طالب المئات من المشاركين في تظاهرة نُظمت الأحد في العاصمة التونسية، الرئيس قيس سعيّد بـ"محاسبة قضائية" للأحزاب السياسية التي كانت في الحكم خلال السنوات العشر الفائتة، قبل المضي في الاستفتاء والانتخابات المقبلة. كما عبروا عن رفضهم التدخل الخارجي في الشأن التونسي. ومنذ ساعات الصباح الأولى، بدأ المواطنون والنشطاء في التوافد على شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة، قادمين من مختلف الولايات للمشاركة في التظاهرة، بدعوة من حراك الخامس والعشرين من يوليو. وتأسس حراك الخامس والعشرين من يوليو أولا تحت مسمى "حركة شباب تونس الوطني" في أبريل 2019، قبل أن يغير اسمه، دعما لإجراءات الرئيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو الماضي. ورفع المشاركون في التظاهرة لافتات مكتوبا عليها "لا رجوع إلى الوراء، محاسبة محاسبة لا صلح ولا مفاوضة"، "لا حوار ولا استفتاء ولا انتخاب قبل المحاسبة". وحملوا أيضا لافتات كُتب عليها "الدولة التونسية هي من تنظم القضاء وليس بناء على توازنات سياسية"، وغيرها من الشعارات. كما ردد المشاركون في المسيرة نداءات لمحاسبة حركة النهضة الإسلامية وزعيمها راشد الغنوشي. وقال المتحدث باسم "تنسيقية تحالف أحرار" أحمد الهمّامي إن "الشعب كره الأحزاب التي كانت سببا في عشرية سوداء في تونس، والمحاسبة هي أساس بناء الدولة الجديدة، وندعو كل القوى في البلاد إلى التسريع في موضوع المحاسبة". وكان الرئيس التونسي قد اتخذ في الخامس والعشرين من يوليو الماضي إجراءات استثنائية لإنقاذ البلاد من خطر داهم وتصحيح المسار الديمقراطي والسياسي، بعد فشل المنظومة السابقة بقيادة حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية في حلحلة أزمات التونسيين وإدارة الشأن العام. الغنوشي ومن بين الإجراءات التي تم اتخاذها تجميد اختصاصات البرلمان ثم حله، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وحل المجلس الأعلى للقضاء. وقال عبدالمجيد بلعيد شقيق السياسي الراحل شكري بلعيد، الذي يشارك في الوقفة كداعم للرئيس سعيّد، "الوقفة لدعم الرئيس حتى يتخذ خطوات إلى الأمام.. وهي تمثل رسالة للداخل وللعملاء ومن يتشدقون بحماية الحرية.. ورسالة إلى الخارج بأننا نرفض التدخل الأجنبي ونحن قادرون على تسيير بلدنا". ويواجه الرئيس ضغوطا من الداخل ومن قبل شركاء تونس في الخارج من أجل إطلاق حوار وطني يشمل الأحزاب والمنظمات والنقابات، للتوافق حول الإصلاحات السياسية والدستورية والاقتصادية. ويرفض الرئيس سعيّد الجلوس مع خصومه ممن كانوا في الحكم طيلة العقد الأخير منذ بدء الانتقال السياسي في البلاد عام 2011، بعد تورطهم في إشاعة الفقر والفساد والانهيار الاقتصادي. ونقلت إذاعة "جوهرة" المحلية عن الكاتب العام الوطني لحراك الخامس والعشرين من يوليو كمال الهرابي قوله إن "هذه الوقفة، تأتي للمطالبة بتفعيل تطبيق القانون، وحث وزيرة العدل على تحفيز النيابة العامة على التحرك لفتح مختلف الملفات"، محذرا "من تكرار سيناريوهات بعض الدول المجاورة من خلال السعي لتكوين حكومات وبرلمانات موازية"، في إشارة إلى الجارة ليبيا. ونفى الهرابي الاتهامات الموجهة للحراك بالسعي لمهاجمة مقرات بعض الأحزاب أو تنفيذ أي أعمال عنف، قائلا "إن أول من أطلق هذه الافتراءات هو نجيب الشابي الذي فقد مصداقيته ورمزيته منذ الثورة بالسعي وراء المناصب والكراسي". وأضاف الهرابي "هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة، ونحن دعاة سلم، واتهامنا بالسعي لحرق المقرات الحزبية افتراء". قيس وكان نجيب الشابي، رئيس الهيئة السياسية لحزب "الأمل" وصاحب ما يسمى بمبادرة "جبهة الخلاص"، صرّح بأن الرئيس سعيّد يتجه نحو إعلان حل الأحزاب السياسية وتوقيف قياداتها ووضعها تحت الإقامة الجبرية. ويرى مراقبون في استخدام الشابي ومن خلفه حركة النهضة الإسلامية فزاعة "حل الأحزاب" واعتقال المعارضين، محاولة لبث الفوضى في البلاد وإثارة الخوف لدى القوى السياسية، التي لا يزال بعضها يدعم مسار الخامس والعشرين من يوليو، وأيضا لدى البعض ممن يقف مترددا بانتظار اتضاح الرؤية حول الحوار الوطني الذي أعلن عنه الرئيس سعيّد. ويعتبر المراقبون أن الرئيس التونسي لا يستطيع حل الأحزاب لاعتبارات قانونية وسياسية، باستثناء تلك التي يثبت ارتكابها لتجاوزات خطيرة تمس الأمن القومي للبلاد، مشيرين إلى أن الرئيس أتيحت له أكثر من فرصة للإقدام على هذه الخطوة، لكنه لم يقم بذلك. وشهدت العاصمة التونسية في مناسبات سابقة تنظيم تحركات شعبية مؤيدة حينا ومناهضة حينا آخر لقرارات الرئيس التونسي، لكن تحرك الأحد يمثل دعما قويا للرئيس سعيّد وحثه على حسم ملفات فساد تطول الكثير من السياسيين، وذلك استنادا إلى تقرير محكمة المحاسبات الذي كشف عن تورط حركة النهضة وقلب تونس وأحزاب أخرى في الفساد السياسي وفي تلقي تمويلات غير مشروعة، ما يقتضي محاسبتها وقطع الطريق أمامها للمشاركة في المواعيد الانتخابية المقبلة. ويرى المراقبون أن من غير الممكن بناء جمهورية جديدة دون تطهير الساحة السياسية من الفاسدين ودعم مشاركة فاعلة لمختلف القوى الوطنية، من منظمات وأحزاب ومجتمع مدني. ويشير هؤلاء إلى أن ضمان مشاركة القوى السياسية على غرار الحزب الدستوري الحر، الذي اكتسب خلال السنوات الأخيرة شعبية واسعة ويتصدر حاليا استطلاعات الرأي في الانتخابات، في الحوار الوطني المزمع عقده، من شأنه أن يصب في مصلحة مسار الخامس والعشرين من يوليو ويسقط خطط حركة النهضة وحلفائها. ولا تخفي أوساط سياسية مخاوفها من أن وضع جميع الأحزاب في سلة واحدة قد يقوي جبهة المعارضة ضد الرئيس سعيّد، لاسيما في ظل أزمة اقتصادية متصاعدة قد تهدد بتقويض شعبيته.
مشاركة :