تتجه أيرلندا الشمالية إلى أزمة سياسية بعدما حقّق حزب "شين فين" القومي المؤيّد لإعادة توحيد الجزيرة الإيرلنديّة والانفصال عن الممكلة المتحدة فوزاً تاريخياً في الانتخابات لاختيار 90 نائباً في الجمعيّة الوطنيّة، على منافسه "الحزب الوحدوي الديموقراطي" المؤيّد للتاج البريطاني. وهي أوّل مرّة خلال مئة عام يتصدّر "شين فين" الذي كان يعد في مرحلة تاريخية الذراع السياسية لـ "الجيش الجمهوري الايرلندي" الانتخابات في هذه المقاطعة التي تشهد توتّرات على خلفيّة بريكست، وهو ما سيُتيح للحزب تسمية زعيمته رئيسة وزراء محلّية. ولدى صدور النتائج الكاملة للانتخابات في دائرتها، خاطبت زعيمة "شين فين" ميشيل أونيل مناصري الحزب ووسائل الإعلام قائلة: "اليوم ندخل حقبة جديدة. إنّها لحظة مفصليّة لسياساتنا وشعبنا". ودعت ميشيل أونيل إلى "نقاش صحي" حول مستقبل أيرلندا الشمالية، معلنة أن حزبها يأمل بإجراء استفتاء لإعادة التوحيد في غضون 5 سنوات. إلا أنها قالت إن على الحكومة الجديدة معالجة ارتفاع تكاليف المعيشة في المقام الأول، بعد أن خاضت حملة في هذا الاتجاه. وأشار راب، من جانبه، إلى أن 58 بالمئة من الناخبين أيدوا أحزابًا تناصر الاتحاد مع المملكة المتحدة أو الوضع الراهن.ولفتت إلى أنّها ستنتهج أسلوب قيادة يُشرك الأطراف كافة و"يحفل بالتنوّع بما يضمن الحقوق والمساواة لمن استُبعِدوا وتعرّضوا لمعاملة تمييزيّة وتمّ تجاهلهم في الماضي"، مشددة على أنّ أولى الأولويّات يجب أن تكون التصدّي لغلاء المعيشة. وذكرت أستاذة العلوم السياسية في جامعة كوينز في بلفاست كايتي هايوارد أنّ "نجاح شين فين مردّه ضعف النزعة الاتّحاديّة في وقتٍ تشهد المملكة المتحدة تغييرا حقيقيا في مرحلة ما بعد بريكست"، مشيرة إلى تشرذم أصوات الناخبين الوحدويين وتقدم لحزب "تحالف" الوسطي. وأقرّ زعيم الحزب الوحدوي جيفري دونالدسون بالهزيمة، لكنّ المحادثات الرامية لتشكيل حكومة جديدة تبدو معقّدة وتنذر بشلل سياسي تامّ، إذ يرفض الوحدويّون المشاركة في أيّ حكومة من دون تعديل الاتّفاق التجاري المبرم بين المملكة المتحدة والاتّحاد الأوروبي. وينصّ اتّفاق "الجمعة العظيمة" للسلام الموقع عام 1998 والذي أنهى حرباً أهلية على تقاسم السلطة بين الوحدويّين والقوميّين. وحذّر القيادي البارز في الحزب الوحدوي إدوين بوتس من أن المفاوضات "مع بعض الحظ قد تستغرق أسابيع أو ربما أشهرا"، في حين يُرتقَب وصول الوزير البريطاني المكلّف شؤون المقاطعة براندون لويس إلى بلفاست، وفق مسؤولين أيرلنديين شماليين. وخيّمت الضبابية مجدداً على أيرلندا الشمالية في فبراير بعد استقالة رئيس الوزراء الوحدوي بول غيفان اعتراضا على وضعية المقاطعة في مرحلة ما بعد بريكست. ودعت لندن، أمس، القوميين والوحدويين إلى الاتحاد لتشكيل حكومة محلية لضمان الاستقرار. وقال نائب رئيس الوزراء البريطاني دومينيك راب: "قبل كل شيء، ما نريد أن نشهده (...) هو الاستقرار"، مضيفاً "نريد أن نشهد تشكيل حكومة" و"أن تتوحد الأطراف لتوفير هذا الاستقرار للناس". وقبل لقائه قادة الأحزاب المحلية، اعتبر الوزير البريطاني المكلّف شؤون المقاطعة، براندون لويس، أنها "لحظة مهمة لإظهار أن بإمكان الجميع العمل معًا". كما دعت دبلن وواشنطن المسؤولين في أيرلندا الشماليّة إلى تقاسم السلطة. أمام "شين فين" والحزب الوحدوي 24 أسبوعًا لإيجاد أرضية مشتركة، وفي حال عدم التوصل إلى ذلك يتعين تنظيم انتخابات جديدة. وتعتزم الحكومة البريطانية التحرك بسرعة لـ "إصلاح" بروتوكول أيرلندا الشمالية على الرغم من فوز "شين فين" الذي يدعم الحفاظ على اتفاق التجارة المثير للجدل ما بعد "بريكست". وقال دومينيك راب، نائب رئيس الوزراء البريطاني: "يجب التعامل معه. لا أريد تصعيد بعض التوترات، أريد تخفيفها"، وامتنع راب عن التعليق على تقرير بصحيفة تليغراف، بأن بريطانيا تستعد لانسحاب أحادي الجانب من الاتفاق، قائلا إن الحكومة تفضل تسوية قائمة على التفاوض مع الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أن المملكة المتحدة لم تأخذ أي شيء "خارج الطاولة" أكثر من التصرف من جانب واحد. وكان البروتوكول يحظى في بادئ الأمر بدعم حكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون، على الرغم من أن تنفيذه مصدر مستمر للتوتر بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
مشاركة :