عكس قرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر بإغلاق حسابيْ الشاب محمود المهدي المتزوج من الفنانة منة عرفة، على مواقع التواصل الاجتماعي، تمسك الهيئات المسؤولة عن إدارة وتنظيم المشهد الإعلامي بغض الطرف عن الأزمات الكبرى التي تضرب المهنة والتركيز على قضايا هامشية بعيدة عن صميم المشكلات التي تراكمت وصارت تشكل معضلة حقيقية في ترميم صورة الإعلام. وبرر المجلس، في بيان رسمي الأربعاء، قرار إغلاق حسابيْن تابعين للمهدي بقيامه بتدوين منشورات تتضمن تشهيرا وطعنا في أعراض فنانات، وأن هذا التحرك جاء على خلفية شكوى نقيب المهن التمثيلية أشرف زكي ضد المهدي الذي دأب على كتابة منشورات تتضمن إساءة إلى عدد من الفنانين، من بينهم إلهام شاهين. وخاطب مجلس تنظيم الإعلام نقيب المهن التمثيلية، وفق البيان الرسمي، وأبلغه بأنه تقرر إغلاق حسابي المهدي على فيسبوك وإنستغرام لخرق الأكواد والمعايير الإعلامية المعمول بها، وبث منشورات تمثل سبا وقذفا وترصدا للشاكين (الفنانين)، والإساءة إلى مهنة الفن والقائمين عليها. ◙ فوضى الحسابات الشخصية لبعض الأسماء الفاعلة على شبكات التواصل فاقمت تدني مهنية منابر إعلامية وأوحى المجلس للرأي العام بأن أزمة خرق المعايير المهنية المنظمة لمهنة الإعلام قاصرة على بعض الحسابات الشخصية في منصات التواصل الاجتماعي، في حين أن التمعن في المشكلة يعكس سقوط الكثير من المنابر الإعلامية في فخ اللهث وراء الترند ومجاراة المنشورات المثيرة للجدل وتسليط الضوء عليها. وهناك حسابات على شبكات التواصل في مصر اعتادت خرق كل ما له علاقة بالمعايير المهنية والأخلاقية، لكن المشكلة تكمن في تعاطي الإعلام التقليدي معها وكأنها مصادر أخبار تجلب المزيد من المشاهدات، مع أن وسائل الإعلام المطبوعة والرقمية والمرئية لو تجاهلتها لما انتشر محتواها ووصل إلى شريحة كبيرة من الناس. ويرى خبراء ومتابعون لأزمة مواقع التواصل الاجتماعي أن تجاهل الأخطاء التي ترتكبها الكثير من وسائل الإعلام وتتعارض مع الأكواد والمعايير المنظّمة للمهنة مقابل التركيز على الصغائر يوحي للجمهور بوجود حالة من التجاهل المتعمد لإصلاح مسار مهنة الإعلام، وأن الجهات المعنية بإدارة المشهد وضبط أوجه الخلل فيه لم تستطع السيطرة على فوضى الكبار وطالبت الأشخاص بتطبيق ما تنص عليه المعايير. ويحق لمجلس تنظيم الإعلام، المشكل بقرار رئاسي عام 2017، أن يتابع كل موقع إلكتروني شخصي أو مدونة شخصية أو حساب شخصي على شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة، طالما يبلغ عدد متابعيه خمسة آلاف أو أكثر، بموجب قانون تنظيم الصحافة والإعلام الصادر في عام 2018 والذي أقره البرلمان وصدر به مرسوم رئاسي، لكن لا يزال التطبيق الحرفي الخاص برقابة الشبكات الاجتماعية يتم في نطاق ضيق ويرتبط بإثارة الجدل من شخصيات وأسماء فاعلة. جلال نصار: السيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي صارت أمرا صعبا ويهدف القانون إلى وضع قواعد لتنظيم عمل وسائل الإعلام، ومنح مجلس تنظيم الإعلام سلطة توقيع عقوبة الحجب على المواقع والصفحات الشخصية في شبكات التواصل الاجتماعي في حال قيام الموقع أو الحساب بنشر أو بث أخبار كاذبة أو ما يحضّ على مخالفة القانون أو يدعو إلى العنف والكراهية، أو ينطوي على تمييز بين المواطنين، أو يدعو إلى العنصرية والتعصب أو يتضمن طعنا في أعراض الأفراد أو سبا أو قذفا لهم. ويقول مراقبون للمشهد الإعلامي المصري إن فوضى الحسابات الشخصية لبعض الأسماء الفاعلة على شبكات التواصل الاجتماعي فاقمت تدني مهنية بعض المنابر الإعلامية، وكان يفترض من مجلس تنظيم الإعلام أن يفرض على وسائل الإعلام عقوبات بعد أن أصبحت الكثير من المنصات الاجتماعية متحكمة في سياستها التحريرية، حيث تنشر الكثير مما يبث عليها ولو كان مخالفا للأعراف والقوانين. ويبرر هؤلاء موقفهم بأن زوجة محمود المهدي، الفنانة منة عرفة، دأبت على نشر شتائم وسخرية وتشهير بعدد من الفنانين، وتعاملت بعض وسائل الإعلام مع الأمر كفرصة لإعادة بث التدوينات في مواقعها وصحفها وبرامجها ومحاولة جذب أكبر عدد من الجمهور الباحث عن هذه النوعية من الأخبار المثيرة التي توحي بوجود معركة بين شخصيات شهيرة في المجتمع. واعتاد زوج الفنانة الشابة أن يطلق تصريحات نارية ضد كل ممثل يدعم حرية الفن وسبق أن عارض مشاركة زوجته في عمل درامي لمجرد أن البطل كان من المفترض أن يمسك يدها، ودخل في مناوشات إعلامية عبر شبكات التواصل الاجتماعي مع فنانين معارضين لتصوره، ثم أعلن أنه انفصل عن زوجته ليعود بعد ذلك ويعلن أنه عاد إليها، وفي كل مرة يسطر تدوينات تحض على الكراهية والتمييز. ورأى الخبير الإعلامي جلال نصار أن التحرك لحجب حسابات مثيرة للجدل على شبكات التواصل الاجتماعي أكبر من مجرد قيامها بنشر محتويات تتضمن تشهيرا، وأن الأمر يرتبط بسعي الهيئات المعنية بإدارة المشهد لضبط الفوضى بعقوبات صارمة، لأن منصات التواصل صارت أقرب إلى الإعلام البديل واستمرارها على نفس وتيرة الانفلات خطر على المجتمع بأسره. وقال لـ”العرب” إن “قيادة مواقع التواصل لبعض وسائل الإعلام التقليدية تعمق الفوضى الحاصلة في المشهد، فالإعلام التقليدي دوره تنويري، ومن الخطر انزلاق بعض المنابر إلى عدم المهنية لأن ذلك سيفقدها المزيد من الثقل والنفوذ ويجعل الجمهور ينفض من حولها، وفي المقابل يزداد تأثير الشبكات الاجتماعية التي صارت السيطرة عليها أمرا صعبا، ولو بالتركيز على العقوبات والترهيب”. ◙ هناك حسابات على شبكات التواصل في مصر اعتادت خرق كل ما له علاقة بالمعايير المهنية والأخلاقية، لكن المشكلة تكمن في تعاطي الإعلام التقليدي معها وأصبحت لدى شريحة من المنابر الإعلامية ثقافة النبش في العلاقات الشخصية لأي من المشاهير والتركيز على الأخبار المثيرة والفضائح، مثل الطلاق ودعاوى الخلع ونشر أسرار تخص العلاقة الأسرية. وكثيرا ما يتم الاستناد في مثل هذه الموضوعات إلى تدوينات على شبكات التواصل ليتحول كاتبها إلى نجم، ثم يتبين أن المنشورات كاذبة. وأمام تعاطي الإعلام بهذه الأهمية مع ما تبثه حسابات الشخصيات الفاعلة على شبكات التواصل، ولو كانت تحمل تحريضا وتشهيرا، أصبح الجمهور نفسه يفعل مثل ذلك، ويقوم كثيرون بإعادة نشر تدوينات مثيرة عبر حسابات مجهولة أو مزيفة دون تحقق أو إدراك لخطورة فحواها. وهذه أزمة لا تزال تعاني منها الحكومة التي أضحت عاجزة عن مواجهة فوضى المنصات الاجتماعية التي لعب الإعلام دورا في تكريسها. وترتب على هذه الفوضى أن أغلب جمهور منصات التواصل صار يتعامل معها باعتبارها الإعلام الحقيقي دون إدراك لكيفية استخدام الشبكات الاجتماعية بشكل لا يتعارض مع القانون ولا يخل بالتقاليد، وهو أمر مزعج لحكومة أحكمت سيطرتها على الإعلام التقليدي ولم تستطع تكرار ذلك مع مواقع التواصل التي ينظر إليها حاليا على أنها مقياس لتوجهات الرأي العام في قضايا السياسة والاقتصاد والمجتمع والدين.
مشاركة :