجم النفقات التسييرية ويمثل النفط القوة الدافعة للاقتصاد الليبي حيث يشكل قرابة 96 في المئة من الصادرات، وما يصل إلى نحو 98 في المئة من إيرادات خزينة الدولة. ويهدد شلل قطاع النفط في ليبيا بخسارة البلد الملايين من الدولارات يوميا، وهو ما قد يعمق المشاكل الاقتصادية بشكل أكبر في ظل الانسداد السياسي بين حكومتين الأولى في الشرق بقيادة باشاغا والثانية في طرابلس ويقودها الدبيبة. وتتولى المؤسسة الوطنية للنفط إدارة قطاع النفط والغاز الليبي الذي يدر غالبية إيرادات البلاد، وهي من المؤسسات الرئيسية التي تعتبرها القوى العالمية حيوية للحيلولة دون تعمق الانقسامات في ليبيا. وتمتلك ليبيا أكبر احتياطيات هيدروكربونية في قارة أفريقيا، وهي تضخ حوالي 1.3 مليون برميل يوميا بموجب اتفاق تحالف أوبك+، وتهدف إلى زيادة الإنتاج بين 2 و2.5 مليون برميل في غضون ست سنوات. وكان إنتاج ليبيا 1.6 مليون برميل يوميا قبل اندلاع الحرب الأهلية في 2011، والتي نالت من قطاع النفط وأدت إلى هبوط الإنتاج إلى 100 ألف برميل يوميا في فترة من الفترات. وأعطت تقييمات حديثة للبنك الدولي بشأن الاقتصاد الليبي نظرة أكثر تشاؤما في ظل العراقيل والتحديات التي برزت في الآونة الأخيرة باعتبارها تعطل أي مسار للخروج من الوضع الضبابي الذي يحاصر أي مساع للتنمية المتوقفة منذ أكثر من عقد. وحذر البنك من مواجهة البلد تحديات اقتصادية هائلة نتيجة استمرار تفكك مؤسسات الدولة والصعوبات الاجتماعية مع توتر الأوضاع السياسية بعد فترة وجيزة من توقع صندوق النقد الدولي استمرار ارتفاع الأسعار ومعدل التضخم في البلاد. واعتبر جيسكو هنتشل، المدير الإقليمي للبنك لمنطقة المغرب العربي ومالطا، أن ليبيا تحتاج بشدة إلى مؤسسات موحدة وإدارة جيدة وإرادة سياسية قوية وإصلاحات طال انتظارها. توقعات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن نمو الناتج المحلي الليبي سيبلغ 3.5 في المئة العام الجاري، على أن ينمو ليصل إلى 4.4 في المئة سنة 2023 وتعاني ليبيا منذ سنوات أزمة اقتصادية حادة نتيجة الخلاف السياسي والحروب التي شهدتها، بينما تتعاظم بشكل يومي الأزمة المالية في البلاد والمتمثلة في ندرة السيولة المالية لدى البنوك الحكومية والخاصة نتيجة احتفاظ التجار بأموالهم في خزائنهم في البيوت خوفا من الأوضاع الأمنية أو وقوع حروب جديدة تحجب عنهم أموالهم في البنوك. وتوقع صندوق النقد الدولي الشهر الماضي استمرار ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم في ليبيا هذا العام ليصل إلى نحو 3.7 في المئة، لكنه أكد إمكانية نزوله إلى حدود 2.4 في المئة العام المقبل. وتشير توقعات الصندوق إلى أن نمو الناتج المحلي الليبي سيبلغ 3.5 في المئة العام الجاري، على أن ينمو ليصل إلى 4.4 في المئة سنة 2023 وينزل إلى حدود 3.6 في المئة عام 2027. وأكثر ما يتخوف منه المانحون الدوليون في ظل الوضع الراهن هو أن موثوقية البيانات الليبية، خاصة في ما يتعلق بالحسابات والتوقعات متوسطة الأجل، منخفضة بسبب الحرب وضعف القدرات. وبحسب العديد من التقارير الدولية تسببت الحرب الروسية – الأوكرانية في تفاقم المشاكل الغذائية لدى خمس دول عربية، من بينها ليبيا التي ارتفعت فيها الأسعار بنسبة 30 في المئة. وخلال الأسبوع الأول من الحرب حلقت أسعار القمح والدقيق وازداد معها قلق التجار من انقطاع المخزون واضطروا إلى زيادة الأسعار في السوق المحلية. ووفقا لبرنامج الأغذية العالمي وقبل أزمة أسواق الغذاء الدولية جراء الحرب في أوكرانيا كان نحو 12 في المئة من الليبيين أو 511 ألفا يحتاجون إلى المساعدة في 2022.
مشاركة :