بدأ الموسم الذي انتهى بأن يكون كارلو أنشيلوتي هو المدير الفني الوحيد الذي فاز بجميع الدوريات الخمسة الكبرى في أوروبا بمكالمة هاتفية حول شيء مختلف تماماً. ففي أواخر مايو (أيار) من العام الماضي، أعلن زين الدين زيدان، أنه سيرحل عن ريال مدريد، وترك رسالة قوية قال فيها، إنه لم يعد يتلقى الدعم الكافي من مسؤولي النادي، الذين وجدوا أنفسهم فجأة ومن دون مقدمات يبحثون عن مدير فني جديد ليحل محل زيدان، وهي المهمة التي لم تكن تسير على ما يرام. وفي أحد أيام السبت، وبينما كان مسؤولو النادي الملكي يتحدثون مع أنشيلوتي عن تفاصيل التعاقد مع لاعبين جدد، انتقل الأمر من الحديث عن اللاعبين إلى المديرين الفنيين، وعند هذه النقطة تساءل المدير الفني الإيطالي: وماذا عني؟ وبعد اتصالين آخرين تم الاتفاق على الأمر، فبحلول يوم الثلاثاء التالي، تم الإعلان عن أنشيلوتي مديراً فنياً جديداً. لقد أطلعوه على كل التفاصيل الجديدة، لكنه لم يكن في حاجة إلى ذلك في حقيقة الأمر؛ لأنه كان يعلم كل صغيرة وكبيرة تحدث داخل النادي، ولم يتردد للحظة في قبول المهمة. من المؤكد أنه لم يكن سعيداً بسبب الطريقة التي أُقيل بها من منصبه في المرة الأخيرة، ومن المؤكد أنه يدرك تماماً الضغوط الرياضية، بل والسياسية التي يتعرض لها من يتولى قيادة «الميرنغي»، لكن لا يمكنه أن يقول لا لريال مدريد، خاصة أنه لم يكن يتوقع على الإطلاق أن تتاح له الفرصة مرة ثانية للعودة إلى ملعب «سانتياغو برنابيو». وقال المدير الفني الإيطالي «لو حدث ذلك من أي نادٍ آخر، لرفضت العودة». وربما كان الشيء الغريب في الأمر أن مسؤولي نادي إيفرتون لم يشعروا بالانزعاج كما ينبغي عندما أخبرهم أنشيلوتي بأنه سيرحل لتولي تدريب ريال مدريد، كما أن البعض في مدريد لم يكونوا متحمسين لقدوم أنشيلوتي، لكن المدير الفني الإيطالي المخضرم أثبت للجميع بعد ذلك أن إيفرتون قد خسر كثيراً برحيله، وأن ريال مدريد قد كسب الكثير بقدومه. وبعد اثني عشر شهراً، قاد أنشيلوتي ريال مدريد للحصول على لقب الدوري الإسباني الممتاز، ليكون هذا هو أول لقب للدوري الإسباني يحصل عليه المدير الفني الإيطالي، الذي سبق وأن حصل على لقب الدوري لمرة واحدة مع كل من ميلان وتشيلسي وباريس سان جيرمان وبايرن ميونيخ. وبعد الفوز بلقب الدوري، قاد أنشيلوتي ريال مدريد للوصول إلى المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا بعد تجاوز عقبة مانشستر سيتي وتحويل تأخره بهدف على ملعب «سانتياغو برنابيو» للفوز بثلاثة أهداف مقابل هدف وحيد ليفوز بمجموع مباراتي الذهاب والعودة بنتيجة ستة أهداف مقابل خمسة، ويواجه ليفربول في المباراة النهائية للبطولة الأقوى في القارة العجوز في نهاية الشهر الحالي في العاصمة الفرنسية باريس. وكان مشجعو ريال مدريد يحتفلون بالفوز بلقب الدوري المحلي وهم يرددون كلمات «نعم، نحن نستطيع» أنشيلوتي، في إشارة إلى قدرة الفريق على الفوز ببطولة دوري أبطال أوروبا. وقد أظهر الفريق بالفعل أنه قادر على الفوز بلقب هذه البطولة بعدما أطاح عدداً من أقوى وأفضل الأندية في طريقه إلى المباراة النهائية، بما في ذلك باريس سان جيرمان وتشيلسي ومانشستر سيتي. وعلى الصعيد المحلي، واصل الفريق أيضاً صحوته وأثبت للجميع أنه يلعب حتى صافرة النهاية ولا يستسلم أبداً، فرغم تأخره أمام إشبيلية بهدفين دون رد، فإنه تمكن من العودة في النتيجة والفوز بثلاثة أهداف مقابل هدفين، ليحسم لقب الدوري، ويثبت أنه الفريق الأفضل في إسبانيا بكل المقاييس. وقال النجم الكرواتي لوكا مودريتش «لقد فعلنا ذلك قبل نهاية الموسم بأربع جولات، وهو الأمر الذي يوضح كل شيء». ويتصدر ريال مدريد جدول ترتيب الدوري الإسباني الممتاز بفارق عن أقرب ملاحقيه يعادل أكبر فارق في النقاط بين البطل والوصيف في تاريخ الدوري الإسباني. وعلاوة على ذلك، كان ريال مدريد صاحب أقوى خط هجوم، والأكثر صناعة للفرص والأكثر إكمالاً للتمريرات الصحيحة. ولم يخسر الريال سوى أربع مرات فقط، وكان الفريق يرد بقوة في أعقاب كل خسارة ويلعب الأسابيع العشرة التالية من دون هزيمة (خسر أمام إسبانيول في الأسبوع الثامن، وأمام خيتافي في الأسبوع التاسع عشر، وأمام برشلونة في الأسبوع التاسع والعشرين، وأمام أتلتيكو مدريد في الأسبوع الخامس والثلاثين). لكن الخسارة أمام برشلونة تسببت في ألم كبير لعشاق النادي الملكي. هناك نقاط ضعف وعيوب واضحة في صفوف ريال مدريد، لكن هذا الفريق لديه قدرة عجيبة على العودة أيضاً، حيث يستعيد اللاعبون أفضل مستوياتهم على الإطلاق في اللحظات الصعبة والأكثر أهمية. وقال أنشيلوتي عن ذلك «لقد فزنا في أماكن صعبة: إشبيلية، وسان سيباستيان، وبلباو، وبرشلونة». وعلى ملعب «سانتياغو برنابيو»، فاز ريال مدريد على كل من إشبيلية وأتلتيكو مدريد وريال سوسيداد. ولم يبتعد ريال مدريد عن الصدارة سوى في فترتين فقط - بعد الأسبوع الثاني، وبين الأسبوعين التاسع والرابع عشر عندما كان لديه مباراة مؤجلة - ولم يبتعد عن الصدارة مرة أخرى لبقية الموسم وحتى الآن. وهذا هو السبب الذي جعل ريال مدريد يحسم لقب الدوري رسمياً قبل أربع جولات، وسط احتفالات صاخبة، حيث ظل اللاعبون والموظفون يرقصون في دائرة ضخمة. وسار المشجعون السعداء خلف حافلة الفريق حتى منطقة كاستيلانا، وتم ربط الكأس بإحكام حتى لا يسقط مرة أخرى، بينما كان أكثر من 100 ألف شخص ينتظرون في ساحة سيبيليس للاحتفال بهذا الإنجاز الكبير. وكان اللاعبون يلقون كارلو أنشيلوتي عالياً وهو يصرخ قائلاً «أكثر! أكثر!» وقال بعد ذلك «لقد استمتعت بوجودي في الهواء»، ثم وجه الشكر لريال مدريد على هذه الفرصة. وقال المدير الفني الإيطالي والدموع في عينيه «تأثري بشدة هو أمر وراثي، فقد كان جدي وأبي كذلك أيضاً». ومع ذلك، لو كان هناك أي شيء يميز هذا الموسم الذي فاز فيه الفريق باللقب، فإن هذا الشيء بالطبع هو الهدوء الشديد الذي كان يتحلى به المدير الفني الإيطالي، وتحكمه في كل شيء، وكيف يبدو وكأنه لا يهتم بأي من المؤثرات والمشتتات الخارجية من حوله، حيث يكتفي فقط برفع حاجبه في حال شعوره بالدهشة من أي شيء! لقد كان هذا هو الحال دائماً، لكن ربما كان إنشيلوتي، البالغ من العمر 62 عاماً، أكثر هدوءاً هذا العام من ذي قبل. وقال المدير الفني الإيطالي «كان العمل سهلاً بالنسبة لي»، وأحياناً يبدو الأمر كما لو كان بإمكانه أن يترك اللاعبين يواصلون العمل بمفردهم والاستمتاع بالرحلة فقط! وفي وقت سابق من هذا الموسم، قال أنشيلوتي، إن مودريتش وتوني كروس وكاسيميرو كان يفعلون أشياء لم يطلب منهم القيام بها. وقال «يمكن لجماهير ريال مدريد أن تستريح بهدوء، فلن أتدخل». وعلاوة على ذلك، تألق المهاجم الفرنسي كريم بنزيمة بشكل لافت للأنظار، وكان أفضل لاعب في الدوري الإسباني الممتاز بفارق كبير عن باقي اللاعبين، كما قدم الحارس العملاق تيبو كورتوا مستويات استثنائية، وأنقذ 75 في المائة من التسديدات على مرماه، وحقق ما يشبه المعجزة في عدد من المباريات. بالإضافة إلى ذلك، يمكن القول بأن هذا هو دوري فينيسيوس جونيور، الذي سجل ضعف ما سجله في المواسم الثلاثة الأخيرة مجتمعة. ورغم تألق هؤلاء اللاعبين وغيرهم في الفريق، فإن أنشيلوتي قد لعب دوراً كبيراً للغاية في قيادة الفريق للفوز بهذا اللقب. فعندما تولى أنشيلوتي المسؤولية، كان يفكر في الاعتماد على إيدن هازارد وغاريث بيل في خط الهجوم، لكن فينيسيوس تألق بشدة ونجح في حجز مكان له في التشكيلة الأساسية للفريق وواصل التألق والتوهج. وكان أنشيلوتي يلعب بطريقة عملية وبراغماتية للغاية، وكان يطالب لاعبيه بعدم الاستسلام واللعب حتى صافرة النهاية والقتال في أصعب الظروف والمواقف، كما كان يطالبهم باستغلال الفرص التي تسنح لهم. لقد بدأ بيل المباريات الثلاث الأولى في الموسم، لكنه لم يشارك بعد ذلك في التشكيلة الأساسية سوى مرة واحدة فقط، ووصل الأمر لدرجة أن عدد الدقائق التي لعبها مع منتخب ويلز كان أكبر من عدد الدقائق التي لعبها مع ناديه! ولم يسجل هازارد أي هدف في الدوري. لكن غياب أغلى لاعبين في تاريخ ريال مدريد، واللذان يحصلان على أعلى راتب في الفريق، لم يؤثر على مستوى ونتائج الفريق. كما لم يتأثر الفريق أيضاً برحيل سيرخيو راموس ورافائيل فاران، اللذان كانا أساسيين في قلب الدفاع على مدى عقد كامل من الزمان. ومن المؤكد أن الفضل في كل ذلك يعود إلى أنشيلوتي، الذي نجح في إيجاد البدائل المناسبة. وفي تلك الأسابيع الأولى، قال داني كارفاخال، إن أنشيلوتي أصبح مختلفاً عما كان يعرفه عنه من قبل من حيث تركيزه على الدفاع. وتحدث كارفاخال عن كيف كان أنشيلوتي يريد من المدافعين أن يكونوا متشائمين وليسوا متفائلين، بمعنى أنه من الأفضل أن يخافوا من الأسوأ. ومع ذلك، فإن أنشيلوتي نفسه متفائل للغاية ويضع لمسة من الخبرة والدقة على كل شيء، ولديه القدرة على قيادة الفريق ببراعة في أصعب اللحظات. وعندما وصل أنشيلوتي إلى «سانتياغو برنابيو»، سُئل عن النقاط التي اشتكى منها زيدان، وجاء رده ليشير إلى أن مساعده السابق – زيدان - كان يجب أن يعرف حقاً طبيعة المجال الذي يعمل به. وقال «أنا أعمل في مجال كرة القدم منذ 40 عاماً تقريباً والناس يتحدثون - وهذا طبيعي». هناك أشياء لا يمكنك تغييرها؛ لذا لا تحاول تغييرها. وبالتالي، لم تكن هناك أي طلبات من جانب أنشيلوتي، ولم يطلب التعاقد مع لاعبين جدد، ولم يشتك بشأن الثغرات الموجودة في الفريق أو اللاعبين الذين لا يهتمون بما يكفي، ولم يتسبب في إثارة أي أزمات، بل على العكس تماماً كان ينهي أي أزمات أو مشاكل في مهدها وقبل تفاقمها، وكان ينجح ببراعة فائقة في إنهاء أي حالة من الجدل. لقد قاد أنشيلوتي ريال مدريد للفوز بلقب الدوري الإسباني الممتاز بخط وسط يضم ثلاثة لاعبين تصل أعمارهم إلى 36 و32 و30 عاماً. ولم يعتمد على سياسة تدوير اللاعبين، بل اعتمد على تشكيل ثابت تقريباً طوال الموسم (على الرغم من أن كروس ومودريتش قد غابوا عن عدد كبير من المباريات). وتجاهل أنشيلوتي التحذيرات المتعلقة بانهيار الفريق في وقت متأخر من الموسم كما حدث في المرة السابقة، وقاد الفريق للوصول إلى نهاية الموسم وهو في حالة بدنية أفضل مما توقعه أي شخص. وقال «أنا لا استمع إلى ما يُقال، بل انظر إلى البيانات التي لدينا من التدريبات والمباريات»، مشيراً إلى أنه يثق تماماً في مدرب اللياقة البدنية، أنطونيو بينتوس، الذي عاد للعمل مع الفريق مرة أخرى الصيف الماضي. وعندما قيل إن ريال مدريد يلعب بتحفظ دفاعي كبير - تكشف الإحصائيات عن أن الفريق يتمركز للخلف بمقدار مترين ونصف المتر بالمقارنة بما كان عليه الأمر الموسم الماضي – قال أنشيلوتي، إن فينيسيوس كان لديه «دراجة نارية في حذائه»، فلماذا لا تستغل ذلك وتلعب على الهجمة المرتدة؟ لكن بعد مباراة باريس سان جيرمان، وافق أنشيلوتي على ذلك وقال، إن ريال مدريد كان يتعين عليه أن يتقدم قليلاً إلى الأمام. لقد اعترف المدير الفني الإيطالي بأخطائه، لكنه قال «يمكنني أن أخطئ مرة واحدة، لكنني أميل إلى عدم ارتكاب الخطأ مرتين». وعندما اتُهم بأنه يعتمد أكثر من اللازم على كريم بنزيمة، قال، إنه فخور بالاعتماد على أفضل لاعب في العالم. وعندما غضب ماركو أسينسيو، قال أنشيلوتي «هذا جيد». وفي المباراة التالية سجل أسينسيو ثلاثة أهداف، وتساءل أنشيلوتي عن اللاعب الذي سيغضب بعد ذلك! وعندما شعر كروس بالغضب بسبب استبداله، استخدم أنشيلوتي الجملة المكررة التي يقولها دائماً، وهي «لقد شعر بالغضب من المدير الفني، وليس من الشخص نفسه». وذكّر الجميع بشيء قاله له أحد اللاعبين، قائلاً «اللاعب الذي لا يغضب من عدم اللعب ليس لاعباً على الإطلاق». وعندما أراد داني سيبايوس المشاركة في عدد أكبر من الدقائق، قال أنشيلوتي «إنه محق في ذلك، فقد كنت غير عادل». لقد أثر كل ذلك في اللاعبين، الذين أصبحوا يعشقونه ويرغبون في القتال من أجله، وحصلوا تحت قيادته على لقب الدوري وتأهلوا إلى نهائي دوري أبطال أوروبا. في النهاية، تبرز جملة واحدة في هذا الصدد، وهي الجملة التي قالها أنشيلوتي وربما لم يسمعها الكثيرون، وهي «إنني أستمع إلى لاعبي فريقي». غالباً ما يُنظر إلى هذا الأمر على أنه نقطة ضعف يتم إبرازها والتركيز عليها، لكنها في حقيقة الأمر نقطة قوة كبيرة لدى المدير الفني الإيطالي. وبعد حصد لقب الدوري، وبمجرد أن تم وضع الخطة معاً، وبينما كانت الحافلة ذات السقف المفتوح تتقدم نحو منطقة كاستيلانا ودرع الدوري على متنها، رفع كارلو أنشيلوتي نظارته الشمسية وأخرج سيجارته الكبيرة ليتم التقاط صورة تذكارية مع لاعبيه احتفالاً بما فعلوا تحت قيادة هذا المدير الفني القدير، الذي وصفه فينيسيوس بـ«الرئيس».
مشاركة :