بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة وجه جلالة الملك رسالة مفادها الرغبة في مشاركة المجتمع الدولي بالدور التنويري للصحافة والاحتفال بكل من حمل امانة الكلمة الصادقة والمسؤولة والحفاظ على شرف هذه المهنة. وهنأ جلالته منتسبي هذه المؤسسة على ترسيخ رسالة الصحافة في نشر الوعي وإعلاء الفكر المستنير وصون الحقوق والحريات تعبيرا عن قيم التنوع والتعددية والانفتاح بما يخدم المصلحة العامة وتحقيق الخير والنماء للشعب وللوطن، ودعم التنمية والتقدم والازدهار، مع الالتزام بقيم التسامح والاخاء كقيم انسانية. واكد جلالته دعم طموحات الاسرة الصحفية في مواكبة التطوير المستمر والارتقاء بالعمل الصحفي والاعلامي وتحقيق مستويات أفضل في المؤشرات العالمية. يحتفل العالم في الثالث من مايو من كل عام باليوم العالمي لحرية الصحافة لتأكيد مبادئ حرية الصحافة التي حددتها منظمة اليونسكو لضمان تدفق المعلومة والمعرفة وحرية الفكر. فهل الصحافة اليوم تحت حصار رقمي كما يشير الشعار لهذا العام، ام ان الصحافة وحرية الكلمة كانت ومازالت في علاقة جدلية مع مختلف السلطات الرسمية والمجتمعية والدينية في تأصيل مبادئ حرية الكلمة واستقلاليتها وحق المعرفة والحصول على المعلومة. السؤال الذي يبرز من خطاب جلالته وتواجهه الصحافة هو كيف يمكن خدمة الصالح العام والمنفعة المشتركة من خلال الصحافة؟ واول مهمة تواجهها الصحافة هي تعريف الصالح العام. اذا علمنا ان الدول تتكون من ثلاثة اعمدة هي السلطات، وقوى السوق، والمجتمع. فان اول هدف للمصلحة العامة هو خلق توازن بين هذه القوى الثلاث لكي لا تطغى واحدة على الاخرى وتهيمن على المشهد. وهذا يتطلب توازنا في القوى وتوازنا في توافر المعلومات وتوازنا في تأثير صوت كل منها وتوازنا في القدرة على التنظيم. فسيطرة الشارع التجاري قد تؤدي الى توظيف مقدرات الدولة لصالح طبقة معينة. وتغول المجتمع يشل الدولة ويمنع اتخاذ اي قرار. للصحافة دور كبير في تحقيق هذا التوازن من خلال نشاطها الحر المستقل الناقد لسلوك وممارسات كل من القوى الثلاث وتقدم بذلك خدمة للمصلحة الوطنية وتسهم في تحقيق الامن والاستقرار. في سبيل تحقيق التوازن الصحي الايجابي بين القوى الثلاث تواجه اي صحافة عددا من القضايا المهمة في مواكبة متطلبات العصر. القضية الاولى هي تحديد تعريف الصالح العام او المصلحة العامة، ومن يعرفها والتوفيق بين مختلف التصورات؟ القضية الثانية التحول الرقمي والمجال المفتوح في التواصل الاجتماعي وكيف هي استجابة الصحافة المطبوعة لهذه المتغيرات. القضية الثالثة احتكار المعلومة ومنع انتشارها والقدرة الفائقة على الترهيب من قبل مختلف الجهات العاملة في المجال الرقمي، لذلك فإن التحديات امام الصحافة هي معالجة هذه القضايا بما يخدم الصالح العام وفق تعريف يُجمع عليه قوى المجتمع ووفق مبادئ رئيسية تحترم حقوق الانسان في المعرفة وفي المشاركة وفي النقد الحر الملتزم بالموضوعية بعيدا عن الشخصنة، مع الاخذ في الاعتبار التحول الرقمي وسرعة تدفق المعلومات والحاجة إلى حماية الخصوصية وحماية المؤسسات والبيانات والمعلومات الشخصية. كذلك من المهم المحافظة على المناخ الديمقراطي الذي يرتضيه المجتمع كأساس لعلاقة السلطات ببعضها وبالمجتمع. في تطلعاتنا، لوضع قانون عصري ينظم العلاقة نحتاج الى قانون يضع اهدافا واضحة للصحافة والإعلام تقوم على مبادئ الميثاق وتجسد القيم الانسانية وتحدد الحقوق والواجبات. قانون مبني على إدراك بان حرية الكلمة وحق النقد لم يعد ترفا وانما أحد اسس التنمية والتقدم في بيئة تتطلب الابتكار والابداع وحق الاختلاف والتسامح الفكري والتعايش السلمي. وهذا ما أكده رؤساء تحرير وصحفيون واعضاء جمعية الصحفيين بضرورة وجود قانون مستنير للصحافة يلبي تطلعات جلالة الملك وطموحات الصحافة واحتياجات المجتمع وينسجم مع روح العصر. عُرض قبيل شهر مشروع قانون الصحافة على مجلس النواب اشتمل على الكثير من الايجابيات غير ان المجلس النيابي وأطيافا من المجتمع رأوا الحاجة إلى المراجعة وإعادة النظر لتلبية هذه التطلعات والطموحات والاحتياجات، وما يعزز القيم ويحافظ على المبادئ. من اهم انجازاته الغاء عقوبة الحبس لكن شمل على عقوبات مالية رأى الكثيرون بانها مبالغ فيها وتضع قيودا تفوق قدرة الصحفيين والكتاب وتحرم المجتمع والسوق والدولة من الاستفادة من مختلف الآراء التي سوف تتهيب من ابدائها. لأهمية هذا القانون من الضروري ان تتم مناقشته باستفاضة من قبل مختلف منظمات المجتمع واولها جمعية الصحفيين والجمعيات المهنية والسياسية، وان تعقد الندوات لبيان اهداف القانون اولا، ومن ثم بيان ايجابياته وسلبياته وطرح الخيارات والحلول لما يعتريه من ثغرات قد تؤثر في حرية الكلمة والنقد او تجاوز لحدود احترام حقوق الاخرين. فمثلا يرى البعض اهمية اعادة النظر في اغلاق الصحف بسبب تجاوز اشخاص ويعتبرونها عقوبة جماعية. كما يرفض اخرون تجريم اخطاء الصحفيين ويرون أهمية مراعاة حسن النوايا في ارتكاب الاخطاء الصحفية واعتبارها قضايا مدنية. لتكن المرحلة القادمة مرحلة مناقشة مستفيضة لهذا القانون المهم تضع هذه المحاذير وغيرها على طاولة النقاش في المجتمع. المجتمع له دور كبير في حسن ادارة الدولة ووسيلته في القيام بهذا الدور منظماته المدنية والصحافة. فأي انتقاص من حرية الصحافة سوف يحد من قدرة المجتمع على تقديم الآراء وتقييم الانجازات ومناقشة السياسات بموضوعية تضع المصلحة العامة فوق اي اعتبار. نحتاج قانونا يُمَكِّن الجميع من المساهمة في التنمية والقيام برسالتهم الوطنية ومواكبة المتغيرات التي طرأت على اهتمامات المجتمع واولوياته.
مشاركة :