الأسباب الكامنة وراء انتعاش الإرهاب

  • 12/10/2015
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

لا يختلف اثنان مهما تباين تعريفهما للإرهاب على إدانته، والدعوة للعمل على القضاء عليه، فباستثناء القوى المستفيدة منه بشكل مباشر أو غير مباشر، يصعب الحديث عن فئة في المجتمع يمكن لها أن تدافع عن الإرهاب، حتى في أبسط صوره. لكن الخلاف يدب بين من يتفقون على شجب هذه الظاهرة، عندما يتعلق الأمر بتشخيص الأسباب الكامنة وراءها، والدوافع التي تغذيها وتمدها بالحياة والقدرة على الاستمرار. والحديث عن الخلاف لا يشمل من يستفيد من استمرار الظاهرة، بل يشير إلى تلك القوى التي تسعى صادقة وجادة لمواجهة الإرهاب. ويخصص الباحث محمد الهواري، الذي يعتبر الإرهاب ظاهرة معقدة ومتشابكة تشترك في بروزها في المجتمع جملة من العوامل والأسباب، حيث تتداخل العوامل الشخصية والنفسية مع الثقافية والسياسية والاقتصادية، لتشكل ظاهرة الإرهاب التي تحقق أهدافها بممارسة العنف والقتل، وتحسم خلافاتها بإلغاء الآخر وإقصائه من الوجود، مساحة واسعة في بحثه الموسوم الإرهاب المفهوم والأسباب وسبل العلاج، كي يكشف الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة، مؤكدا على أن هناك بعض العوامل التي تزيد من حدة التطرف والإرهاب واستمرارهما، منها معاملة التطرف بتطرف مضاد، ومواجهة إرهاب الأفراد والجماعات بإرهاب الحكومة، والاقتصار على الوسائل القمعية دون البحث والتعامل مع جذور المشكلة. لكنه بعد أن يشخص الأسباب في إطار ردود الفعل، يعود كي يسرد الأسباب الرئيسة التي تولد الظاهرة، ومن أبرز تلك الأسباب، من وجهة نظره الأسباب الاقتصادية، حيث تعاني (الطبقات الدنيا في المجتمع) بشدة من تدهور ظروفها المعيشية بفعل انتشار البطالة وتدهور الخدمات... وازدياد معدل البطالة والتضخم وغلاء الأسعار. ويربط الهواري، في نطاق تشخيصه لأسباب انتشار ظاهرة الإرهاب، بين الاقتصاد والسياسة، حيث يعتبر تدني مستوى المشاركة السياسية، وخاصة بالنسبة للشباب ومن مختلف الطبقات، في اتخاذ القرارات التي تمس حياة المواطن... وعدم وجود تعددية سياسية، والافتقار إلى قدر من حرية التعبير... يؤدي إلى حرمان القوى السياسية والاجتماعية من التعبير السياسي الشرعي، وإلى تجاهل مطالب الأقليات وقمع الجماعات المعارضة، ويؤدي هذا كله إلى تهيئة التربة المناسبة للعنف والإرهاب. أما المحلل السياسي المصري رفعت سيد أحمد فهو يشخص الدوافع أو الأسباب الكامنة خلف نشوء الإرهاب ثم استمراره بعد ذلك، في أسباب داخلية وأخرى خارجية، الأولى دائما يكون الاستبداد السياسي والشعور بالظلم الاجتماعي هما العاملان الأساسيان لنشوء الإرهاب واستمراره، وإذا ما أضفنا إلى ذلك الفهم العقائدي أو السياسي المغلوط للدين أو للعقيدة السياسية وتصور أنها لا تتحقق إلا بالعنف، فإن ذلك ينتج غلوا وإرهابا عادة ما تكون نتائجه عكسية وفي غير صالح ممارسه، أما (الأسباب الخارجية) التي تنشئ الإرهاب وتساعد على استمراره فيأتي في مقدمتها صراع المصالح العالمية وسياسات الهيمنة التي تمارسها دول كبرى في مقدمتها إسرائيل وأمريكا، والتي في سبيلها لتحقيق هذه الهيمنة تمارس إرهابا دوليا منظما تجاه أبرياء، ينتج بالتبعية إرهابا مضادا له. على نحو موازٍ يتفق علي كريم في مراجعته المقتضبة لكتاب إبراهيم الحيدري سيسيولوجيا العنف والإرهاب، الصادر عن دار الساقي، في كون العنف ظاهرة اجتماعية تتشكل في الفرد تبعا لبيئته. وأن هناك علاقة وثيقة ومباشرة بين شيوع العنف والإرهاب والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية التي تسببه، (ومن ثم) فإن تشكل الإرهابي ناتج من العوامل البيئية والاجتماعية والسياسية والدينية المختلفة التي هي مجال بحث السيسيولوجيا الأول، فللإرهاب سيكولوجيته الخاصة والدوافع والأسباب الاجتماعية التي تؤدي إلى ظهوره من حملات التحريض الديني، إلى غسيل الدماغ، فضلا عما أنتجته صدمة الحداثة من خضات متلاحقة في الشرق أنتجت خيبات متتالية للمبادئ الفكرية التي ظهرت نتيجة لها. وتلخص التوصيات الصادرة عن فرق العمل الأربعة المنبثقة عن المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي اختتم أعماله بمشاركة عدة دول عربية وأجنبية، بشكل مكثف الأسباب الرئيسة التي تقف وراء انتعاش ظاهرة الإرهاب، بالقول: أن الأسباب الجذرية للإرهاب تشمل الفقر المدقع والنظام والهيكل الاجتماعي غير العادل والفساد والأسباب السياسية والاحتلال الأجنبي والاستغلال الشديد والتطرف الديني والانتهاك المنتظم لحقوق الإنسان والتمييز والتهميش الاقتصادي والاستلاب الثقافي نتيجة للعولمة إضافة إلى الصراعات الإقليمية التي تستغل كذريعة للأعمال الإرهابية ولعمليات المنظمات الإرهابية. ومعرفة الأسباب، على نحو صادق وشفاف، وبصراحة لا متناهية مع الذات، بوسعها أن تشكل الخطوة الصحيحة المجدية على طريق معالجة هذه الظاهرة، لكنها تبقى محدودة، ومنقوصة، ما لم ترافقها خطوة أخرى تتكامل معها هي وضع خطة، وفي أحيان خطط متوازية، للقضاء على الإرهاب، وتجفيف منابعه. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن أكبر خطأ يمكن أن يرتكب هو الاستعانة بقوى خارجية دولية، التي مهما أبدت استعدادها للمشاركة في خطط مجابهة الإرهاب المحلي، لكنها تبقى بفضل مصالحها الخاصة، في نهاية الأمر طرفا مستفيدا من استمراره. فكلما تعددت أشكال الإرهاب، وتنامت أنشطة القوى المحلية التي تقف وراءه، كلما فتح ذلك الأبواب على مصراعيها من أجل تدخل القوى الخارجية الأجنبية، وساعد على تدخلها في الأوضاع الداخلية، ومكنها من فرض شروطها التي تخدم مصالحها على الدولة التي تعاني من الأنشطة الإرهابية. وحالات عربية حية نعايشها مثل العراق، وسوريا وليبيا، هي أدلة ساطعة على النهايات التي تؤول إليها الحلول التي تطرحها القوى الدولية الخارجية، عندما تهب الدول مستجدية تدخل هذه الأخيرة. وعليه، وإن أرادت البلدان العربية أن تعالج ظاهرة الإرهاب المتطرف التي تعاني منها، فأولى بها أن تعالج ذلك بقواها العربية الذاتية، بعيدة عن أية تدخلات دولية أجنبية من شأنها، استجابة لمصالحها الذاتية، ان تزيد الأوضاع سوءا، بدلاً من وضع الحلول الشافية لها.

مشاركة :