الأزمة الأوكرانية بين روسيا وأمريكا

  • 5/7/2022
  • 19:07
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الحديث عن الحرب الروسية والأوكرانية التي تدخل شهرها الثالث يزداد حدة كل يوم. هناك تساؤلات يطرحها الكثيرون ومنها «متي ستنتهي هذه الحرب؟ ولماذا حدثت في المقام الأول؟ ومن الذي سيخرج فائزا ومنتصرا فيها؟».كل تلك الأطروحات تحتاج إلى شرح وتفسير كبير؛ لكن ما لفت نظري هو سؤال طرحه أحد الأصدقاء وينص على عدم قدرته على استيعاب أمر، ألا وهو «لماذا تقضي الولايات المتحدة كل هذا الوقت وتبذل كل هذا المجهود من أجل إقناع دول مثل الهند والصين وغيرهما من الدول بالابتعاد عن روسيا والوقوف مع الغرب في صف أوكرانيا؟» كان الرد أولا لأن الولاياتالمتحدة لا تستطيع أن ترغم أي دولة على أن تقف ضد روسيا، لأن الولايات المتحدة لن تستطيع استعمال القوة العسكرية لتغير مواقفهما. معنى هذا أن أمريكا تستطيع أن تغزو العراق أو أفغانستان تحت أي ذرع، لكن لا تستطيع أن تغزو الهند والصين عسكريا. إذن فاستعمال القوة العسكرية أمر نسبي في مجال العلاقات الدولية، والدول الكبيرة سواء في أعداد السكان أو بقدراتها الاقتصادية تستطيع أن تحمي نفسها من الغزو الخارجي، وتحقق قدرا من الاستقلالية في قراراتها الخاصة بأمنها القومي وبسياستها الخارجية.لكن هناك أمرا محيرا ويختص بإصرار الولايات المتحدة على أن تطلب من كل من الصين والهند التخلي عن تأييد روسيا فى حربها ضد أوكرانيا، وهى تعلم تمام العلم بأن رد هاتين الدولتين سيكون بالنفي، الإجابة تتلخص بأن هذه هي طبيعة الدبلوماسية، إنها وسيلة للاتصالات ما بين الدول والشعوب لتحقيق أهدافها على الرغم من أن النتائج المرغوبة منها قد تكون بعيدة المنال.أحد أهم دروس الحرب الروسية - الأوكرانية هي أنها أثبتت استحالة وجود حالة من القطيعة الشاملة بين دول العالم وبعضها البعض؛ فمثلا، الصين وأوكرانيا تحتفظان بعلاقات جيدة، قد تكون محدودة في شكلها وخصوصا بعد الثورة التي حدثت في أوكرانيا في عام 2014 وقامت بتغير نظام الحكم، وهو الأمر الذي اعتبرته الصين تدخلا غربيا، إلا أنهما أقامتا علاقات اقتصادية هامة. أسفر هذا عن زيادة في التعاملات التجارية ما بين البلدين عاما بعد عام.بل امتد هذا التعاون ما بين الصين وأوكرانيا إلى مجال العلاقات الاستراتيجية، وعلى سبيل المثال، ففي شهر ديسمبر من عام 2013، وقعت كل من الصين وأوكرانيا اتفاقية تعهدت فيها الصين بتقديم «ضمانات نووية» لحماية أوكرانيا من أي غزو خارجي. وهذا أيضا يفضي بسؤال اكثر أهمية «لماذا لم تعتبر روسيا هذا الاتفاق تهديدا لأمنها القومي، مع أنها رأت في عضوية أوكرانيا المستقبلية في حلف شمال الاطلنطي تهديدا لأمن روسيا القومي».أو بأسلوب آخر، لماذا لم تغز روسيا أوكرانيا عندما وقعت اتفاقية الضمانات العسكرية النووية مع الصين، بينما شنت روسيا حربا ضد أوكرانيا لتقارب أوكرانيا من التحالف الغربي؟ لعل الإجابة تكمن في أن روسيا رأت أن أي اتفاق أمني ما بين الصين وأوكرانيا لن يؤثر وستظل أوكرانيا وروسيا دولتين قريبتين من بعضهما البعض وفي شتى المجالات. لكن من الواضح أن روسيا حسبت أن أي تقارب عسكري وأمني ما بين أوكرانيا والغرب سيكون بمثابة قطيعة نهائية ما بين موسكو وكييف، وسيرسم استراتيجية جديدة لأوكرانيا تجعلها منافسا خطيرا لجمهورية روسيا الاتحادية.معنى هذا أيضا أن الدول مثل الأفراد لديهم حساسية تجاه بعض الأمور والقضايا، لكنهم قد لا يبالون تجاه قضايا وموضوعات أخرى.الحرب أيضا ما بين روسيا وأوكرانيا توضح كيف تتعلق الدول ببعض الآمال، وكيف يكون عدم تحقيق تلك الآمال خيبة كبيرة لأمانيها. كانت روسيا تعول على أن تكون أوكرانيا دائما دولة قريبة منها، لكن على الرغم من أن روسيا لم تقدم الكثير من المجهود والمساعدات لأوكرانيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في ديسمبر من عام 1991، إلا أن روسيا كانت دائما تنظر إلى أوكرانيا على أنها العمق التاريخي والامتداد الاستراتيجي لها، ولعل هذا كان مبررا للغزو الروسي لأوكرانيا.لقد رأت روسيا أنه لا يوجد هدف أكثر أهمية من أن تخضع أوكرانيا لها وتنتهك سيادتها، حتى لو سبب هذا الهدف عداء ما بين روسيا وكل أنحاء العالم، وهذا بدوره يفضي إلى مبدأ هام أرستها الحرب الروسية - الأوكرانية، ألا وهو أن الدول تمتلك في تعاملها مع بعضها البعض خبرة تاريخية من الصعب أن تمحى، معنى هذا أن روسيا تريد أن تتذكر أوكرانيا هذه الحرب التي كانت هي مازالت تشن عليها ولفترة طويلة. لكن هذا أيضا يمثل خطورة؛ لأنه قد يعيق إقامة أي مصالحة ما بين روسيا وأوكرانيا ولفترة طويلة في المستقبل.ما هو هدف الحرب؟ هدف الحرب هو أن روسيا تريد إخضاع أوكرانيا لإرادتها، أو أن يكون لروسيا نفوذ وتأثير كبيرين على شؤون أوكرانيا ولفترة طويلة الأجل. بالطبع أوكرانيا سترفض هذا؛ لكن قد تحاول أن تخلق إطارا مرنا للتعامل مع روسيا بعد الحرب وبالذات في المجالات الأمنية.قد تكون هناك مشاورات دائمة وفعالة ما بين الطرفين بعد انتهاء الحرب للتأكد من أن أي واحدة منهما لا تخطط لأي سياسة عدوانية تجاه الدولة الأخرى. يفضي هذا إلى إنشاء نوع من «الخط الساخن» ما بين مقار الحكم في كلا الدولتين، وفي هذه الحالة يجب على الغرب وحلف شمال الاطلنطي والولايات المتحدة عدم الاعتراض أو عرقلة أي نواة للتعاون ما بين روسيا وأوكرانيا لإقامة تفاهم أمني بينهما.روسيا لديها علاقة عاطفية مع أوكرانيا. من الضروري الاعتراف بأن تلك العلاقة الحميمة كانت سبب خراب للبلدين، لن ترضى روسيا على أن تبعد عنها أوكرانيا، ولن تستطيع أوكرانيا إعادة تعريف علاقاتها مع روسيا بالدرجة التي تجعلها آمنة من أي غضب أو عدوان روسي نحوها. أن تكون العلاقة ما بين روسيا وأوكرانيا عدائية دائما أو مسالمة دائما هذا أمر غير صحيح. عسى أن تكون تلك العلاقة غير المثالية النموذج الأصلح للعلاقة ما بين الدولتين؛ لأنه لا توجد مثالية في العلاقات ما بين الدول في عالمنا المعاصر.لن تكون هناك وحدة ما بين روسيا وأوكرانيا لأن الدولتين ترفضان هذا، لكن ستكون هناك أنانية يشعر بها شعب أوكرانيا ضد شعب روسيا والعكس صحيح، لكن لن تكون هناك أوهام متبادلة في تلك العلاقة لتجعل روسيا تظن أن أوكرانيا قضية سهلة لإثبات قوتها، وستكون أوكرانيا دائما على حذر كونها جارة لروسيا، لن تجعل أوكرانيا من قربها الجغرافي الجبهة المتقدمة لحصار الغرب لجمهورية روسيا الاتحادية.mr_alshammeri@

مشاركة :