يتوجه اللبنانيون إلى صناديق الاقتراع يوم 15 مايو الجاري، ومن دون مبالغة فإن ما سيتقرر في هذه الانتخابات هو ما إذا كان لدى بلدهم فرصة للبقاء على قيد الحياة. يعاني لبنان من انهيار اقتصادي مريع، وما لم يتم تنفيذ إصلاحات جذرية فإنه سيُفلس بحلول نهاية هذا العام. فالبلد أيضًا في حالة انهيار سياسي، حيث لم تعد الغالبية العظمى من اللبنانيين يثقون في الأحزاب الطائفية التقليدية أو النظام السياسي القائم منذ ثلاثة أجيال. وأخيرًا والأهم من ذلك كله، فإن الشعب اللبناني محبط ومنهك في الوقت نفسه. تظهر استطلاعات الرأي لدينا أن أعدادا قياسية من الشعب اللبناني تكافح من أجل تغطية نفقاتها. إنه لأمر مزعج للغاية أنه في الدولة التي رفعت من إعداد الطعام إلى مستوى عال من الفن تشير استطلاعات الرأي التي أجريناها إلى انتشار انعدام الأمن الغذائي وحتى الجوع المباشر. كما أن هذا البلد الذي يتباهى ببعض أفضل مراكز التعلم في المنطقة يشهد الآن نزيفًا في صفوف شبابه المتعلمين. مرة أخرى، تظهر بيانات استطلاعات الرأي لدينا أن أعدادًا كبيرة من الشباب الذين فقدوا الأمل في مستقبلهم في لبنان يعبرون عن رغبتهم في الهجرة. كما تشير استطلاعاتنا إلى حقيقة ما يريده اللبنانيون. إنهم يريدون حكومة تستجيب لاحتياجاتهم: خلق الوظائف، وتوفير الخدمات الاجتماعية وتكريس الوحدة الوطنية والحفاظ على الأمن. إنهم يريدون أيضا وضع حد للفساد والمحسوبية ونظام المحسوبية الطائفي الذي استنزف ثروات البلاد ومواردها لخدمة مصالح حفنة من الإقطاعيين. عندما نزل أكثر من مليون لبناني من جميع شرائح المجتمع إلى الشوارع في أكتوبر 2019 مرددين هتافات «يجب أن يرحلوا جميعًا» و«عندما نقول كلن يعني كلن» أي نقصدهم جميعًا، كانوا يعبرون باختصار عن الإحباط العميق من النظام القديم المتداعي الذي جعل البلاد تجثو على ركبتيها. تتمثل المشكلة، بالطبع، في أن ممثلي النظام القديم ليسوا مستعدين للتخلي عن زمام السيطرة. وهكذا فقد استمروا في التصرف مثل نيرون الذي كان يعبث بينما تحترق روما. ومما زاد الطين بلة، أنهم مدعومون بالوجود المسلح لحزب الله - الذي يعمل كحارس طليعي يحمي بقوة السلاح النظام الطائفي الفاسد الذي يستمدون منه فوائد كبيرة. ما تعلمناه أيضًا من استطلاعات الرأي الأخيرة هو أنه للمرة الأولى يقول اللبنانيون إنهم متفائلون قليلاً بشأن المستقبل، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الأمل الناتج عن الاحتجاجات الجماهيرية التي يقودها المجتمع المدني والاعتقاد بأن الانتخابات قد تحدث تغييرا حقيقيا. المشكلة هي أن طريقة تنظيم الانتخابات في لبنان تصب في مصلحة الأحزاب الطائفية التقليدية الراسخة. حتى لو اعتبرت العملية الانتخابية «حرة ونزيهة» من قبل المراقبين الخارجيين، فإن الانتخابات مزورة هيكليا وهي تكاد تضمن عودة العديد من نفس القادة الفاشلين إلى السلطة، رغم أنهم هم الذين أوصلوا البلاد إلى حافة الانهيار. ومع ذلك، هناك بعض المؤشرات التي تبعث على الأمل. تعترف الغالبية العظمى من اللبنانيين بوضوح بالمشاكل التي تواجه بلدهم ونظامهم السياسي. ويريدون التغيير. فقد فقد ثمانون في المائة الثقة في الأحزاب التقليدية. كما أن نصفهم لا يثقون بحزب الله، وثلثاهم يريدون وضع سلاح هذه المجموعة تحت سيطرة القوات المسلحة الرسمية - المؤسسة الأكثر دعمًا في البلاد (بثقة 9 من كل 10 لبنانيين). في الوقت الذي يتم فيه تزوير النظام ضدهم، يشعر ممثلو المعارضة التقدمية أنه إذا تمكنوا من الفوز بـ12 إلى 15 مقعدًا فقط (من 120 مقعدًا في البرلمان)، فسيكون لديهم نفوذ كاف لمنع «نفس الرجال المسنين» من تشكيل الحكومة القادمة. سيكونون في وضع يسمح لهم بالضغط بدلاً من ذلك من أجل حكومة تدعم على الأقل الإصلاحات المتواضعة اللازمة لمنع الانهيار التام. إذا أمكن تشكيل حكومة جديدة يمكنها إجراء التغييرات المطلوبة من قبل المستثمرين الدوليين ومؤسسات التمويل واستعادة درجة معينة من الثقة والاستقرار في العملة اللبنانية، وإذا أمكن استكمال المفاوضات لتأمين حقوق التنقيب عن احتياطيات الغاز البحرية فسيكون لبنان كذلك قادرا على تجنب الانهيار. سوف يتطلب الأمر أكثر من ذلك بكثير. فالمساءلة مطلوبة لأولئك الذين يتحملون مسؤولية المليارات التي استنزفها الفساد من البلاد، وعن التفجير المدمر لمرفأ بيروت، واغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وأعضاء حكومته وأنصاره في البرلمان. وفي وسائل الإعلام، وسيظل حزب الله بحاجة إلى أن يخضع لسيطرة مؤسسات الدولة. ينبغي ألا نطنب في أوهامنا. فعلى الرغم من الضرورة القصوى لن يكون من السهل تحقيق أي من هذا. ومع ذلك، إذا لم تنتج هذه الانتخابات سوى الوجوه التي سئمناها فإن لبنان الذي كان لسنوات على وشك الانهيار قد ينكسر. { رئيس المعهد العربي الأمريكي
مشاركة :