زواج الأطفال صداع يؤرق المجلس القومي للأمومة في مصر

  • 5/10/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أظهرت محاولات 27 أسرة مصرية تزويج بناتها قبل بلوغهن السن القانونية خلال عيد الفطر أن ظاهرة زواج الأطفال لا تزال تشكل صداعا في رأس الحكومة والمجلس القومي للأمومة والطفولة الذي نجح في إحباط هذه الزيجات قبل إتمامها، وإبلاغ وزارة الداخلية والنيابة العامة بسرعة واستدعاء أولياء أمور الفتيات لأخذ تعهدات كتابية منهم بعدم إجراء الزواج قبل بلوغهن 18 عاما. وكادت الفتيات الصغيرات يتزوجن لولا هروب بعضهن من أسرهن وإبلاغ الشرطة، حيث وصلت إلى المجلس القومي للطفولة بلاغات تفيد بوجود مخطط لتزويج قاصرات فتم إحباط ذلك في اللحظات الأخيرة، ما يعكس أن خطط الحكومة لمواجهة الظاهرة لم تؤت ثمارها بعد بدليل بقاء ثقافة الزواج المبكر عند الكثير من الأسر. وصادقت الحكومة على استخدام سلاح الترهيب لوقف ظاهرة الأمومة المبكرة بسن قانون يقضي بمعاقبة كل من ساعد وأسهم وسهّل ودعم زواج الفتاة القاصر بالحبس والغرامة المالية، سواء الأب أو المأذون أو ولي أمر الزوج نفسه طالما تجاوز سن الثامنة عشرة عاما، لكن هذه العقوبات لم تكن كافية أمام تحايل الأهالي. وأحال المجلس القومي للأمومة والطفولة الوقائع التي أحبط زواجها إلى النيابة العامة، لكنه لم يحدد ما إذا كانت محاسبة الآباء والمأذونين المتورطين فيها ستتم أم لا، ما يوحي بعدم استبعاد غلق القضايا مقابل تعهدات كتابية وقع عليها أولياء الأمور بالتراجع عن تزويج قاصرات دون عقوبة حفاظا على مستقبل الأسرة. وقائع إحباط زواج 27 طفلة أثبتت وجود حالة وعي لدى الفتيات الصغيرات اللاتي تمردن على أسرهن بالهرب وإبلاغ الشرطة وينتشر زواج القاصرات في بعض القرى والنجوع في ريف مصر، وهناك مناطق بعينها معروف عنها أنه بمجرد بلوغ الفتاة عمر اثني عشر عاما أو ثلاثة عشر عاما يتم تزويجها لمراهق لم يبلغ السن القانونية أو شاب، وربما رجل كبير، لكن دون توثيق الزواج قانونيا ويكون ذلك بموافقة الطفلة أو إجبارها على ذلك. ويمثل المأذون الشرعي الحلقة الأهم في ظاهرة زواج الأطفال في مصر، حيث يتخصص بعض المأذونين في هذه الزيجات لدرايتهم بالدهاليز البيروقراطية وكيفية التحايل على الإجراءات التي تتشدد فيها الحكومة بهذا الشأن، ويتلاعب هؤلاء بالأوراق الرسمية ويسهلون إجراءات الزواج مقابل الحصول على مبالغ مالية من أسرتي الشاب والفتاة. ويقوم المأذون في حالات الزواج المبكر بكتابة ثلاث نسخ زواج عرفي تسلم الأولى إلى أسرة الطفلة، والثانية إلى عائلة الشاب، والثالثة تظل بحوزة المأذون، فالمتعارف عليه أن زواج القاصرات يتم بالتراضي بين العائلتين بناء على ثقة متبادلة ولا يتم توثيقه رسميا قبل بلوغ الطفلة السن القانونية. وضمن إجراءات التحايل لزيادة طمأنة أسرة الطفلة يقوم المأذون بإجبار العريس وولي أمره أو وكيله بالتوقيع على شيك بنكي بمبلغ مالي كبير يسلم إلى والد الفتاة القاصر كضمانة لعدم هروب الزوج أو تنصله من الزواج بها أو عدم اعترافه وأسرته بالأبناء الناجمين عنه، لأن الزواج في النهاية عرفي وليس رسميا وموثقا. وفي حال عدم حدوث الطلاق قبل بلوغ الطفلة السن القانونية يتم توثيق وتسجيل الزواج في السجلات الرسمية التابعة لوزارة العدل من خلال نفس المأذون الذي قام بإتمام الزيجة من البداية مع تحديث موعد إبرام العقد، بحيث يبدو حديثا؛ إذ يتعمد المأذون في هذه الحالة ترك مكان التاريخ فارغا ليدونه قبيل تسجيله مباشرة. Thumbnail وكثيرا ما تتفجر الأزمات في وجه الطفلة بعد إنجاب أبناء قبل بلوغها السن القانونية وعدم توثيق عقد الزواج، فتسجيل المولود يحتاج إلى وثيقة رسمية، لكن إذا كان المأذون محترفا ولديه قاعدة علاقات يساعد الأسرتين بالتعاون مع موظفين في مكاتب الصحة لتسجيل الأبناء بشكل سري إلى حين إبرام العقد رسميا ثم تسليم نسخة إلى الموظفين لاحقا. ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية أن أزمة زواج القاصرات في مصر أكبر من مجرد محاولات إحباط يقوم بها المجلس القومي للأمومة والطفولة لأن الظاهرة بحاجة إلى استراتيجية متكاملة تتنوع فيها سياسة الترهيب والتوعية للكبار والصغار، بعيدا عن منع حدوث الزواج لاكتشاف الواقعة بالصدفة، مع حتمية البحث في الخلفيات والأسباب ومعالجتها بطريقة واقعية. ويعتقد هؤلاء أن الأمومة المبكرة التي تنتشر كثيرا بين الأسر في صعيد وريف مصر مردها الأول أن الأسرة تنتظر بلوغ الفتاة في أسرع وقت كي تقوم بتزويجها والتخلص من أعبائها المادية على وقع الظروف المعيشية الصعبة والاعتقاد الراسخ بأن زواجها يخفف من الأعباء الواقعة على العائلة، حتى أصبح تزويج الصغيرات أفضل بكثير من مواصلة دراستهن. وثمة ثقافة راسخة لدى الكثير من الأسر التي تقدس العادات والتقاليد تتلخص في كون الزواج هو السبيل الأمثل لحماية سمعة الفتاة وأن عدم زواجها مبكرا يعني التشكيك في سلوكها ووصمها بأنها غير جديرة بالزواج. وهناك أسر ترى أن زواج الفتيات في سن صغيرة هو الحل الاقتصادي والاجتماعي المتاح لديهن، بغض النظر عن مستقبلهن وعمّا إذا كن قادرات على تكوين عائلة أم لا. هناك مناطق بعينها في نجوع مصر معروف عنها أنه بمجرد بلوغ الفتاة عمر اثني عشر عاما أو ثلاثة عشر عاما يتم تزويجها لمراهق لم يبلغ السن القانونية أو شاب وقالت عبير سليمان، الناشطة في قضايا المرأة بالقاهرة، “إنه لا بديل عن مشاركة الفتيات الصغيرات في تحصين أجسادهن من الانتهاك بالزواج المبكر ودون تحقيق هذه الخطوة فإن الحكومة ستواجه تحديات بالغة التعقيد في الحد من الأمومة المبكرة، لأن تجاهل مخاطبة الضحية وتوعيتها يكرس بقاء الأزمة، ما يضاعف من صعوبة تعديل سلوكيات وثقافات بالعقوبات وحدها دون تثقيف المجتمع وتصويب أفكاره”. وأوضحت لـ”العرب” أن “وقائع إحباط زواج 27 طفلة أثبتت وجود حالة وعي لدى الصغيرات اللاتي تمردن على أسرهن بالهرب وإبلاغ الشرطة، وهذا يعني أن الفتيات مؤهلات للتوعية، على أن يكون ذلك بطريقة تجعلهن أكثر معرفة ووعيا في حال تعرضن لضغوط أسرية لإجبارهن على الزواج المبكر، وبالتالي لا بديل عن نشر ثقافة الاستغاثة عند الفتيات”. وقد تستمر ظاهرة زواج الأطفال طالما أن الحكومة اكتفت بسن التشريعات التي تعاقب الجناة على الفعل ولم تقم بتوفير غطاء توعوي يمنع وقوع الفعل نفسه من خلال وضع حلول غير تقليدية توقف حدوث الزواج بعيدا عن العقوبات؛ مثل تكريس ثقافة ملكية الفتاة لجسدها وتثقيف الصغيرات وتوعيتهن بالتبعات السلبية عليهن، صحيا ونفسيا، إذا رضخن للأسرة. ولن يتحقق ذلك دون الاستعانة بالمناهج الدراسية. وربما تكون العقوبات مطلوبة كنوع من الترهيب، لكن لن تتحقق المواجهة المكتملة قبل وجود قاعدة بيانات في المناطق التي تتبنى عائلاتها زواج الأطفال للنزول إليها عبر متخصصين والاختلاط بالمواطنين ومحاورتهم حول الأسباب والعقوبات والحقوق الضائعة للفتاة وأولادها، مع عدم إغفال دور الفن في مناقشة الظاهرة بشكل متعمق. وأكدت عبير سليمان لـ”العرب” أن “الحضّ على الزواج المبكر جريمة يقوم بها بعض الشيوخ الذين ينشرون أفكارهم بين الناس ويحفزون الأهالي على تزويج الطفلة كسُترة بذريعة تحصينها من الفتنة. وتكمن المعضلة في أن الكثير من الأسر الفقيرة تصدق هذه الأصوات حتى أصبحت حائطا منيعا أمام تغيير قناعات شريحة اجتماعية واسعة وما ترسخ في ذهنها من تصورات تتعلق بالأمومة المبكرة”.

مشاركة :