هل تنقذ الانتخابات القادمة لبنان من الانهيار؟

  • 5/10/2022
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يتوجه‭ ‬اللبنانيون‭ ‬إلى‭ ‬صناديق‭ ‬الاقتراع‭ ‬يوم‭ ‬15‭ ‬مايو‭ ‬الجاري،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬مبالغة‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬سيتقرر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬لدى‭ ‬بلدهم‭ ‬فرصة‭ ‬للبقاء‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭.‬ يعاني‭ ‬لبنان‭ ‬من‭ ‬انهيار‭ ‬اقتصادي‭ ‬مريع،‭ ‬وما‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تنفيذ‭ ‬إصلاحات‭ ‬جذرية‭ ‬فإنه‭ ‬سيُفلس‭ ‬بحلول‭ ‬نهاية‭ ‬هذا‭ ‬العام‭. ‬فالبلد‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬انهيار‭ ‬سياسي،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬اللبنانيين‭ ‬يثقون‭ ‬في‭ ‬الأحزاب‭ ‬الطائفية‭ ‬التقليدية‭ ‬أو‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬القائم‭ ‬منذ‭ ‬ثلاثة‭ ‬أجيال‭.‬ وأخيرًا‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كله،‭ ‬فإن‭ ‬الشعب‭ ‬اللبناني‭ ‬محبط‭ ‬ومنهك‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭. ‬تظهر‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬لدينا‭ ‬أن‭ ‬أعدادا‭ ‬قياسية‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬اللبناني‭ ‬تكافح‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تغطية‭ ‬نفقاتها‭.‬ إنه‭ ‬لأمر‭ ‬مزعج‭ ‬للغاية‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬رفعت‭ ‬من‭ ‬إعداد‭ ‬الطعام‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬عال‭ ‬من‭ ‬الفن‭ ‬تشير‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬التي‭ ‬أجريناها‭ ‬إلى‭ ‬انتشار‭ ‬انعدام‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬وحتى‭ ‬الجوع‭ ‬المباشر‭.‬ كما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬يتباهى‭ ‬ببعض‭ ‬أفضل‭ ‬مراكز‭ ‬التعلم‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬يشهد‭ ‬الآن‭ ‬نزيفًا‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬شبابه‭ ‬المتعلمين‭. ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬تظهر‭ ‬بيانات‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬لدينا‭ ‬أن‭ ‬أعدادًا‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬فقدوا‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬مستقبلهم‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬يعبرون‭ ‬عن‭ ‬رغبتهم‭ ‬في‭ ‬الهجرة‭.‬ كما‭ ‬تشير‭ ‬استطلاعاتنا‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬ما‭ ‬يريده‭ ‬اللبنانيون‭. ‬إنهم‭ ‬يريدون‭ ‬حكومة‭ ‬تستجيب‭ ‬لاحتياجاتهم‭: ‬خلق‭ ‬الوظائف،‭ ‬وتوفير‭ ‬الخدمات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وتكريس‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬الأمن‭.‬ إنهم‭ ‬يريدون‭ ‬أيضا‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬للفساد‭ ‬والمحسوبية‭ ‬ونظام‭ ‬المحسوبية‭ ‬الطائفي‭ ‬الذي‭ ‬استنزف‭ ‬ثروات‭ ‬البلاد‭ ‬ومواردها‭ ‬لخدمة‭ ‬مصالح‭ ‬حفنة‭ ‬من‭ ‬الإقطاعيين‭.‬ عندما‭ ‬نزل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليون‭ ‬لبناني‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬شرائح‭ ‬المجتمع‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2019‭ ‬مرددين‭ ‬هتافات‭ ‬‮«‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يرحلوا‭ ‬جميعًا‮»‬‭ ‬و«عندما‭ ‬نقول‭ ‬كلن‭ ‬يعني‭ ‬كلن‮»‬‭ ‬أي‭ ‬نقصدهم‭ ‬جميعًا،‭ ‬كانوا‭ ‬يعبرون‭ ‬باختصار‭ ‬عن‭ ‬الإحباط‭ ‬العميق‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬القديم‭ ‬المتداعي‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬البلاد‭ ‬تجثو‭ ‬على‭ ‬ركبتيها‭.‬ تتمثل‭ ‬المشكلة،‭ ‬بالطبع،‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬ممثلي‭ ‬النظام‭ ‬القديم‭ ‬ليسوا‭ ‬مستعدين‭ ‬للتخلي‭ ‬عن‭ ‬زمام‭ ‬السيطرة‭. ‬وهكذا‭ ‬فقد‭ ‬استمروا‭ ‬في‭ ‬التصرف‭ ‬مثل‭ ‬نيرون‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعبث‭ ‬بينما‭ ‬تحترق‭ ‬روما‭.‬ ومما‭ ‬زاد‭ ‬الطين‭ ‬بلة،‭ ‬أنهم‭ ‬مدعومون‭ ‬بالوجود‭ ‬المسلح‭ ‬لحزب‭ ‬الله‭ - ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬كحارس‭ ‬طليعي‭ ‬يحمي‭ ‬بقوة‭ ‬السلاح‭ ‬النظام‭ ‬الطائفي‭ ‬الفاسد‭ ‬الذي‭ ‬يستمدون‭ ‬منه‭ ‬فوائد‭ ‬كبيرة‭.‬ ما‭ ‬تعلمناه‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬الأخيرة‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬يقول‭ ‬اللبنانيون‭ ‬إنهم‭ ‬متفائلون‭ ‬قليلاً‭ ‬بشأن‭ ‬المستقبل،‭ ‬ويرجع‭ ‬ذلك‭ ‬جزئيًا‭ ‬إلى‭ ‬الأمل‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الجماهيرية‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬والاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬الانتخابات‭ ‬قد‭ ‬تحدث‭ ‬تغييرا‭ ‬حقيقيا‭.‬ المشكلة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬طريقة‭ ‬تنظيم‭ ‬الانتخابات‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬الأحزاب‭ ‬الطائفية‭ ‬التقليدية‭ ‬الراسخة‭. ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬اعتبرت‭ ‬العملية‭ ‬الانتخابية‭ ‬‮«‬حرة‭ ‬ونزيهة‮»‬‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المراقبين‭ ‬الخارجيين،‭ ‬فإن‭ ‬الانتخابات‭ ‬مزورة‭ ‬هيكليا‭ ‬وهي‭ ‬تكاد‭ ‬تضمن‭ ‬عودة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬القادة‭ ‬الفاشلين‭ ‬إلى‭ ‬السلطة،‭ ‬رغم‭ ‬أنهم‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬أوصلوا‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬حافة‭ ‬الانهيار‭.‬ ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬المؤشرات‭ ‬التي‭ ‬تبعث‭ ‬على‭ ‬الأمل‭. ‬تعترف‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬اللبنانيين‭ ‬بوضوح‭ ‬بالمشاكل‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬بلدهم‭ ‬ونظامهم‭ ‬السياسي‭. ‬ويريدون‭ ‬التغيير‭. ‬فقد‭ ‬فقد‭ ‬ثمانون‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬الأحزاب‭ ‬التقليدية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬نصفهم‭ ‬لا‭ ‬يثقون‭ ‬بحزب‭ ‬الله،‭ ‬وثلثاهم‭ ‬يريدون‭ ‬وضع‭ ‬سلاح‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬تحت‭ ‬سيطرة‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الرسمية‭ - ‬المؤسسة‭ ‬الأكثر‭ ‬دعمًا‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ (‬بثقة‭ ‬9‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬10‭ ‬لبنانيين‭).‬ في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬فيه‭ ‬تزوير‭ ‬النظام‭ ‬ضدهم،‭ ‬يشعر‭ ‬ممثلو‭ ‬المعارضة‭ ‬التقدمية‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬تمكنوا‭ ‬من‭ ‬الفوز‭ ‬بـ12‭ ‬إلى‭ ‬15‭ ‬مقعدًا‭ ‬فقط‭ (‬من‭ ‬120‭ ‬مقعدًا‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭)‬،‭ ‬فسيكون‭ ‬لديهم‭ ‬نفوذ‭ ‬كاف‭ ‬لمنع‭ ‬‮«‬نفس‭ ‬الرجال‭ ‬المسنين‮»‬‭ ‬من‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكومة‭ ‬القادمة‭. ‬سيكونون‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬يسمح‭ ‬لهم‭ ‬بالضغط‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حكومة‭ ‬تدعم‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬الإصلاحات‭ ‬المتواضعة‭ ‬اللازمة‭ ‬لمنع‭ ‬الانهيار‭ ‬التام‭.‬ إذا‭ ‬أمكن‭ ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬جديدة‭ ‬يمكنها‭ ‬إجراء‭ ‬التغييرات‭ ‬المطلوبة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المستثمرين‭ ‬الدوليين‭ ‬ومؤسسات‭ ‬التمويل‭ ‬واستعادة‭ ‬درجة‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬الثقة‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬العملة‭ ‬اللبنانية،‭ ‬وإذا‭ ‬أمكن‭ ‬استكمال‭ ‬المفاوضات‭ ‬لتأمين‭ ‬حقوق‭ ‬التنقيب‭ ‬عن‭ ‬احتياطيات‭ ‬الغاز‭ ‬البحرية‭ ‬فسيكون‭ ‬لبنان‭ ‬كذلك‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬تجنب‭ ‬الانهيار‭.‬ سوف‭ ‬يتطلب‭ ‬الأمر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير‭. ‬فالمساءلة‭ ‬مطلوبة‭ ‬لأولئك‭ ‬الذين‭ ‬يتحملون‭ ‬مسؤولية‭ ‬المليارات‭ ‬التي‭ ‬استنزفها‭ ‬الفساد‭ ‬من‭ ‬البلاد،‭ ‬وعن‭ ‬التفجير‭ ‬المدمر‭ ‬لمرفأ‭ ‬بيروت،‭ ‬واغتيال‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الأسبق‭ ‬رفيق‭ ‬الحريري‭ ‬وأعضاء‭ ‬حكومته‭ ‬وأنصاره‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭. ‬وفي‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬وسيظل‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يخضع‭ ‬لسيطرة‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭.‬ ينبغي‭ ‬ألا‭ ‬نطنب‭ ‬في‭ ‬أوهامنا‭. ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الضرورة‭ ‬القصوى‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬تحقيق‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬هذا‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تنتج‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات‭ ‬سوى‭ ‬الوجوه‭ ‬التي‭ ‬سئمناها‭ ‬فإن‭ ‬لبنان‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬لسنوات‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الانهيار‭ ‬قد‭ ‬ينكسر‭.‬   {‭ ‬رئيس‭ ‬المعهد‭ ‬العربي‭ ‬الأمريكي‭ ‬

مشاركة :